العربي الآن

من يتحمّل وزر العبث بتماسك حراك السّويداء (2/ 3)

حازم العريضي*

كما قلت لك بالأمس، حرصاً على وقتك عزيزي القارئ سأخبرك هنا ما ستجده في آخر هذا النص بأجزائه الثلاثة، فإن وافق اهتمامك نتشارك البحث في تفاصيله بطريقة “الخطف خلفاً” إن جاز التعبير.

 النهاية:

قيادة مجموعة من المستقلين الثقاة للمرحلة الحالية من الحراك، لبضعة أشهر، قد تكون هي الأجدى للحفاظ على تماسكه ونجاحه في الصّمود إلى أن تأخذ “التجمّعات السياسية” فرصتها في التمايز بهويّات واقعية حقيقية وتقديم قيادة جديرة بتمثيل الحراك وربما حاضنه المحلّي وتحقيق امتداده الوطني.

ما الذي يكبح جماح النظام عن إحراق السويداء؟

المعلومات تؤكد أنه لم يتم التّعرّض منهجياً للحراك من قبل “موالين” للنّظام أو حتى من أجهزته الأمنية إلا في حادثة إطلاق النّار من الأمن العسكري على المتظاهرين أمام صالة السّابع من نيسان، حيث استشهد على إثرها المتظاهر المدني الشيخ جواد الباروكي، وهو حدثٌ على عظمته وما يثير من ألم في صدور الجميع إلا أنه لا يندرج ضمن أداء أمني عدائي “منهجي” حتى اللحظة في السويداء.

وقد تكون ردة فعل النظام الأكثر قرباً إلى توصيف “المنهجية” هي الاعتقالات التعسفية المنفردة المتفرّقة لمدنيّين بتهم واهية، ولا ذنب لهم سوى أنهم من السويداء وتربطهم علاقة قربى أو ما شابه بالمتظاهرين في ساحة الكرامة، وأحدثها وأخطرها هي اعتقال الطالب الجامعي المدني داني عصام عبيد الذي يدرس في جامعة تشرينوتهمته “النيل من هيبة الدولة”!

علماً أنه كان متواجداً في اللاذقية، واعتقلته أجهزة النظام في سكن الطلاب هناك! هذا بينما المتظاهرون في ساحة الكرامة على بعد مئات الكيلو مترات في السويداء هم الذين “نالوا من رموز” الإجرام والفساد المهيمنة على النظام والدولة! ، بحسب مصطلحات قوانين النظام.

ولو كانت “الدولة” تحت هيمنة المجرمين والفاسدين راعية لأهل السويداء لكانت كذّبت هذه السطور وكاتبها ولما اعتقلت داني عبيد نكايةً بالمحتجين الذين ينالون من “الهيبة” و”الرمز” المقدّس عند هذه “الدولة”! 

وبالتالي….

 ما سر عدم تعرض النظام للمتظاهرين بالأذى الممنهج حتى اللحظة؟

قد يقول قائل إن جهة إقليمية تفرض حمايتها بحكم ارتباطاتها السياسية المزعومة مع طائفة الدروز، وهذا من السهل نفيه، إذ أن مجزرة سنة 2018 كانت دليلاً قاطعاً أن النوايا والبيانات الإعلامية لم تحم المدنيين من “غزوة” تنظيم نقله النظام بحافلات مكيّفة إلى شرقيّ السويداء تحت ناظري حليفيه الروسي والآخر الإيراني وغيرهما.

 وأما اليوم فإن كانت هناك بعض المساعي لطلب الحماية تقودها زعامات اجتماعية دينية من خارج السويداء فهي أقرب للهدف الترويجي لحضور سياسي خاص أكثر من كونها مشاريع استراتيجية فاعلة، وليس ضرورياً الاستعانة بتوثيق، يحوزه بالفعل بعض الصحفيين الاستقصائيين، لإثبات ذلك، بل يكفي قياس الأثر شبه المعدوم على الأرض، ومثال ذلك الفشل في منح أبناء جبل العرب “خصوصية” ما في “دستور” مقبل مزعوم، على اعتبارهم شريحة طائفية لها خصوصيّتها، ونقاش ذلك في روسيا، بحسب ما رُوّج في الإعلام، لم يعدو كونه كلاماً إعلانياً.

