العربي الآن

مؤتمرات المؤثرين والافتراس الإنساني: احذورا الشعارات الرنانة!

نوار الماغوط

في ظل الأزمات المستمرة والصراعات التي تعصف بالمجتمع السوري ، تتزايد أهمية مصطلحات مثل “الإغاثة” و”المساعدات الإنسانية”. ولكن ، يبدو أن هذه المصطلحات بدأت تفقد جوهرها الحقيقي في خضم الاستخدام المتزايد والمضلل لها في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.

 إن هذه العبارات، التي من المفترض أن تعكس الأمل والتضامن، أصبحت تُستخدم كأدوات لتغطية الخطابات الفارغة ولم التبرعات.

مناسبات استعراضية تجارية

في السنوات الأخيرة، شهدت الساحة السورية زيادة ملحوظة في عدد المؤتمرات التي تُعقد تحت عناوين براقة وشعارات إنسانية مثل “إغاثة الشعب السوري”، “مساعدة اللاجئين”، و”دعم حقوق الإنسان”. ولكن للأسف، تحول الكثير من هذه المؤتمرات إلى مناسبات استعراضية تجارية، تهدف أساساً إلى جمع المال والترويج الشخصي، بعيداً عن الأهداف النبيلة المعلنة.

تُعقد هذه المؤتمرات في أماكن غالباً ما تكون سياحية أو مشهورة لجذب المشاركين. يتم دعوة الشخصيات العامة والفنانين، وصناع المحتوى من مختلف الدول، بهدف استغلال شهرتهم ونفوذهم لجذب الانتباه وزيادة التغطية الإعلامية. ومن أبرز الأمثلة على هذه المؤتمرات، مؤتمر “مؤثرون من أجل الإنسانية” الذي عُقد مؤخرًا في إسطنبول ولاقى استياءً واشمئزازاً من شرائح واسعة من السوريين كما لاحظنا على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب تفاهه واستعراضية ما رشح عنه.

شارك في هذا المؤتمر عدد كبير من المؤثرين وصناع المحتوى الذين أعربوا عن رغبتهم في استخدام تأثيرهم لنشر الوعي – الذي يفتقر إليه جزء كبير منهم – ودعم المشاريع الإنسانية عبر حملات ورسائل توعوية.

الحقيقة المرة تكمن في أن هذه المؤتمرات والأنشطة غالبًا ما تكون وسيلة لتحقيق مكاسب شخصية ومادية للمشاركين والمنظمين. تتحول القضية الإنسانية إلى مجرد سلعة تُباع وتُشترى، ويتم استغلال معاناة الضحايا لجمع التبرعات، التي غالباً ما ينتهي جزء كبير منها في قنوات صرف غير واضحة الأثر، بدلاً من الوصول المباشر إلى من هم في أمس الحاجة إليها. بالإضافة إلى الجانب المالي، تشكل هذه المؤتمرات فرصة لبعض المشاركين لإضافة أسطر وخبرات خلبية إلى سيرتهم الذاتية، مما يعزز من فرصهم في الحصول على وظائف أو عقود عمل مع المعارضة او للعمل في الهيئات الإغاثية الدولية، أو تأسيس جمعيات إغاثيه خاصة بهم مثل غيرهم!

وسيلة للتباهي بإنجازات وهمية

بلغ عدد المنظمات الإغاثيه في الشمال السوري اكثر من 1000 منظمة يتم استغلال الدعوات للمشاركة في هذه المؤتمرات كوسيلة للتباهي بالإنجازات الوهمية، تظهر المشكلة بوضوح في أسلوب تنظيم هذه المؤتمرات، حيث تتركز الجهود على الجوانب الشكلية والتغطية الإعلامية أكثر من التركيز على تقديم حلول فعلية ومستدامة للمشاكل الإنسانية.

