مجزرة البيجر: أكبر اختراق أمني وجرحى حزب الله يملؤون المشافي والشركة المصنّعة توضح
ترجمة وإعداد: مهيار الحفار
تسببت عملية “مجزرة البيجر” التي ألقت مليشيا حزب الله الممولة إيرانياً مسؤوليتها على جهاز التجسس الإسرائيلي (الموساد)، في خرق أمني كبير شهد تفجير آلاف أجهزة النداء في مختلف أنحاء لبنان وفي سوريا أيضا حيث تتواجد المليشيا وترتكب جرائم حرب بحق السوريين منذ بداية اندلاع الثورة السورية ضد حكم بشار الأسد. وانفجرت أجهزة النداء (البيجر) في جنوب لبنان، وفي الضاحية الجنوبية لبيروت، وفي منطقة البقاع الشرقي، وهي كلها معاقل لحزب الله.
وبحسب المعلومات فقد أسفر العملية حتى الآن عن مقتل تسعة أشخاص وإصابة ما يقرب من ثلاثة آلاف آخرين، بما في ذلك مقاتلو النخبة في الميلشيا وسفير إيران في بيروت. وقال وزير الصحة اللبناني (فراس أبيض) أن فتاة صغيرة كانت من بين القتلى، وأن أكثر من مائتي شخص أصيبوا بجروح خطيرة.
ووفقا لتقرير نشرته صحيفة (نيويورك تايمز)، فإن الموساد هو المسؤول عن الهجوم على حزب الله في لبنان. ويبدو أن 5000 جهاز نداء (بيجر) تابع للميليشيات الشيعية كانت مفخخة بالمتفجرات قبل وصولها إلى أيدي مقاتلو الحزب.
الشركة التايوانية تنفي
وفقا لمعلومات من صحيفة نيويورك تايمز، فإن جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلي الموساد هو المسؤول عن الهجوم المدمر على أجهزة النداء التابعة لميليشيا حزب الله الشيعية في لبنان .
وذكرت وكالة رويترز للأنباء أيضاً أنه تم التلاعب بإجمالي 5000 جهاز؛ ووفقاً للمعلومات الحالية، قُتل تسعة أشخاص وأصيب 2750 آخرون في الهجوم المتزامن الذي وقع في جميع أنحاء البلاد. ويقال إن العديد من كوادر حزب الله كانوا من بين الجرحى، بما في ذلك أعضاء في قوة الرضوان الخاصة.
وفي الوقت نفسه، أوضحت شركة تصنيع أجهزة النداء التايوانية غولد أبولو أنها لم تصنع أجهزة الاستقبال اللاسلكية التي انفجرت. وقال مؤسس الشركة (هسو تشينغ كوانغ) في مؤتمر صحفي: “إن هذه الأجهزة تم إنتاجها من قبل شركة في أوروبا مرخص لها باستخدام اسم علامتنا التجارية Gold Apollo.
وعندما سألته وكالة الأنباء الألمانية عبر الهاتف، أوضح مؤسس جولد أبولو أن: “شركة مقرها في المجر قامت بتصميم وتصنيع أجهزة النداء”. وقال جولد أبولو أيضاً: “بموجب الاتفاقية، نسمح لشركة BAC باستخدام علامتنا التجارية لبيع المنتجات في مناطق معينة، ولكن يتم التعامل مع التصميم والتصنيع بالكامل بواسطة BAC”. نموذج AR-924 المذكور في التقارير الإعلامية يتم إنتاجه وبيعه أيضاً بواسطة BAC.
وظهرت صور لأجهزة النداء في أعقاب الحادث، وكانت الملصقات الموجودة على الظهر تبدو متسقة مع أجهزة النداء التي تصنعها شركة جولد أبولو التايوانية، بحسب تحليل أجرته رويترز.
وفي يوم الأربعاء، نفى مؤسس الشركة هسو تشينج كوانج أن تكون الشركة قد صنعت أجهزة النداء، قائلاً إنها من صنع شركة في أوروبا لها الحق في استخدام علامتها التجارية. وقال: “المنتج لم يكن ملكنا. كل ما في الأمر أنه كان يحمل علامتنا التجارية”. وأضاف: “نحن شركة مسؤولة. وهذا أمر محرج للغاية”.
25 إلى 50 جرام متفجرات لكل جهاز!
وجاء العديد من أجهزة النداء من شحنة تلقتها ميليشيا حزب الله في الأيام الأخيرة، حسبما ذكرت صحيفة (وول ستريت جورنال) نقلاً عن مصادر مطلعة على الأمر.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز نقلا عن مسؤولين أمريكيين وآخرين تم إبلاغهم بالعملية أن عملاء إسرائيليين اعترضوا العبوات قبل وصولها إلى لبنان وقاموا بتحميلها بحوالي 25 إلى 50 جراما من المتفجرات لكل منها.
ووفقا للمعلومات الواردة من بوابة الأخبار الأمريكية (أكسيوس)، فقد أصابت الانفجارات أيضا بالشلل جزءا كبيرا من نظام القيادة والسيطرة العسكري لحزب الله.
لماذا استخدم حزب الله البيجر؟!