هذا في حين لا يراهن السوريون أنفسهم وفي عمومهم على دور إيجابي لموسكو في صياغة دستور سوري جيد أم رديء، وذلك مرفوضٌ مسبقاً من حيث المبدأ.

أما الاحتمال الآخر، فهو أن الأوامر روسيّة للنظام وأذنابه بعدم التّعرّض مبدئياً للحراك، وذلك يفسّره بعض المحلّلين، وبعض تقاطع المعلومات، بنيّة مبيّتة لدى موسكو لتصنيع منصّة جديدة تستطيع تسميتها “معارضة وطنية” وفقاً لمصطلحات النظام، ثم تجلبها للمساهمة في فبركة “حل سياسي” على طريقتها يؤدي إلى بقاء النظام عبر تنفيذ القرار الأممي 2254 بأدواتها (منصة موسكو لصاحبها قدري جميل/ ومنصة القاهرة ونجومها../ بالإضافة إلى النسخة الأخيرة من هيئة التفاوض التي أكد لافروف شخصياً في تصريحات منذ سنوات ضرورة “هزها لإزاحة المتشددين” منها بحسب وصفه، وقد تمّ له ذلك تقريباً، وكان يعني المتمسّكين بمحاولة ضبط عمل ما يُسمى اللجنة الدستورية في مدة زمنية محددة وإطلاق المسارات الأخرى تزامناً ومنها الانتقال السياسي).

هذه العوامل المحتملة، وإن كانت تبدو مبنية على “افتراضات”، بالإضافة إلى الاتصالات الدولية من واشنطن وغيرها مع الرئيس الروحي لطائفة المسلمين الموحدين، كلّها تدخل في فرضيّات لتفسير إلزام النظام بالامتناع عن حرق السويداء بعد أن خرجت منها أصواتٌ متمرّدة ضد استباحته للبلاد والعباد، خاصّة لأنه لم يتردّد على مدار السنوات الماضية في حرق شقيقات السويداء من درعا وحمص وريف دمشق إلى دير الزور وقطاعات واسعة من إدلب وحلب.

إن افترضنا أن جملة العوامل السابقة تمنع النظام من التّعرّض للمتظاهرين في السويداء والشخصيات الاعتبارية الداعمة للحراك، فماذا عن “التجاوزات” المحتملة فرديةً كانت أم من المجموعات الموالية للنظام على قلّة هذه العصابات؟

إذن لماذا تقبَّل حتّى “الموالون” حراك السويداء؟

لا مفرّ من التمييز في صفوف شريحة “الموالين” بين المتردّدين من جهة وبين مرتكبي الجرائم من العصابات التابعة تماماً للنظام.

المتردّدون هم الذين لا علاقة لهم بشلّال الدم السوري، وهم غالباً فئة صامتة تخشى بطش النظام أو “الفوضى” بتأثير المتدخلين الإقليميين في القضيّة السّوريّة، بينما المجموعات المسلّحة الموالية هي عصابات تخدم وظيفتين: الأولى هي عبور تجارة الكبتاغون عبر السويداء إلى الحدود تحت إشراف النظام ودعم الرأس الأكبر في إدارة هذه الآفة من طهران، والوظيفة الثانية هي فرض سلطة النظام المباشرة خلال السنوات الأخيرة بينما تقود فروع المخابرات المشهد من الخلف، إن جاز التعبير.

ومن خلال تجارب سابقة فإن مجموعات مسلحة تابعة للنظام لا تلتزم فقط بارتكاب الانتهاكات الممنهجة بتوجيه من دمشق، بل تتحرك ضمن هامش كبير يتركه النظام لها كي تستبيح المناطق التي تتواجد فيها، وقد شهدنا هذا “التمرّد” أحياناً من العصابات الموالية في القرداحة والعاصمة ومختلف المناطق.

