الرأي العام

نوافذ الإثنين | قتل المسيح الفلسطيني

يكتبها: ميخائيل سعد

أحاول كشخص عمره 75 سنة، الابتعاد قد الإمكان عن كل شيء يزعجني، لذلك قلصت علاقاتي الاجتماعية إلى حدها الأدنى، فلا أزور الناس في المناسبات الدينية أو الاجتماعية، ولا أحضر الاجتماعات السياسية، ولا يهمني من قريب أو بعيد مَن سيحكم المقاطعة في الانتخابات القادمة. أهتم براتبي التقاعدي، وبالخدمات الطبية المجانية التي تقدمها الحكومة الكندية للمتقاعدين، وبأنواع الغذاء التي تطيل العمر. وأمضي يوميا ساعتين في زاوية المعمرين، نتداول خلالها أخبارنا الشخصية، ومواعيدنا الطبية، وما نشرته وسائل الإعلام من أخبار عن بلداننا.

كنا، عبر السنين الطويلة في المهجر، قد ألفنا أخبار أنظمتنا المستبدة، واستهتارها بقضايا الوطن والشعب، وبالتالي خفّت أو تلاشت حساسيتنا تجاه الظلم الذي يعانيه شعبنا، إلى أن كانت الحرب الإسرائيلية على غزة أولا ثم على لبنان، فدخلنا في دائرتها رغما عنا. كان ما جرى من أهوال ويجري من عنف تكنولوجي قاتل جعلنا نشعر بقرب السكين من أعناقنا، رغم بُعدنا عن أوطننا الأصلية بآلاف الكيلو مترات، هذا عدا عن بُعدنا الثقافي. كان الظلم الذي مارسته إسرائيل أقسى من القدرة على التظاهر بعمى العينين عنه، وأشمل من أن يترك أحدنا بعيدا عن الوقوع تحت شفراته الحادة. ولكنه كان أيضا كاشفا، حتى النهاية، عن عورات انظمتنا، وتخلف نخبنا الثقافية، وتسخير أدياننا لسلطات سياسية لا تستحق أكثر من مزبلة.

هيرودس وقتل المسيح

أرسل لي أحد الأصدقاء فيديو لعسكري إسرائيلي يتكلم مع شخص قريب منه (صديق أو صديقة)، يقول فيه لصديقه/صديقته: إنه كان مضطرا لقتل فتاة فلسطينية عمرها ١٢ سنة، لأنه لم يعثر على أطفال صغار في العمر (رُضع) لقتلهم، لقد قُتلوا جميعا، لذلك وجد نفسه مضطرا لقتل هذه الفتاة بنت ال١٢ عاما.

بدأت ارتجف من الخوف، شعرت أن سكين هذا الجندي قرب عنقي. أعدت مشاهدة الفيديو وازداد خوفي، ونشطت ذاكرتي الضعيفة، وتذكرت حكاية الحاكم اليهودي هيرودس الذي أمر بقتل كل الأطفال الرُضع في بيت لحم، لأنه عرف أن طفلا قد ولد وقد يكون مستقبلا مالك اليهود. تقول القصة:

”هيرودس الكبير، المعروف بأنه ملك اليهود، كان شخصية تاريخية معقدة. حكم من 37 قبل الميلاد حتى 4 قبل الميلاد، ويشتهر بإعادة بناء الهيكل الثاني في القدس. من بين أشهر الأحداث المرتبطة به هي مذبحة أطفال بيت لحم، التي وردت في إنجيل متى. وفقًا للرواية، بعد أن وُلِد يسوع المسيح، سمع هيرودس عن مجيء ملك جديد وقرر التخلص منه. لأجل ذلك، أمر بقتل جميع الأطفال الذكور في بيت لحم وما حولها الذين تقل أعمارهم عن سنتين.“

ومما وجدته على الانترنيت عن هيرودس:

كان هيرودس موالياً للرومان، مما أتاح له الحفاظ على الحكم ولكن على حساب الاستقلالية اليهودية. وكانت فترة حكمه مليئة بالاضطهاد والقسوة، بما في ذلك مذبحة أطفال بيت لحم. هذه الأفعال زادت من مشاعر الخوف وعدم الثقة في السلطة. ما أدت سياسته القمعية إلى تصاعد الصراعات الداخلية بين الفصائل المختلفة في المجتمع اليهودي، مما ساهم في انقسام اليهود إلى مجموعات متنافسة. بشكل عام، كانت آراء اليهود المعاصرين لهيرودس تتراوح بين الخوف والاستياء والإعجاب، مما يعكس التعقيد والتناقضات في شخصيته وحكمه.“

يستطيع مَن يشاهد الفيديو المذكور ويعرف بعض التاريخ، أن يربط بين سلوك هذا العسكري الإسرائيلي، الذي يبحث عن أطفال فلسطينيين رُضغ لقتلهم، وبين سلوك هيرودس ومذبحة بيت لحم.

ربما كان هذا العسكري الإسرائيلي يعتقد أن بإمكانه، من خلال قتل الأطفال الفلسطينيين، قتل المسيح الفلسطيني الوليد، الذي سينهي الاحتلال الصهيوني العنصري لفلسطين ويقيم الدولة الفلسطينية الديمقراطية العلمانية. 

مونتريال ٤/١١/٢٠٢٤

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى