الرأي العام

نوافذ الإثنين | حب غير مرغوب به!

ميخائيل سعد

كنت منهمكاً في حوار عن الثقافات وأثرها على الجماعات البشرية، مع بعض طلاب الدراسات العليا (الماجستير) السوريين في جامعة ماردين، عندما وصلني والآخرين صوت قوي يقول صاحبه: أنا أحاول أن أفهم لماذا السيد ميخائيل سعد يحبُ ويدافع دائما عنّا؟

دون أن ألتفت، قلت له بصوت مسموع جدا: ومَن أنتم؟

قال: المسلمون والإسلام.

قلت له: أنا لم أقل يوميا إنني أحب الإسلام والمسلمين، كما أنني لم أقل إنني أكرههم. هل يمكن لعاقل أن يقول إنه يكره شعبه ومعتقداته، ثم يعود ليدافع عن نفسه فيقول إنه يحبهم ويحترم معتقداتهم مهما كانت؟

للمرة المائة، ربما، قلت وكتبت إنني فرد من مجتمعي السوري الذي غالبيته تدين بالإسلام، وبالتالي فثقافته هي الثقافة الإسلامية، التي هي وليدة الحضارة الإسلامية، وكوني ابن هذا المجتمع رغم اختلاف دين أهلي، فمن الطبيعي أن أدافع عن الثقافة الإسلامية، التي هي ثقافتي، ودفاعي هذا ليس تقرباً من المسلمين ولا دفاعا عنهم ولا عن دينهم، الذي أحترمه كما أحترم كل الأديان، وإنما هو دفاع عن نفسي أولا وعن ثقافتي التي أعتز بالانتماء إليها.

أنا أعرف أن الشعب السوري طيب بغالبيته، ويحب الآخر، ويتعامل مع المختلف ديناً بود،ّ مع بعض الحذر الخفي، وكان من الطبيعي أن أسمع من أشخاص في التجمعات الإسلامية التي أتردد عليها بالمناسبات الاجتماعية أو الوطنية أو الدينية، مديحهم لي والترحيب المبالغ فيه أحيانا الذي يعبر عن الحب والاهتمام برجل مسيحي الدين، وكنت أردّ بما يتطلبه الموقف من احترام وتقدير وتفهم لمشاعرهم، ولم يكن يعنيني أن أناقشهم في أسباب ودوافع حبهم لي وتكريمهم لي، وأذكر هنا حالة من الحالات التي تؤكد كلامي.

في إحدى السنوات، ربما عام ٢٠١٩م، أمضيت شهر رمضان الكريم في إسطنبول، وكنت حريصا على الوجود يوميا في أحد الإفطارات الشعبية المجانية، أو كنت ألبي دعوة بعض الأصدقاء للمشاركة في إفطاراتهم، وكان شهر رمضان مؤلفا من ٢٩ يوما، وقد وصلتني (٣٥) دعوة للإفطار سواء في الأماكن العامة أو البيوت أو المطاعم، وكان هذا مؤشراً عظيماً على ترحيب المسلمين بغير المسلمين، مهما كانت أسبابه.

ما أريد نقده ليس سلوك ومعتقدات البسطاء من الناس، ولكن سلوك بعض الفئات المثقفة من المسلمين السوريين، وخاصة من يحسبون أنفسهم على الثورة السورية العظيمة. إن خلفية تفكير هذا المثقف الذي يريد أن ”يفهم“، أو ”يستغرب دفاعي عن الثقافة الإسلامية“، يرغب حقيقة في تصنيفي كواحد مختلف، أي كواحد ”ليس منا“، أو هو ”أقل منا”، ووطنه بالتالي ليس سورية، أو أنه يمكن أن يكون سوريا ولكن ”سوري نخب ثاني“، لمجرد أنه ابن دين أو طائفة مختلفة. كل ذلك يجعل من مفهوم ”الوحدة الوطنية“ نكتة سمجة.

بالنسبة لي أيها الشاب ”الثوري“، أنا أريد أن أكون ابن وطن وليس ابن طائفة، أريد أن أعرّف بنفسي باسم وطني وليس باسم ديني. وأطمح أن أكون في سورية الجديدة مواطنا كامل الحقوق، لي نفس حقوق كل السوريين، وعليّ نفس الواجبات، بغير ذلك ستبقى سورية بلداً ممزقاً يُسهّل على ”الخارج“ التلاعب بمكوناته كلها، كما هو واقع الحال الآن.

أخيرا سأختم كلماتي هذه بواقعة حدثت معي منذ أيام: منذ شهرين تقريبا بدأت بإعطاء درس لغة عربية لطالبة جامعية تركية شابة في العشرين من العمر. من يومين، وبعد انتهاء الدرس، بدت الفتاة حزينة فسألتها عن سبب هذا الحزن البادي على محياها، ابتسمت بحياء جميل وقالت: كنت أفكر بك، وحزنت لأننا لن نلتقي بالجنة. قلت لها: ومن قال لك إننا لن نلتقي بالجنة؟ قالت: الجنة فقط للمسلمين.

لم أسمح لنفسي بالابتسام، وقلت لها: من قال لك ذلك؟ هل تعلمين إن عدد المسلمين في العالم يبلغ حوالي المليارين، وما تبقي من البشر يبلغ عددهم ستة مليارات، هل من المعقول أن يقبل الله في جنته مليارين فقط من أصل ثمانية مليارات، هو من خلقهم وسواهم؟!

لم ترد الفتاة، ولم أحاول الاستفاضة في الشرح، ولكن تذكرت نظرية ”شعب الله المختار“، وودعت الفتاة وأنا أقول لنفسي: إنني أفضل أن أكون مواطناً له كامل الحقوق، عن ”حب“ سوري يجعلني سجيناً في قفص ذهبي، ولكن دون حقوق.

ماردين ٢٦-١١-٢٠٢٣

زر الذهاب إلى الأعلى