عقائد وأديان

(العربي القديم) يحاور رئيس اتحاد علماء المسلمين: الشكوى لا تحقق شيئاً وكل مسلم مسؤول!

حاوره: د. علاء الدين آل رشي

في ظل التحديات الجسيمة التي تواجه الأمة الإسلامية في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، تبرز الحاجة إلى عقلية تسعى للتحدي والتجديد بدلًا من الاستسلام، وعقلية تتشبث بالأمل بدلًا من الانكسار. وفي هذا السياق، أجرى د. علاء الدين ال رشي  حواراً  لموقع (العربي القديم) مع رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، د. علي محيي الدين القره داغي، الذي انتخب في التاسع من كانون الثاني/ يناير من العام 2024، ليكون الرئيس الثالث للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بأغلبية الأصوات، بعد أن كان أمينا عاما للاتحاد منذ 2010. وقد وُلد الشيخ علي محي الدين القره داغي عام 1949 في منطقة قره داغ التابعة لمحافظة السليمانية في إقليم كردستان العراق، وهو حاصل على الماجستير في الفقه المقارن والقانون من جامعة الأزهر عام 1980، ثم الدكتوراه في تخصص العقود والمعاملات المالية في كلية الشريعة والقانون من الجامعة ذاتها عام 1985.

يستعرض هذا الحوار رؤى رئيس الاتحاد حول كيفية توجيه المسلمين للتعاون والعمل المشترك من أجل تجاوز المحن، وسبل بناء عقلية تواجه الصعاب وتتحدى الأزمات بصلابة وثبات، ويحث الشباب خاصة على دورهم في قيادة التغيير. يستند الحوار إلى توجيهات القرآن الكريم والسنة النبوية وأمثلة من حياة الصحابة والتابعين، مع التركيز على أهمية الصبر والعمل واليقين بالنصر كقيم إسلامية تشكل حجر الزاوية في مواجهة التحديات، ويلقي الضوء على رؤية الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ودوره في توجيه الأمة نحو طريق التفاؤل والعمل والأمل، من أجل بناء مستقبل مشرق للأمة الإسلامية.

س: بدايةً، فضيلة الدكتور، كيف ينظر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلى الأحداث الحالية؟ وما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه في توجيه المسلمين؟

– الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ينظر إلى هذه الأحداث من منطلق المسؤولية الشرعية والتاريخية. لا نعتبر أنفسنا جهة دعوية فحسب، بل نحن نتحمل مسؤولية توجيه الأمة الإسلامية إلى النهج الصحيح في التعامل مع الأزمات، بناءً على تعاليم الإسلام السمحة. الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: “وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ” (المائدة: 2)، وهذه الآية تلخص موقفنا، فنحن ندعو إلى التعاون على البر والتقوى  ومنع العدوان  وبخاصة وقف العدوان الصهيوني الغاشم على غزة ولبنان، وفي ذات الوقت نحث المسلمين على التمسك بالحق والعدالة.

إن موقفنا يعتمد على الدعوة إلى الوحدة ونبذ التفرقة التي تُضعف الأمة، ونرى أن التحديات التي تواجهها الأمة اليوم تتطلب جهوداً مشتركة، خصوصًا في ظل التحديات السياسية والاقتصادية الكبيرة.

س: ولكن هناك من يقول إن المسلمين اليوم يغلب عليهم الشعور بالهزيمة والاستسلام. هل توافقون على هذا الرأي، وكيف يمكن مواجهته؟

– هذا الرأي لا يعبر عن منهاج الإسلام وميزانه القائم على الإيمان بالله تعالى الذي هو مصدر القوة ومفجر الطاقات والأمل الكبير، فالحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في أحلك الظروف يبشر المؤمنين بالنصر، ففي غزوة الخندق بشر بفتح اليمن والشام والعراق. لا يجوز للمسلمين أن ييأسوا مهما كان الطغيان ومهما صال الباطل، (ولينصرن الله من ينصره).  

لكن المسلمين، كما غيرهم، تعرضوا عبر التاريخ لفترات ضعف وتراجع. مع ذلك، فإن الإسلام يدعو دائماً إلى الإيمان بالقوة والصبر، حتى في أشد الظروف. يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير” (رواه مسلم). هذا الحديث يشجعنا على السعي للقوة بجميع أبعادها، سواء كانت القوة النفسية، أو الروحية، أو الفكرية، أو البدنية.