وبالتالي كان من الممكن أن تتمرد هذه المجموعات في “تجاوزات” من خارج التعليمات إلا في حال وجود سبب إضافي يمنع ذلك، فما هو؟

في السويداء، من المؤكد أن هذه المجموعات  لم تستطع تجاوز التوازنات المستجدة مع فصائل محليّة، خاصّة بعد انتفاض المجتمع الأهلي ضد ما كانت تسمى “عصابة راجي فلحوط” واقتلاعها منذ ما يقارب السنتين، أضف إلى ذلك التفاف قوى أهلية حول شخصية الرئيس الروحي للطائفة الشيخ حكمت الهجري وقد بارك الحراك.

ومع ذلك تبقى إمكانية تعرّض الحراك الى مضايقات فردية بدافع “الولاء” للنظام وتراجع حظوة هؤلاء الأفراد في الشارع، بعد أن كانوا يفرضون “هيبتهم” بقوّة السلاح واستغلال العوز، ولكن هذه “التجاوزات الفردية” أيضاً لم تحصل، ولم لا؟

 يبقى التفسير للحالة الأخيرة أن أفراد العصابات معزولون إلى حد كبير من المجتمع الأهلي، وهذا يشير إلى أن أن المجتمع الأهلي بمختلف توجّهاته، ضمناً الشريحة المتبقية من “الموالين”، قد ضاقت ذرعاً بالنظام وفشله ويئست من إعادة تعويمه، بل والأهم كانت “سلمية الحراك” وتعامله باحترام مع الفعاليات الاجتماعية وجميع أفراد المجتمع بصفتهم مواطنين شركاء في المصير والحق في التغيير للأفضل.

موقف المجتمع الأهلي وواجب الحراك تجاه الحاضنة الشّعبيّة المحليّة فالوطنيّة

إن سلميّة الحراك كانت رسالة بليغة إلى الحاضنة الاجتماعية لإثبات وحدة المصلحة في تغيير سياسي من أجل الجميع.

نعم إن معظم المجتمع الأهلي في جبل العرب لا يرى في الحراك ضرراً على أقل تقدير، بل قد يراهن على نجاحه لإعادة إطلاق حلٍّ سياسي للمعضلة السوريّة، هذا وقد ثبت لأيّ يكن أنه ممرٌ إجباري إلى الأمان وحفظ كرامة الناس والأمل بازدهار يحلّ مكان الكارثة المأساويّة بكل أوجهها.

وعليه، فإن على الحراك واجباً بيّناً تجاه الحاضنة الاجتماعية بمعظم شرائحها يتمثّل في تقديم خطّة طريق واضحة لتحكم الحاضنة عليها، ولربما تدعمها الحاضنة مقابل استمرار احتضانها الحراك بمختلف أوجهه، فالحراك يمارس التظاهر والضغط المدني السلمي لاستعادة ملكية الناس للفضاء السياسي الحر، إضافة إلى استعادة مؤسسات المجتمع المدني الرئيسة دورها المستقل؛ وفي مقدّمتها النقابات المهنية، بالإضافة إلى تطبيق المجتمع الأهلي، من خلال الحراك، رقابة صارمة على المؤسسات الخدمية، ثم المساهمة على الساحة الوطنية في إعادة إطلاق عملية سياسية وطنية بمعزلٍ عن الأجندات الخبيثة.

                                                                يتبع..

* في الجزء المقبل والأخير نتساءل إن كانت “الكيانات السياسية” الناشئة في السويداء قادرة وفق الحالة الراهنة على تشكيل تمثيل سياسي وازن للحراك، وهل يستطيع المستقلون إنجاز المهمة بالتعاون مع المجتمع الأهلي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ.ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*حازم العريضي صحفي سوري عمل في دمشق بالصحافة الاستقصائية وبالإعلام المرئي والمسموع في لندن واسطنبول وعمّان.

زر الذهاب إلى الأعلى