الرأي العام

مقامات أمريكية | أولمبياد الجسد أم أولمبياد العقل

د. حسام عتال

إذا كنت تحب التعرف إلى تفاصيل تطور الكون وتاريخ المجتمعات البشرية، فاذهب إلى متحف السميثونيان بواشنطن. في البهو الأمامي الفخم الواسع بسقفه العالي سيرحب بك الدليل ببدلته الرمادية ذات الشرائط الحمراء، ويعطيك خريطة المتحف ومسجلة صغيرة سوداء، فيها شرح مفصل للمستحاثات والمحنطات ومنتجات البشرية عبر العصور.

ربما تفضل الموسيقى الكلاسيكية أو الأوبرا (أراك من عشاق ڤيردي)، إذاً توجه مساءً إلى قاعات السيمفوني، أو دور الأوپرا (أقترح المترو في نيويورك). اختر أحسن مالديك من ثياب لكي تبدو في زهوتك، ولا تنسى شراب مضاد السعال كي لاتزعج الناس خلال العرض. في المقعد جانبك ستسمع الرجل الأشيب الثمانيني يميل ثم يهمس في أذن زوجته، وهو يضع يده على يدها النحيلة بجلدها الرقيق وعروقها البارزة: أعتقد أن ماريا كالاس أدّت أداء أكثر قوة عام ١٩٥٨، ألا تعتقدين؟

وثمة محاضرات وندوات أدبية ترعاها جامعتك المفضلة في المدينة التي تقيم فيها. إن كان ذلك ما يدغدغ فضولك الثقافي فاذهب إلى الصالة المضاءة بشكل مبهر (شوي زيادة عن المطلوب للرؤيا الطبيعية)، اسمع المحاضرة أو تمتع بجدال ذهني.  بعدها توجه للمقهى القريب لاحتساء اللاتيه بالقرفة (المحضرة بالحليب النباتي ليس دونه). هناك ناقش المحاضرة مع أصدقائك، بينما البنت الجميلة ذات الشعر الأزرق، الجالسة على الطاولة في الزاوية، تحاول إنهاء بحثها في “تأثير تغيير المناخ على الحيوانات البحرية اللافقارية في البحر الكاريبي”، كُتُبها السميكة مكدسة على طاولتها، تكاد تخفي ملامح وجهها الشرق آسيوية.

ولكن إن بغيت فرصة للترفيه عن نفسك والتسلية البسيطة اللامشروطة، فإحدى خياراتك هي متابعة الاولمبياد. في هذه الحال ستجد في حفل الافتتاح، وقبل بدء المباريات، وفي الفواصل خلالها، موسيقى وعروض وأغان تناسب هذه المناسبة. ستجدها حيوية، صاخبة،  مثيرة، وحماسية، وستجد الكثير منها مخالفة لرأيك ولاعتقادك ولنمط حياتك. 

يمكنك الاحتجاج على هبوطها وسوقيتها، ولكنك باحتجاجك تسوقّها، دون أن تقصد.

هذه العروض لا تخاطب العقل أو منظومات التفكير، هي تخاطب القسم السفلي من الجسد وتحثه على الحركة، فهي تتماشى مع مفهوم الرياضة الجسدي البحت.

تبقى مشكلة الأجساد شبه العارية، التي يبدو أنها قد خدشت حياءك! إذا كان هذا ما يثقل ضميرك فيمكنك عندئذ، عزيزي المستاء، أن تفعل ما كان يفعله أهلنا ونحن صغاراً عندما يظهر على التلفاز ما يعتبرونه مشيناً. كانوا يغطون أعيننا براحات أيديهم بينما هم يحدقون في الشاشة بأعينهم المفتوحة على أقصى اتساعها.

زر الذهاب إلى الأعلى