فنون وآداب

نصوص أدبية || مشاجرة بعد صلاة الجمعة (قصة قصيرة)

قصية قصيرة: صخر بعث

البارحة وأمام محكمة من محاكم الجزاء في “قصر العدل” عُرِض على أحد القضاة “مواطن” متّهم بجرم ضرب واعتداء، الحقيقة كانوا ثلاثة مواطنين، فلقد لاذ اثنان بالهرب!.

ما القصّة؟، سألتُ أخا “المجني عليه”، فقال:

يا أستاذ أوّل البارحة وبعد صلاة الجمعة خرج أخي من الجامع وشاهد هذا الكلب يكفر بالله على مسمع الجميع، فأنّبه أخي: ليش عم تكفر بالله؟. وعلقت يا أستاذ وضربوه لأخي هوي وأخوته اللي كانوا قريبين من الجامع.

بالاستفسار عن الموضوع أو القصّة بل “القضية” تبيّن أنّ كلمة “ولاك” أيضاً كانت سبباً للحادثة التي أسفرت عن إصابة اثنين من المصلّين وواحد من الكفرة بالله، فلقد كانت العبارة هي “ليش عم تكفر بالله ولاك؟”، هكذا، وبالنتيجة مذكّرات توقيف بحقّ المتشاجرين جميعاً وحبس لمن تمّ إلقاء القبض عليه، مع بهدلة وشرشحة في الحارة وفي المحكمة، ثمّ ثلاثة مجالس “عائلية” لمحاولة حلّ الخلاف الذي تفاقم بين عائلتي المصلّين والكفرة، فلقد رفضت عائلة المصلّين أيّة مساعٍ للصلح والعفو، بل صاروا يهدّدون ويتوعّدون.

كلّفتِ العملية -عملية المجالس- مئات الألوف، ولأنّني محامٍ محترم من جانب ومن جانب آخر إنسان حكيم فهيم بادرتُ فوراً في المجلس الثالث: يا جماعة والله القصّة بسيطة وخلونا نحلّها ورواق، أجابني مباشرةً أحد عباقرة المصلّين وأخو المجني عليه: والله يا أستاذ إذا بنحطّ ملايين وملايين بدنا نحبسهم ونلعن أمّهم على أبوهم، نعم!.

  • بس يا حبيبي أخوك من أخطأ..
  • اش عم تحكي أستاذ؟، أخوي قلو لا تكفر بالله بيقوم بيضربو؟
  • طوّل بالك خاي، خلّيني قلّك شغلة.. يا حبيبنا.. والله لو سألو ليش كان أحسن، ليش يا خاي عم تكفر؟ ليش معصّب؟، قلّي وأنا أخوك؟، له له اش صاير معك؟، احكيلي.. والله الدنيا ما فيها شي، اش لازمك خبّرني؟، عبارات تعبّر بطريقة مختلفة في تلقّي “الكفرية” يا سيّد يا محترم!.

هذا الرجل الذي ضرب أخاك أنا أعرفه جيّداً، بيته إسطبل، أولاده حفاة، مقطوع عن اسطبله عدّاد الماء لفاتورة بقيمة 200 ليرة، منزوع من قلبه عنصر الرحمة، ومرفوع عنه القلم يا أخ، هذا إن لم يكفر بالله فما عساه يفعل؟، تريده ألّا يكفر؟، لا تريده أن يكفر؟، متضايق لأنّه يكفر؟، بسيطة اسأله كم معك من المال؟، هل تحتاج طعاماً شراباً كساءً؟، هل زوجتك مازالت تخدم في البيوت؟، ابنك يتسوّل؟، أمّك عاجزة؟، دسّ في جيبه مالاً وقُل: نحن أخوة، وتفرّج عليه وهو يقول فرِحاً مسروراً: (الحمد لله)، قبل أن تنصّب نفسك ربّاً لمحاسبته، تريدون أن تدفعوا الملايين لتربية هذا المسكين البائس؟.

هؤلاء لا يمكن تربيتهم يا أخّ، لأنّهم ببساطة مشغولون بسد أرماقهم، لا وقت لديهم للتربية، سدّ رمقه ثمّ قُل له: “حرام”، تحرم عليك عيشتك.

تركته غاضباً وعدتُ إلى المجلس، توسّطت مع آخرين لأجل “الصلحة”، فقال كبيرهم الذي انتظرت كثيراً أن يتكلّم فشنّف آذاني واستمتعت تماماً إذ قال: والله يا أستاذ هاد بدو شنق، ومن بدّل دينه فاقتلوه، ما في مجال للصلحة، وكل واحد ياخد حقو بإيدو، إي نعم هكذا قال كبير المصلّين، خانتني فراستي وقد تصوّرته فهيماً حكيماً مثلي!. إذا كان ربّ البيت بالطبل ضارباً، قلتُ لنفسي.. وخرجت.

(لا يحبُّ اللهُ الجهرَ بالسوء)

الله وحده يعلم إن كان هذا الجاهر بالسوء مظلوماً أم لا، قلنا لك عدّاد الماء في إسطبل هذا الجاهر بالسوء هو المقطوع وليس عدّادة المصاري، أخبرناك يا كبير العمر ويا منحطّ القدر أنّ غريمك ليس سوى حثالة، ولا يليق بمقامك أن تتعامل معها فهو ليس صنواً لك، وذكّرناك بالآيات الكريمة والأحاديث الشريفة والأقوال المأثورة والقصص المنثورة والأشعار المنظومة والأفكار المهضومة، بالعفو ومكارمه حدّثناك كثيراً، وأطلعناك على حال عياله وشقائهم، وأخبرناك أنّنا سنتكفّل بإطعامهم طوال حبسه، وتوسّلنا إليك توسّلاً، فيالك من حقود جبان لا يرعوي، ومن وغد مجرم أزليّ، والله لو بيدي لوضعتك في أقذر حاوية للزبالة، أصلاً ماذا  تفعل أنت وأمثالك في الجوامع؟

آهٍ آه ما أصعبها من آية: (وما كان ربّك ليُهلكَ القُرى بظلمٍ وأهلُها مصلحون).

زر الذهاب إلى الأعلى