يتم إعداد عروض تقديمية وكلمات تفتقر إلى العمق والمضمون الحقيقي، وغالباً ما تكون مليئة بالكلمات المكررة والشعارات الرنانة التي يعرفها الجميع، دون تقديم أي رؤية جديدة أو خطط عملية. هذا الأسلوب ينعكس سلباً على مصداقية هذه المؤتمرات ويعزز الشكوك حول الأهداف الحقيقية وراء تنظيمها.

 من المؤسف أن العديد من الشخصيات العامة والفنانين الذين يشاركون في هذه المؤتمرات يكونون على دراية بعدم جدواها، ولكنهم يواصلون المشاركة بدافع الترويج الشخصي وزيادة شهرتهم. يتم استغلال وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مكثف لنشر صورهم وخطاباتهم، مما يعزز من شعبيتهم ويمنحهم المزيد من المتابعين واللايكات، دون أن يحقق ذلك أي فائدة فعلية للضحايا.

 إلى جانب ذلك، تشكل هذه المؤتمرات فرصة ذهبية للمنظمات الإنسانية ومنظمات المجتمع المدني لجمع الأموال بحجة مساعدة المدنيين المنكوبين. تُعقد الصفقات والتفاهمات بين المشاركين، حيث يتم الاتفاق على توزيع الأموال وجني الأرباح، بينما تبقى الأوضاع على الأرض على حالها دون تغيير يُذكر. هذا السلوك يعكس انعدام الشفافية والمصداقية في عمل هذه المنظمات، ويزيد من تعقيد الوضع الإنساني بدلاً من المساهمة في حله.

تجدر الإشارة إلى أن هذه الظاهرة ليست جديدة، فقد شهدنا سابقاً العديد من المؤتمرات التي أُقيمت تحت شعارات إنسانية، ولكنها انتهت دون أي نتائج ملموسة. على سبيل المثال، أُقيم مؤتمر لمدراء مجموعات الواتس آب ونشطاء الفيس بوك في العاصمة الفرنسية بلغ عددهم 350 شخصاً بتكلفة ضخمة، وقد دعيت شخصياً لهذا المؤتمر ولكنني رفضت لعدم وجود أهداف واضحة ولا رؤية ولا هدف من هذا المؤتمر. وكما توقعت، انتهى المؤتمر بلا مخرجات أو نتائج تذكر، مما يعزز الشكوك حول فائدتها الحقيقية وأهدافها المعلنة.

هذه المؤتمرات، التي يمكن وصفها بمؤتمرات الافتراس، تشبه في بعض النواحي سلوك الحيوانات المفترسة، حيث يتم التركيز على تحقيق مكاسب سريعة دون النظر إلى الآثار السلبية على المدى البعيد. تُقدم العروض التقديمية الفارغة من أي مضمون حقيقي، يرافقها سوء التنظيم والتركيز على جني الأموال من المانحين، بينما يبقى الضحايا في نفس المعاناة دون أي تغيير يُذكر.

كيف نحل هذه المشكلة؟

لحل هذه المشكلة، يجب على المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية الحقيقية العمل على تعزيز الشفافية والمصداقية في تنظيم المؤتمرات والفعاليات الإنسانية. ينبغي وضع معايير صارمة لضمان أن تكون هذه المؤتمرات وسيلة فعالة لتحقيق الأهداف الإنسانية، وليس مجرد وسيلة للترويج الشخصي وجني الأموال. كما يجب تشجيع المشاركة الفعالة للضحايا والمتضررين في هذه المؤتمرات، لضمان أن تكون أصواتهم مسموعة وأن تكون الحلول المطروحة تلبي احتياجاتهم الفعلية. يجب على وسائل الإعلام أن تلعب دورًا أكبر في تسليط الضوء على هذه الظاهرة وكشف الممارسات الغير أخلاقية التي تتم تحت غطاء العمل الإنساني. من خلال التوعية والتثقيف، يمكن للمجتمع الدولي أن يضغط على المنظمات والمشاركين لتبني ممارسات أكثر شفافية ونزاهة، تضمن تحقيق الأهداف الإنسانية الحقيقية وتقديم الدعم الفعلي للضحايا والمحتاجين. يجب أن نتذكر دائمًا أن العمل الإنساني يتطلب النزاهة والشفافية والتفاني في خدمة الآخرين. إن استغلال معاناة الآخرين لتحقيق مكاسب شخصية أو مادية هو عمل غير أخلاقي يتعارض مع كل القيم الإنسانية. لذلك، يجب على كل من يشارك في هذه المؤتمرات أن يسعى لتحقيق التغيير الحقيقي والمستدام، وأن يكونوا صوتاً للضحايا، وليس مجرد واجهة للترويج الشخصي وجني المكاسب… ففي العمل الإنساني الصادق مكسبك الوحيد هو إنساني… وإلا فعليك ألا تدعي وتستعرض وتكذب على الناس!

