العربي الآن

"مؤثرون ومنظمات" شراكة ممهورة بآلام الناس وتجار النكبات

رزق العبي – العربي القديم

مع انطلاقة الثورة السورية في آذار عام 2011 كانت هناك عيّنة من الشباب في “ضيعتنا” من الذين لا يصلحون للدراسة، فوجدوا في حالة الفوضى التي عمّت البلاد ذريعة للقول إنهم تركوا الدراسة بسبب ما يحدث، وراحوا يسردون قصصاً عن أحلامهم التي كانت من المفترض أن تتحقق لولا ما تمرّ به البلاد، وصعوبة التنقل بين الريف ومراكز المحافظات خشية الاعتقال الأمني، إلى أن صدّقوا الكذبة، ولأن الشيء بالشيء يُذكر فقد اعتاد أي شخص يعمل في الشأن العام عندما يواجه أي نقد يتم توجيهه له بأن الشخص الذي ينتقده يحاول كسب شهرة على حسابه. متجاهلاً المطبّ الذي وقع به والذي تسبب بنقده. كالذي تُرسل له رسالة توبّخه بسبب فعل ما فيقول لكَ إنك نسيت وضع الهمزة على الكلمة الفلانية.

سأحاول اليوم كسب شهرة على حساب شريحة من الناس تدّعي زوراً وبهتاناً بأنها ليست من “فصيلة” المشاهير فحسب أو من “زمرة” قادة المجتمعات التي ينتمون إليها. وإنما شريحة قد فصّلوا لها صفة “المؤثرون”.

الحدث يقول: انطلاق فعاليات مؤتمر “مؤثرون من أجل الإنسانية” في إسطنبول التركية، والذي يشارك فيه عدد كبير من صنّاع المحتوى (مع الإشارة إلى وجود عدد من مقشري البصل ومقطّعي البندورة فيه) ممن تمت دعوتهم على أنهم مؤثرون، وعلى رأسهم فتاة تُدعى عبير، هي نفسها تشارك في حملات دنيئة لتعويم نظام الأسد عبر الترويج للأمن والأمان المزعوم في مناطق سيطرة النظام، سواء كانت تفعل بجهل أو بعلم ففي الحالتين مشكلة فعلاً.

في القرن الحاي والعشرين وبُعيد انتصاف سنة 2024 ووسط التطور الهائل في الكرة الأرضية، يتم اعتبار مقطعي البصل والبندورة على أنهم “مؤثرون”! كذلك يتم اعتبار النُكَّات وأصحاب الهرج أيضاً.. يا للعجب فعلاً.

بالعودة إلى المؤتمر، والذي يضم عدداً لا بأس به من القامات الصادقة سواءً السورية أو العربية، والتي تقع كل مرة في فخّ تمرير الأجندات أو كسب المال السياسي والإنساني على حساب ملايين الضحايا الذين يدّعون تمثيلهم، ففي المؤتمر هناك منظمات إنسانية ومنظمات مجتمع مدني و “مؤثرون”، رأى أطراف المؤتمر الذين سيجتمعون ليومين، بأن المصلحة المشتركة بينهم هي جمع المال بحجة مساعدة المدنيين المنكوبين في دول الشرق الأوسط لذلك تُعقد الصفقة، التي اختار لها القائمون عليها بعض الوجوه ممن لهم محبة شعبية بين الناس، وحين يتم تكثيف التغطية الإعلامية عبر تسويق الفنان “مكسيم خليل” مثلاً وهو يتحدث عن الإنسانية وعن ضرورة نشر المحبة بعبارات لا تتناسب مع الواقع الحالي الممتلئ بالبارود، سواء في سوريا أو في فلسطين أو اليمن أو السودان، سيتفاهم المؤثرون الحقيقيون على آلية تقديم الضحايا كسلعة لكسب المال بتقاسم يتم الاتفاق عليه أيضاً.

إنها شراكة حقيقية رأس مالها آهات مخيمات النزوح سواء في شمال سوريا أو في غزة، شراكة ممهورة بدم الشهداء، مرفوعة بكلّ غدر على أكتاف مئات الآلاف من المعتقلين. فإن كانت الغاية استثمار ملايين البشر الذين يتابعون جوقة المؤثرين هؤلاء (طبعاً مع لفت النظر إلى وجود صادقين) فإن المطلوب ليس جمع المال ولا نشر التسامح ولا الأمل، المطلوب صراحة ما أشار له الناشط السوري هادي العبد الله في المؤتمر نفسه حين ألمح في مداخلة له إلى وجود مؤثرين من الحضور يروّجون لمزرعة اسمها “سوريا الأسد”.

المطلوب من المؤثرين (جامعو اللايكات والتكبيس والتشيير..) أن يكونوا شجعاناً وأن يقولوا لمتابعيهم وهم بالملايين بأن مجرم حرب اسمه بشار الأسد قتل ويقتل السوريين حتى اليوم وهو سبب تشريد ملايين الناس، وفي سجونه مئات الآلاف من شباب ونساء أطفال سوريا. أن يُذكّروهم بصور قيصر ومذبحة التضامن وتهجير حلب وتجويع مضايا والزبداني، وتجميع الناس وتكديسهم في إدلب وريف حلب في تغيير ديموغرافي وقح.

المطلوب من المؤثرين ليس جمع المال بالتقاسم مع المنظمات، بل نقل مآسي الضحايا إلى جمهور المؤثرين أنفسهم وما أكثرهم، وقتها سيكون بالإمكان احترامكم. وغير ذلك فإن لعنة الضحايا تلاحقكم مثل تلاحق المجرم بشار الأسد وداعميه.

وهنا يطرح السؤال نفسه؛ لماذا يخاف عدد كبير من صانعي المحتوى على اختلاف أشكاله، ابتداءً بالجيد وصولاً إلى أصحاب المحتوى السخيف والتافه، يخافون من التطرق لقضية الشعب السوري ووضع الإصبع على القاتل والقول هو ذا؟ فيما يمارسون نضالاً إلكترونياً في مناطق أخرى؟.

إنه تحدٍّ واضح وصريح لجوقة المؤثرين الذين أعنيهم ويعرفهم الجمهور السوري كله، أن يقولوا لجمهورهم إن رئيساً في سوريا يمارس القتل بحق شعبه منذ ٢٠١١ حتى اليوم، عندها سيكون من الواجب علينا احترامهم، أما وهم على هذا الحال فمثلهم مثل أي صامت عن قول الحق.. الحق الواضح وضوح الشمس.

كل التحية لعدد من الشخصيات التي حضرت المؤتمر وهم أهل للثناء والمديح أينما حلّوا، شجعان حيث تكلموا.. صوت الناس وصورتهم. وليفرح البعض بالتقاط الصور ونشرها على وسائل التواصل فهي فرصة لجعل الناس تُدرك مرة أخرى أنهم “مؤثرون من ورق”.. تجار دم ونكبات.

‫3 تعليقات

زر الذهاب إلى الأعلى