مسلسل العميل: أيمن زيدان يزداد سقوطاً ويارا صبري استثناء وقصيدة أداء
أحمد صلال – العربي القديم
اتخذت الدراما العربية المشتركة والتي تجمع في الغالب نجوم سوريين ولبنانين – مع حضور محتشم لجنسيات عربية أخرى في بعض هذه التجارب – بعدا جديدا عبر تصور يبحث عن قاعدة جماهيرية أكبر ويعتمد في خياراته على اقتباس النجاحات الدرامية التركية من خلال تقديمها في نسخة ذات نكهة “عربية” أو عربية ملفقة إن صح التعبير
هذه المسلسلات وتعرض على منصة “شاهد” وغيرها من الشاشات “الام بي سي” المنتجة الرئيسية للدراما الهاربة من الواقع العربي وقضاياه، والتي تغلب عليها مؤخرا الأعمال المقتبسة بدرجة أولى – والمشتركة ضرورة – إذ أصبح الإنتاج اللبناني السوري يلوّن بدرجات لافتة المشهد الدرامي العربي منذ سنة 2011.
تعاون بلا أفق
ولئن كانت الأسباب المباشرة تراجع الإنتاج السوري بسبب الحرب إلا أن هذا التعاون ليس بجديد على البلدين فالتجارب الفنية المشتركة على أرض الشام تعود لبدايات السينما مع أول فيلم سوري ناطق سنة 1948 للمخرج نزيه الشهبندر وبطولة الشقيقة الكبرى للشحرورة صباح الفنانة إيفيت فغالي فيما كان أول فيلم سوري ملوّن سنة 1962 من بطولة صباح وفهد بلان وهو “عقد اللؤلو” للمخرج اللبناني يوسف معلوف.
ويشكل تعاون الرحابنة وفيروز مع المنتج السوري الراحل نادر الأتاسي مرحلة مفصلية في الإنتاج المشترك السوري اللبناني وقدم الرحابنة مع الأتاسي أفلام هي علامات في السينما الغنائية العربية بداية من “بياع الخواتم” ليوسف شاهين، “بنت الحارس” لهنري بركات وآخر هذه الانتاجات “سيلينا” لحاتم علي.
فقدان هوية
لكن شتان بين ذلك التاريخ المفعم بالعفوية ومحاولة الاستفادة من العناصر الفنية هنا أو هناك وبين ما نشده اليوم من تجميع وقص وتلزيق… فالأعمال المشتركة في العقدين الآخرين لم تحظ في البداية بإعجاب واسع من الجمهور العربي وأثارت جدلا يتعلق بفقدان الهوية المميزة لكل دراما ان كانت مصرية أو سورية أو لبنانية… غير أن تعدد التجارب فرض على صناعها تطوير مضامين أعمالهم بعيدا عن فكرة البطل الوسيم وقضايا الخيانة الزوجية وقصص الحب المستهلكة ولم يعد في عدد كبير من الكتابات يبحث المؤلف عن مبرر للقاء بطل سوري مع بطلة لبنانية في رواية غير منطقية… لكن هذا البحث نحا نحو الدراما التركية يستعير نجاحاتها، ولم يقترب بالضرورة من هموم الواقع المحلي المشترك باستثناء بعض الأعمال المشتركة واللافتة في رسالتها كمسلسل “النار بالنار” لكل من عابد الفهد، كاريس بشار وجورج خباز وطرح العمل بجرأة العلاقة المتوترة بين اللبناني والسوري بعد 2011.
