ملهم التطوعي يضرب مجدداً: حملة غرس أشجار في اللاذقية والنار لم تنطفئ بعد!
بعض المبادرات قد تستغل عاطفة الناس ورغبتهم في المساعدة، فتسارع إلى إطلاق حملات تبرع غير مدروسة، وغير مراقبة من أي جهة موثوقة

إبراهيم سيد حمود – العربي القديم
أطلق فريق «ملهم التطوعي» مؤخراً حملة لجمع التبرعات بهدف غرس أشجار في أحراش اللاذقية التي لا تزال حتى اللحظة مسرحاً لحرائق ضخمة لم تتم السيطرة عليها بالكامل. ولعل في هذا التوقيت ما يثير الكثير من علامات الاستفهام فهل ثمة جهل بالموضوع… أما ماذا؟
لماذا الآن… والنار ما زالت مشتعلة؟
من المعروف في علم إدارة الغابات أن أي خطة لإعادة التشجير تأتي بعد إخماد الحرائق بشكل كامل، وتقييم التربة واحتياجاتها، ثم إعداد مخططات دقيقة لتوزيع أنواع الأشجار الملائمة، ما قد يستغرق أحياناً عدة أشهر.
أما إطلاق حملة تشجير بينما ألسنة اللهب ما زالت تلتهم ما تبقى من الغابة، فهو أمر يطرح أسئلة جدية حول فهم الأولويات وتقدير الحاجات الواقعية الحقيقية بعيدا عن فوضى إطلاق الحملات الشعبوية التي تشوش على عمل الدولة.
الشجرة بـ 10 دولارات… لماذا هذا المبلغ؟
أعلن الفريق أن تكلفة غرس الشجرة الواحدة تصل إلى 10 دولارات. هذا الرقم بدا صادماً للكثيرين، خاصة أن:
– الشتلات المحلية عادة تكلف ما بين 0.5 إلى 2 دولار في المشاتل.
– حتى مع احتساب أجور الزراعة والرعاية الأولية، يبقى مبلغ 10 دولارات للشجرة مرتفعاً نسبياً مقارنة بتجارب مشابهة في بلدان الجوار. فهل يشمل هذا المبلغ تكاليف أخرى كالصرف الإعلامي على المشاهير من أجل تسويق الحملة وتلميعها وبهرجتها؟ هل هناك خطة واضحة للصيانة والمتابعة لضمان نمو الأشجار وعدم موتها بعد أسابيع؟ أسئلة تحتاج إلى إجابات شفافة.
تبرعات على حساب المأساة؟
المؤسف أن بعض المبادرات قد تستغل عاطفة الناس ورغبتهم في المساعدة، فتسارع إلى إطلاق حملات تبرع غير مدروسة، وغير مراقبة من أي جهة موثوقة، حتى قبل إتمام عمليات إطفاء الحريق أو التخطيط الجدي للتعافي البيئي.
وهنا يبرز دورنا كإعلام ومجتمع مدني في المطالبة بالشفافية، ومراجعة الأولويات:
أليس الأجدى دعم فرق الإطفاء والمزارعين المتضررين أولًا؟
أليس الأهم حالياً تأمين خطوط النار والعتاد لمنع تمدد الحرائق؟
كلمة للجهات القائمة
نقدّر جهود أي فريق أو جمعية تحاول مد يد العون للطبيعة المنكوبة، لكن من حق المتبرعين أن يعرفوا أين تذهب أموالهم، وكيف ستدار هذه المشاريع، خاصة في ظل ظروف اقتصادية قاسية يعاني منها الجميع.
نحتاج إلى أرقام دقيقة، وخطط مدروسة، وضمانات بأن هذه المبادرات ستثمر فعلاً على الأرض، لا أن تتحول إلى حملة إعلامية سريعة لجمع التبرعات فقط.
ختاماً:
نحن مع التشجير وعودة الغابات أجمل وأغنى مما كانت عليه، لكن بعد أن تنطفئ النيران بالكامل، وتُرسم الخطط العلمية اللازمة، وبأرقام عادلة وشفافة.
الطبيعة تستحق منا كل الدعم، ولكنها تستحق أيضاً الصدق والجدية.