عودة اللاجئين السوريين: بين معاناة الغربة والتحديات المعيشية في الوطن
العودة ليست مجرد عبور للحدود، بل هي مواجهة لواقع دمرته الحرب
أزاد خليل – العربي القديم
مع تصاعد أعداد اللاجئين السوريين العائدين من دول الجوار وأوروبا، يعود الحديث مجددًا عن معاناة استمرت لسنوات طويلة، حمل خلالها السوريون آلام النزوح واللجوء في ظروف قاسية تتنافى مع أبسط حقوق الإنسان. العودة إلى الوطن ليست خيارًا سهلاً بالنسبة للكثيرين، لكنها أحيانًا تكون بمثابة الهروب من واقع غارق في الانتهاكات والظروف غير الإنسانية التي واجهوها في بلدان اللجوء.
سنوات من المعاناة
في دول الجوار مثل تركيا ولبنان والأردن، عانى ملايين اللاجئين السوريين من أوضاع معيشية صعبة، تميزت بالاستغلال، العنصرية، والغياب شبه التام للحماية القانونية.
• في لبنان، واجه اللاجئون سياسات تمييزية قاسية؛ حيث تم تقييد فرص العمل المتاحة لهم، ودفعوا للعمل في مهن شاقة مقابل أجور زهيدة بالكاد تكفي لتلبية احتياجاتهم الأساسية. بالإضافة إلى ذلك، تعرض كثيرون للإخلاء القسري من مساكنهم في المخيمات، فضلًا عن حملات اعتقال وترحيل قسري لم تراعِ أدنى معايير الإنسانية.
• في تركيا، ورغم وجود بعض الدعم الحكومي، إلا أن السوريين واجهوا تصاعداً في الخطاب العنصري ضدهم، حيث أصبحوا ورقة ضغط سياسي داخلي وخارجي. كما أن العديد منهم عانوا من الاستغلال في سوق العمل، حيث كانت ساعات العمل طويلة، وأجورهم دون الحد الأدنى، مع انعدام الضمانات القانونية أو الاجتماعية.
وبدلاً من أن تكون منظمات الإغاثة والجمعيات الإنسانية ملاذاً للاجئين، غالباً ما أخفقت في تقديم الدعم الكافي. في المخيمات، عانى اللاجئون من نقص حاد في الغذاء والدواء والخدمات الصحية والتعليم. هذا بالإضافة إلى غياب الدعم القانوني الدولي، مما جعلهم عالقين بين دول اللجوء وظروف غير مضمونة عند العودة إلى الوطن.
خطوة نحو المجهول
اليوم، مع تسجيل عودة أكثر من 125 ألف لاجئ منذ ديسمبر الماضي، يواجه السوريون تحديات كبيرة عند عودتهم. العودة ليست مجرد عبور للحدود، بل هي مواجهة لواقع دمرته الحرب. المدن مدمرة، البنية التحتية شبه غائبة، وفرص العمل قليلة للغاية. في ظل هذه الظروف تبدو العودة خطوة محفوفة بالمخاطر ما لم تتوفر برامج شاملة لإعادة الإعمار، وضمان سكن كريم وفرص عمل للعائدين.
هذه الأزمة الإنسانية تتطلب استجابة شاملة تتجاوز الخطابات السياسية. على المجتمع الدولي دعم إعادة الإعمار في سوريا، وضمان حماية العائدين وحقوقهم. أما الدول المضيفة، فيجب عليها التوقف عن استخدام اللاجئين كأداة للضغط السياسي أو الاقتصادي، والالتزام بمعايير حقوق الإنسان.
الأمل رغم الألم
رغم المعاناة الطويلة التي تحملها اللاجئون، يظل الأمل في بناء مستقبل جديد هو الدافع الأكبر للعودة. ينبغي أن تكون هذه العودة بداية لحياة كريمة وليست استمراراً للمعاناة. تحقيق العدالة والكرامة للسوريين العائدين يتطلب تكاتف الجهود المحلية والدولية، لضمان أن تكون سوريا الجديدة مكانًا يستحق أن يُبنى فيه المستقبل، بدلًا من أن تكون الهجرة هي الحل الوحيد أمام الأجيال القادمة.
____________________________________________________
* كاتب وباحث سياسي سوري