فنون وآداب

نصوص أدبية || (سلمى) قصيدة جديدة للشاعر السوري علي صالح الجاسم

العربي القديم – علي صالح الجاسم

يمثل الشاعر علي صالح الجاسم، ابن مدينة منبج العريقة، صوتاً شعرياً متوهجاً في الشعر العمودي. صوره الشعرية لا تفقد حراراتها أمام سطوة النظم، واستلهامه لروح الشعر العربي القديم الذي يفتتح به قصيدته هذه، ليس مجرد بحث عن قافية أو مطلع يطلق شرارة الإلهام لديه، لكنه تعبير عن تقاليد شعرية راسخة ومستمرة تجمع عصور الشعر العربي كله، في روح عربية واحدة متدفقة المعاني والقيم أيضاً حين تعلو قيم الحرية والإيمان التاريخي بانتصار الحق، حتى في أحلك أوقات الألم والضعف والتشرذم. (العربي القديم)

الشاعر علي صالح الجاسم

سلمى

“إنّـــا محيّوك يـــا ســــلمى فحيينا”*

لا يعذب الكـــأس إلا منك فاسـقينا

أُصغي لصوتكِ خلف الأفق ممتطياً

ظهر السّحاب يجاري الريح مجنونا

آتٍ إلـــيّ كــــــأنّ البــرق يقذفـــــه

يُصلي شظاه صخورَ الأرض توهينا

يقول للعابــــرين الجـــــرحَ لا تهنوا

سيُهزمُ الجمعُ حقــــاً ليـــس تخمينا 

مهما تعـالَوا وغـالَوا فـــي تجبّرهــم

سيُقهرون بوعــــــــــــــد الله تمكينا

قــد يحـرقـون لفــــرط البغي أفئدةً

ويقتلون بــــــــلا وعــيٍ مـــلايينـــا

قد يملؤون مـــــــن الأشـــلاء أوديةً

ويشــعلون بهــــــــــا أطفالَنــا حينـا

وقــد نجـوع فنستاف الثّـرى ســغباً

وإن عطشـــــنا سُــقِينا مـــاءَه طينا

قــــــد يحملون علينـــا كــــلّ داهيةٍ

وقـــد يُحــــاط بنـــا قهراً وســجّينا

لكنهم لـــن يكونــوا غير شـــرذمـــةٍ

ميعادُهــــا الصّبحُ إنّ الصّبحَ موفينا

وعـــــــدٌ مـــــن الله بشـــــراه مرتّلةٌ

بـــلا قميصٍ بـــــــآي الذّكـــــر تُنبينا

يـا غزُّ لـم تتركـي فـي البـال معذرةً

لمــن أراد فــــــأيُّ العــــــذر يُعفينا؟

منذا يُعزَّى وفيكِ الصّبر مدرســـــةٌ؟

فهــل نعزّيـــكِ قــولــي أم تُعزّينـــا؟

نحن الّذيـــن جبُنّــا إذ رجــوتِ بنـــا

ظهــراً، فعدْتِ بـــلا ظهـــرٍ تُواســـينا

وقـــد مضينــا إلــى حتـفٍ نواجــهُهُ

موتـى، وقــد قيل عنّا مـــا يُعرّينــــا

لأنّنــا دون روحٍ لــم نعـــدْ عـــــربـــاً

وراح ذا الأمــــلُ المكـــذوبُ يُغرينـا

إن كـانت السـبعةُ العجفــاءُ قــاصمةً

فكيف نصبرُ لـــو خمســــاً وســبعينا

ألـم يحــــنْ موعـــــدٌ كنّـــــا نؤمّلُـــهُ

فــي كــــلّ ســـانحةٍ ضـاءت ليالينا؟

كانت تحـدّثنـــا الجــدّاتُ أنّ غــــداً

وراء هــــذا المـــدى لا شـــــكّ آتينا

ولـم نـــــــزل منذ ذاك الحين ننظرُهُ

لعلّــه مــــن وراء الأفــــــق يعلونـــا

“تجـاوز الظّـالمون” الحــدّ فـي عنتٍ

ونحن لمّا نـــزلْ فــي الجــبّ جاثينا

لأنّـــه الوجــــعُ الممتدُّ مــــــن بردى

حتى ســـــمائكِ يــا ســــلمى يعنّينا

نقفو علـى الأثــر الممتدّ مـــن دمنــا

نعبّــد الدّرب إن شــــئنا ميــامينـــــا

لا مــا نسيناك يــا أقصى ولا خطرتْ

ببــالنـــا لحظـــةً ننســــــى فلسطينا

……………………….

* الشطر للشاعر الجاهلي بشامة بن حزن النهشلي

زر الذهاب إلى الأعلى