لا يمكننا أن ننكر أهمية المساعدات الإنسانية في التخفيف من معاناة الشعوب المتضررة. ولكن، عندما تتحول هذه المساعدات إلى مجرد شعارات تُستخدم لجذب الانتباه وجمع التبرعات دون تقديم نتائج ملموسة على الأرض، فإن هذا يشكل خيانة لأهدافها الأساسية. للأسف، هذا ما يحدث في كثير من الأحيان، حيث يستغل البعض حالة اليأس والإحباط التي يعيشها السوريون ن لتحقيق مصالحهم الشخصية. تشهد العديد من هذه الفعاليات المخصصة لجمع التبرعات حضورًا كبيرًا لفنانين ومؤثرين، يتم تقديمهم كرموز للثورة والمقاومة. ولكن، هل هؤلاء الأشخاص فعلاً على دراية بحقيقة الأوضاع ومعاناة الشعب؟ أم أنهم يستخدمون هذه المنصات لتحقيق الشهرة وزيادة شعبيتهم؟ يبدو أن الهدف الحقيقي لبعضهم – ولا نعمم كي لا نظلم الصادقين منهم – ليس الإغاثة الإنسانية بقدر ما هو الترويج لأنفسهم. إن استغلالهم لهذه القضايا لتحقيق مصالحهم الشخصية يعد استغلالًا بشعاً لألم ومعاناة الناس.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: إلى متى سيستمر خداع السوريين بمصطلحات “الإغاثة والمنظمات الإنسانية”؟ ومتى ستتمكن الجماهير من التمييز بين الجهود الحقيقية التي تهدف إلى تحقيق التغيير الإيجابي، وبين تلك الجهود الزائفة التي تهدف إلى جمع الأموال دون تقديم أي فوائد حقيقية؟ من الضروري أن تبقى الثورة محافظة على أهدافها السامية، وألا تتحول إلى مجرد توازن إعلامي ودعائي بين النظام والمعارضة بشكل سطحي.

