أرشيف المجلة الشهرية

النكتة السياسية بعد مجزرة حماة: عندما يتحوّل الضحك إلى جريمة سياسية!

العربي القديم – نوار الماغوط

النكتة السياسية، منذ أحداث حماة عام  1982، وإلى يومنا هذا سلاح وصوت مَن لا صوت له.. فهي صوت شرائح المجتمع المتنوعة البسيطة والمثقفة، كبيرها وصغيرها القريب من السلطة، أو المعارض لها،  وكما قال الروائي البريطاني الساخر جورج أورويل صاحب الرواية الشهيرة “مزرعة الحيوان”: «كل نكتة صغيرة هي ثورة تدمّر العظمة، وتُسقط العظماء من كراسيهم.. إنها ثورة تُضحكنا كثيراً..».

في الثمانينات، بعد أحداث حماة صارت النكتة السياسية في سوريا متداولة بكثرة،  ضمن  المجتمع، للسياسيين منهم، والناس العاديين. كانت في ظل القمع، والتوحش، والاستبداد وسيلة للتطهّر من الخوف، مثل غناء الخائف الذي يسير في غابة موحشة ليلاً…   كانت قصصاً مضحكة، ولكنها مؤلمة في الوقت نفسه، ترسل رسائل من الشعوب المقهورة إلى حكامها المستبدين، وإلى مُخبريهم الذين يشنّفون الآذان؛ كي يكتبوا التقارير… وكم من تقرير كُتب ضدّ فلان، وكان فحواه: نكتة مسيئة عن السيد الرئيس، أو الحزب القائد أدخلت مَن رواها إلى السجن! كان مجرد أن تكون في جلسة، وتستمع إلى نكتة قد تدخلك السجن، والأمثلة التي كنا نتداولها كثيرة!

ابن حرام مصفى!

بعد مجزرة حماة، كان حجم الحنق الشعبي على حافظ الأسد قد بلغ مداه، رغم الخوف والدم، وقصص التعذيب والقتل الوحشي التي كانت تصل السوريين قادمة من حماة الجريحة.. ولهذا فالنكتة الأشنع، بمعايير التهم السياسية طبعاً، تمحورت حول سقوط حافظ الأسد الذي ضاق ذرعاً ذات مرة بالتقارير التي تؤكد محبة الشعب، وقرر أن ينزل إلى الشارع متخفياً بزيّ رجل عجوز؛ كي يرى محبّة الناس له بعينيه، ويسمع بأذنيه، لكنه فوجئ كلّما سأل مواطناً، بسيل من الشتائم والدعاوي: الله ينتقم منه… الله يقصف عمره… الله يسمعنا خبره اليوم قبل بكرا…  وبينما هو سائر وقع في حفرة صرف صحي، ولما رآه أحد المارة هرع إلى إنقاذه، وبذل جهداً مضنياً، حتى تمكّن من إخراجه من الحفرة، وعندما خرج حافظ الأسد قال في نفسه: وأخيراً وجدت مواطناً من أبناء الشعب يحبّني، ويبذل كل جهد لإنقاذي فقال له: أنا حافظ الأسد يا ابني، اطلب ما تشاء مكافأة على إنقاذك لحياتي… فقال له: لي طلب واحد يا سيادة الرئيس، أرجوك ألا تخبر أحداً أنني أنقذتك؛ لأنهم سيقولون عنّي ابن حرام مصفي! 

“اعترف أنك أرنب”

وهي قصة مسابقة عالمية لفرق الشرطة، يتم إطلاق أرنب في الغابة، وتنطلق فرق كل دولة  في إثره، باستعمال التقنيات العلمية، والكفاءات لتقفّي أثره. ربع ساعة، وعادت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA بالأرنب. عشرون دقيقة، وعادت  الاستخبارات العسكرية البريطانية بالأرنب، وبعد نصف ساعة عادت المديرية العامة للأمن الفرنسي بالأرنب، وغيرهم من أجهزة الاستخبارات الدول العالمية. انقضى النهار، ولم يظهر السوريون، فانطلقت كل الفرق في البحث عنهم، وجدوهم في كهف مظلم، يعلقون رجلاً على حبل، رأسه إلى الأسفل، ورجلاه إلى الأعلى، كما تُعلق الشاة المسلوخة، ويقومون بضربه بالأسلاك البلاستيكية والعصي، ويصرخون فيه: اعترف أنك أرنب يا حقير”.

حافظ الأسد والشرطي

  يُحكى أن شرطي مرور أوقف سيارة حافظ الأسد، وطلب أوراقه، فقال له حافظ؛ من أجل بثّ الرعب في قلبه، وليتركه يمر: “أنا الرئيس حافظ الأسد يا ابني”. لكنّ الشرطي رأسه، وألف سيف لن يترك السيارة تمر، من دون أن يأخذ الأوراق، وتشاجر مع الرئيس، حتى انتبه رئيس الدورية، وجاء راكضاً، وأفسح الطريق للرئيس، ووبّخ الشرطي، وقال له: “لك شو بدك تخرب بيتنا.. ما بتعرف أنو هاد أخوه لرفعت الأسد؟”.

الحمار، والقرد، ورئيس الوزراء

وعندما اجتاح حافظ الأسد حماة، اعترض حمار موكب رئيس الوزراء، عبد الرؤوف الكسم، وسأله: “شو عم يصير بحماة يا سيادة رئيس الوزراء؟ رد الكسم: “والله متلي متلك ما بعرف شي”، وعن رئيس الوزراء نفسه يُروى أيضاً: إنّه كان يدرس في “الخارج”، وأرسل لأمّه صورته مع قرد، كتب عليها “أنا اللي على اليمين”.

رفعت الأسد والنساء

إن أحد المسؤولين سأل رفعت عن سرّ قدراته، في الإيقاع بالنساء، فقال له رفعت: إن هناك إشارة ما، يقوم بها مع النسوة، فيقعن في غرامه فوراً. وحين عاد المسوؤل متحمساً إلى بيته؛ ليجرّب الإشارة التي أخذها من رفعت حدث التالي: اختبأ المسؤول خلف باب الحمام، وحين مرّت زوجته، من دون أن تنتبه له، ربّت الزوج على مؤخرتها، فقالت الزوجة بغنج ودلال: “أنت هون يا رفعت؟”.

موت باسل

 إن مدير فرقة حزبية في الرقة، عندما مات باسل الأسد، وذهب برفقة وفد للمشاركة بالجنازة، قال لمَن حوله: هلق مات باسل، وهيك كيف تموت أنيسه …يقال إنه اختفى منذ ذلك الوقت.

لقد كانت كل تلك النكات وغيرها مرآة الآلام التي لا علاج لها سوى الضحك…  ومثلما قالوا في الأمثال العربية شر البلية ما يضحك… فما بالك في جمهورية البلاوي والمصائب تجد بشراً تنتج النكت؛ من كثرة الألم، والاحتياج الى البكاء. وكما قال أبو الطيب المتنبي: ولا تحسبوا رقصي بينكم طرباً فالطيرُ يرقصُ مذبوحاً من الألمِ.

زر الذهاب إلى الأعلى