العميل وسيرة أيمن زيدان
تدور أحداث المسلسل حول شقيقين تفرقهما الحياة في الطفولة وتعيد الجمع بينهما في مرحلة الشباب ليتواجهان طوال الأحداث، أحدهما يعمل في سلك الشرطة والآخر عضو بارز في واحدة من أشهر عصابات المافيا، وذلك ضمن أجواء من التشويق والإثارة التي لا تلامس أي واقع اجتماعي ولا تعالج أي مشكلة اجتماعية حقيقية… إثارة لمجرد الإثارة ولعب على وتر التشويق غير المثمر لا أكثر
قبل 30 عاماً، لمع نجم الفنان السوري أيمن زيدان في مسلسل “نهاية رجل شجاع”، بعد أن تمكن من القيام بانقلاب أبيض أطاح فيه بمدير شركة الشام الدولية العائدة لابن عبد الحليم خدام، وحل محله فصار زلمة باسم خدام الذي تفصل الأدوار على مقاسه ويختار هو ليس دوره فقط بل المخرج وقسماً كبيرا من الممثلين الذين يرضى عنهم… وطبيعي في ظل هذه الديكتاتورية والشللية التي مارسها أن يختار ما يحلو له، وأن يقدم بعده أدواراً لا تنسى في “نهاية رجل شجاع” و”الجوارح”، و”أخوة التراب” وغيرها…
وخلال سنوات مضت ظهر أيمن زيدان في أعمال رديئة مثل (رقاق الجن) و(بيت أهلي) ليؤكد أن أعماله القديمة طفرة وأن نهر الإبداع المحدود أصلا قد جف…
اليوم، وبعد عقود ثلاثة، وبعد أن باح أيمن زيدان بأسفل ما لديه من تصريحات ضد ثورات الربيع العربي وضد الشعوب الجاهلة التي لا تستحق الديمقراطية لأنها غير مؤهلة لها… يعود زيدان بدور “ملحم” في مسلسل “العميل”، في تجربة هي التجربة الأولى لزيدان في المسلسلات التركية المعربة، تكشف ترهل أدواته وفقدان لياقته ونمطية حضوره وثقل ظله…
ويشارك فيها إلى جانبه كل من يارا صبري، وسامر اسماعيل، ووسام فارس، وأيمن رضا، وفادي صبيح وغيرهم. وباعتقادي، وبرغم محدودية الأدوار التي تقدم في هذا النوع من المسلسلات، إلا أن أيمن زيدان لا يقنعك، ويذكرك أنه بطل ينسى من هذا الزمان
الشخصيات
في السيناريو تظهر شخصية”ملحم”وتستمر من معنا حتى النهاية، من خلال الأحداث المطروحة في السيناريو والدراما الحديثةـ شكلا لا مضموناـ لا يخرج الممثل أيمن زيدان الشخصية، مثلما أرادها المجتمع منذ البداية، من شغيل باللحمة إلى جزار ومنها إلى زعيم مافيا، أفكار ورغبات شريرة لرجل بلا قلب يقتل ضحاياه في تفنن ودم بارد وعلى مهل نجد زيدان ضمن كوادر من الدم والمطاردات والقتل العشوائي، فنجده كممثل غارق في أداء خارجي في فيلم بوليسي مركب بنهكة عربية ولا ننتظر منه الكثير، ولا للدور النفسي للشخصية
لذلك فإني أرى زيدان فنان محدود الموهبة؛ لأنه يقوم بأداء بعض اللازمات الشخصية التي يكررها في أداء أدواره المختلفة، وكلها حركات فيزيقية مكرورة أو عبارات تشبه النكات تحاول استدعاء الضحك؛ ولذلك فإن ضحكت عند مشاهدتها أول مرة، فلن تستطيع ذلك في المرة الثانية. ولذلك فإن شهرته -فيما أرى- لا ترجع إلى موهبة متميزة، وإنما إلى ذكاء فني يتمثل في القدرة على اختيار موضوعات درامية… شعبوية يتلاعب من خلالها بأحلام وطموحات الفقراء والمهمشين.
ثارا وقصيدة الأداء ساحرة
تؤدي الممثلة السورية يارا صبري دور”أم أ مير”الممثل سامر اسماعيل أم مكافحة تطل علينا من أحد مطاعم بيروت، إنها تحمل في قلبها ناراً وهي التي يختطف ابنها ويسجن زوجها وينتمي ابنها البكر حين يكبر للمافيا وتشعر في لحظة أنها خسرت كل شيء، إنها التجسيد الحي للنار المشتعلة من الأسلاف، الفترات المظلمة من حياتها ، كانت طفولتها وصباها نهبا للفقر والكآبة التي تخرج مثلما يريدها المشاهد حارة وصادقة لتصنع بصمة “نجمة شباك”، فأداء يارا قصيدة ساحرة، وأمام الكاميرا وجدت الكلمات تلك التي لم يقلها أحد أو تتوق لسماعها وهي تخاطب بها السفلة، كانت متنفسا عن الغضب والإحباط لشخصية قوية وغير متحفظة.
أداء يارا صبري المشحون بالمشاعر والانفعالات الحقيقية هو النقيض تماما لأداء أيمن زيدان الخارجي البارد الذي يعتمد على طبقة الصوت وجمود الملامح وفقر المشاعر… مثلما حيوية الشابين سامر اسماعيل ووسام فارس نقيض من جانب آخر… وهكذا تبدو يارا قصيدة أداء ساحرة والحسن يظهر في حرارة وصدق انفعالاتها، مثلما يظهر النقيض لدى زيدان المترهل ودراما التشويق والافتعال المسلية حيناً والغارقة في مطمطمة الخطوط والأحداث حينا آخر.