احذروا الشعارات الرنانة

 يجب أن نكون حذرين من الشعارات الرنانة والمصطلحات البراقة التي لا تخدم سوى مصالح ضيقة لبعض الأفراد. إن الثورة الحقيقية تهدف إلى تحقيق العزة والكرامة والحرية، وهي لا تتحقق إلا من خلال الجهود الصادقة والعمل الجاد لتحقيق التغيير. يجب على الشعب السوري أن يفرض احترامه على كل من يسعى لاستغلاله. إن هذه الأزمة ليست مجرد حدث عابر، بل هي معركة طويلة من أجل البقاء والكرامة. يجب أن نقول بصوت عالٍ وواضح أن الشعب السوري لن يقبل بأن يُستغل أو يُخدع . يجب علينا جميعًا أن نتحد في مواجهة هذه التحديات، وأن نعمل معًا لتحقيق مستقبل أفضل، بعيدًا عن الاستغلال والخداع. إن الطريق طويل وصعب، ولكن بإرادة صادقة وجهود جماعية، يمكننا تحقيق التغيير الذي ننشده. هذه التمثيلية أشبه بعصابات تأجير أصحاب العاهات من أجل التسول عليهم… وأعتقد أن الهدف واضح ومعلوم وهو، الاسترزاق على حساب السوري الواهم بالانتصار بفضل هولاء المؤثرين، مع بهارات من الفنانيين، ومحاولة لخلق مصداقية لمؤتمراتهم من أجل لم التبرعات لن ينال منها السوري شيئاً على الأرض، وهنا يصير مصطلح المؤثرين والإغاثة الانسانية المطروح في غير سياقه، مثيرا للسخرية… فهل المؤثر يقاس بعدد الأتباع والأرقام، الذين يمكن جمعهم بالإنفاق الإعلاني على الفيسبوك اليوم؟! ما هذه التفاهة والسطحية والافتراء على العقل والتاريخ وعلى ما ثارت الثورة من أجله؟

لا يمكننا وضع الحالة هذه في خانة حسن النوايا أبداً، وتحديدا لدى وسائل إعلام بات معلوما لنا نهجها العملي، فتحت عنوان: الإغاثة الانسانية تطلق رعايتها وتفتح تغطيتها… لكنها في الحقيقة عكس ذلك تماما ذلك أن هذا “المؤثر سواء يوتيوبر أو فنان لا يعرف من الاغاثة وأهدافها سوى أن يكون هو وعائلته بخير، كمختار الكاتب المبدع محمد الماغوط في مسرحية (ضيعة تشرين) الذي اختزل هدف جماعته في مواجهة اللص (العدو) ببقائه حيا وبمنصبه كالمختار، رغم الدمار الذي حل بالقرية واستشهاد أحسن وأشجع رجالها!! 

  السؤال الأهم الآن: هل سيستمر مسلسل خداع الجماهير بمصطلحات “الإغاثة والمنظمات الانسانية ” إلى ما لا نهاية، التي لم يظهر من أهدافها سوى بقاء رؤوس بعينها بألف خير! دون تمكين أصحاب المصحة الاساسية من الانتصار على الجوع و الفقر و الحاجة والمستمرين من تنفيذ خططهم الجاهزة سلفا مع تربع النظام على دمار البلاد ولا يصل اليهم شيء إلا المخاوف والموت والجوع والحزن والحرائق هل يحق لأحد أن يسرق أحلامنا دون كلمة حق، ام على المؤثرين و الفنانين (الكبار) أن يحرقوا بنيران نجويمتهم الجهنمية أحلام السوريين والآخرون يقبلون على هذه الحرائق على أساس إنها منابيع خير لا ينضب وهل تحولت الثورة الى توازن استراتيجي مع النظام السوري راقصة مقابل راقصة وممثل مقابل ممثل ومطرب مقابل مطرب يجيد الصراخ من مختلف الدرجات.. لهؤلاء جميعا أقول إذا كنتم لا تحترمون أنفسكم فالشعب السوري بازدرائه لزيفكم واستعراضكم عليه، سوف يجبركم على أن تحترموه.. فقد مر على السوريين من الفقد والمعاناة ما يجعله المؤثر الحقيقي الذي يتضاءل أمامه كل من يظنون في عدادات أرقاهم تأثيرا وقيمة وقوة!  

‫4 تعليقات

  1. شكراً لهذا المقال الهام صديقي العزيز.
    ولكنني أمل منك وبمقدراتك الاعلامية المتميزة أن تبقى محصورة في هذه الدائرة
    احترامي وتقديري دوماً لخياراتك.
    .

    1. شكراً لهذا المقال الهام صديقي العزيز.
      ولكنني أمل منك وبمقدراتك الاعلامية المتميزة أن لا تبقى محصورة في هذه الدائرة
      احترامي وتقديري دوماً لخياراتك

زر الذهاب إلى الأعلى