لماذا استخدم حزب الله هذه التكنولوجيا التي كانت موجودة في الثمانينات؟ لأسباب تكتيكية: أرادت استخدام أجهزة النداء للتهرب من المراقبة والتتبع من قبل الجيش الإسرائيلي. بالنسبة للهواتف المحمولة والهواتف الذكية، يمكن تحديد مكان وجودها عبر نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) أو على الأقل خلايا الراديو – أو للهواتف الذكية عبر شبكة WLAN التي تم تسجيل الهاتف فيها.
ومن ناحية أخرى، لا يتم تسجيل جهاز النداء على الشبكة. الجهاز مجرد جهاز استقبال وبالتالي لا يمكن تحديد موقعه. ولذلك دعا حزب الله مقاتليه إلى عدم استخدام الهواتف المحمولة إن أمكن – وبدلاً من ذلك قام بشراء أجهزة الاستدعاء قبل بضعة أشهر، والتي انفجرت الآن .
أكبر خرق أمني
واتهم حزب الله إسرائيل بالوقوف وراء الانفجارات وقال إنها ستتلقى “العقاب العادل”، وإنه يجري “تحقيقا أمنيا وعلميا” في أسباب الانفجارات. لكن مسؤولاً في حزب الله، قال (شريطة عدم الكشف عن هويته)، إن التفجير كان “أكبر خرق أمني” للحزب منذ اندلاع الصراع في غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، عندما شنت حماس هجمات في جنوب إسرائيل، مما أسفر عن مقتل 1200 شخص واحتجاز نحو 250 آخرين كرهائن.
وقال جوناثان بانيكوف، نائب ضابط الاستخبارات الوطنية السابق في الحكومة الأميركية لشؤون الشرق الأوسط: “سيكون هذا بسهولة أكبر فشل في مكافحة التجسس بالنسبة لحزب الله منذ عقود”.
ويبدو أن الانفجارات كانت تستغل أجهزة النداء منخفضة التقنية التي تبناها حزب الله لمنع عمليات الاغتيال المستهدفة لأعضائه، الذين يمكن تعقبهم من خلال إشارات الهاتف المحمول. ومن بين الجرحى في الهجوم السفير الإيراني في بيروت، مجتبى أماني، بحسب التقارير.
وقال مصدر في حزب الله إنهم يعتقدون أن الهجوم جاء ردا على محاولة اغتيال مزعومة من قبل الميليشيا الشيعية لمسؤول دفاع إسرائيلي كبير سابق، والتي كشف عنها جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت) الثلاثاء.
واكتظت المستشفيات في مختلف أنحاء لبنان بالمرضى، وتم إنشاء مستشفى ميداني في مدينة صور الجنوبية لاستقبال الجرحى. وظل صوت صفارات سيارات الإسعاف مستمراً في العاصمة اللبنانية لأكثر من ثلاث ساعات بعد الهجوم الأولي.
وأكد حزب الله في بيان سابق أن القتلى شملوا اثنين على الأقل من مقاتليه وفتاة صغيرة. وفي وقت لاحق ذكرت تقارير إعلامية أن نجل النائب عن حزب الله علي عمار لقي حتفه أيضا في الانفجارات.
ردود الفعل الدولية
ويأتي الهجوم التخريبي ضد المليشيا المرتبطة بإيران، بعد أشهر من الاغتيالات المستهدفة التي نفذتها إسرائيل ضد كبار قادة حزب الله، مما أدى إلى تصعيد التوترات بين إسرائيل وحزب الله. وكان الهدوء المضطرب قد ساد في الأسابيع الثلاثة الماضية عندما بدا أن كلا الطرفين يتراجعان عن شفا حرب إقليمية بعد رد محدود من جانب حزب الله في أواخر أغسطس/آب على اغتيال إسرائيل لقائده العسكري الأعلى فؤاد شكر في بيروت.
ويهدد الهجوم أيضاً بعرقلة الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لمنع إيران، التي تدعم الميليشيا الشيعية اللبنانية، من الرد على إسرائيل بسبب التفجير الذي وقع في طهران في يوليو/ تموز الماضي والذي أدى إلى مقتل الزعيم السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية… وهو الرد الذي أضحى انتظاره مثار سخرية بالنسبة للكثيرين ممن خبروا لغة التهديد والجعجعة الإيرانية الفارغة.
وزير الإعلام اللبناني زياد مكاري أدان الهجوم ووصفه بأنه “عدوان إسرائيلي”. ولم يعلق الجيش الإسرائيلي بشكل مباشر على الانفجارات لكنه قال إن كبار القادة أجروا تقييما للوضع “ركز على الاستعداد في الهجوم والدفاع في جميع المجالات”.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر إنه “من المبكر للغاية” أن نقول كيف سيؤثر ذلك على محادثات وقف إطلاق النار في غزة. وأضاف في إفادة صحفية أن الولايات المتحدة لم تتورط في الأمر ولا تعرف من المسؤول.
ووصف وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الانفجارات بأنها “عمل إرهابي” وألقى باللوم على إسرائيل باعتبارها الجاني. وقد أصيب السفير الإيراني في لبنان في الهجوم الإلكتروني.,, فيما وصفت حركة حماس الهجوم بأنه “تصعيد” من شأنه أن يؤدي إلى هزيمة إسرائيل!
_____________________________________
استناداٌ إلى تقارير: (دير شبيغيل – نيويورك تايمز – الغارديان – رويترز).