كما أن القرآن الكريم مليء بالآيات التي تدعو إلى الصبر وعدم الانهزام أمام التحديات، مثل قوله تعالى: “وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ” (آل عمران: 139). هذا الوعد الإلهي يذكّر المؤمنين بأن العلو والقوة تأتي من الإيمان والعمل الصالح، لا من الهزيمة النفسية أو الانكسار أمام المحن.

س: إذاً، كيف يمكن بناء عقلية التحدي هذه، وتجنب ثقافة الانكسار والتشكي؟

– يتطلب بناء القوة الإيمانية، وعقلية التحدي عدة أمور، أولها تقوية الإيمان،  والصبر والثبات، يقول الله تعالى: (بشر الصابرين)، ويقول تعالى: “إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ” (الزمر: 10)، وهذا دليل واضح على قيمة الصبر والثبات في مواجهة المصاعب. الإسلام جاء ليزرع في نفوس المسلمين القوة والثبات ، ويدعوهم إلى الصبر والإصرار. كما أن الفقهاء والعلماء عبر التاريخ كانوا قدوة في هذا الجانب، فالإمام أحمد بن حنبل تعرض للاضطهاد والسجن، لكنه صبر وثبت على موقفه، وأصبح مثالًا للصمود على رغم الظروف القاسية.

إضافة إلى أن الصبر، يحتاج إلى نشر الوعي بقدراتنا الفردية والجماعية. كل مسلم هو مسؤول عن نفسه ومجتمعه، ويجب عليه أن يعمل ليكون نموذجاً للإصرار والتحدي. ولعل أهم رسالة نحتاج إلى ترسيخها اليوم هي أن الشكوى لا تحقق شيئاَ، بل العمل والسعي هما السبيل للتغيير.

س: في ظل الظروف الحالية، كيف يمكن تحقيق هذا الأمل الذي تتحدثون عنه، وأنتم تعلمون حجم الأزمات التي تعاني منها الأمة الإسلامية؟

– التذكير بتاريخنا المليئ بالأزمات والانتصارات، بالإضافة إلى ذلك فإن ديننا عظيم فهو يصنع الرجال الأقوياء، أليس الشباب المجاهدون في غزة والضفة وغيرهما أكبر دليل على ذلك، كما أن الإسلام يغرس في النفوس الأمل الكبير وهو القوة التي تمنحنا القدرة على التحمل والاستمرار. الله تعالى يقول في الحديث القدسي: “أنا عند ظن عبدي بي” (رواه البخاري). هذا الحديث يعطينا رسالة عميقة بأن الأمل بالله هو جزء من عقيدتنا. لو نظرنا إلى التاريخ الإسلامي، سنجد أن الأمل لم يكن مجرد شعور عابر، بل كان أداة يستخدمها المسلمون في أحلك الظروف. على سبيل المثال، في غزوة الخندق، عندما كان المسلمون محاصرين من كل جانب، لم يفقد النبي صلى الله عليه وسلم الأمل. بل كان يزرع في نفوس أصحابه الأمل بالنصر، وكان يقول: “الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمراء من مكاني هذا”، وهذا كان في وقت لم يكن فيه أي إشارة واضحة للنصر، لكن النبي صلى الله عليه وسلم علمنا كيف يكون الأمل مرتبطًا بالعمل والصبر.

نحن في الاتحاد نعمل على غرس هذا الأمل في قلوب المسلمين، ونحثهم على النظر إلى المستقبل بتفاؤل، لأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا.

س: كيف يمكن للشباب، خاصةً، أن يتبنوا هذه الرؤية ويطبقوها في حياتهم اليومية؟

– الشباب هم عماد الأمة. وإذا أردنا تحقيق تغيير حقيقي، فعلينا أن نبدأ بهم. الله تعالى يقول في قصة أصحاب الكهف: “إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى” (الكهف: 13). فالشباب هم الأكثر استعدادًا لتبني الأفكار الجديدة والابتكار في العمل. الاتحاد يعمل على إقامة برامج تدريبية وورش عمل للشباب لتطوير مهاراتهم الفكرية والدينية، وتوجيههم نحو خدمة المجتمع والعمل لصالح الأمة. كما نشجعهم على العمل الجماعي والابتعاد عن السلبية. نحن نحاول أن نغرس فيهم أن الطريق إلى التغيير يبدأ من الذات، وأن الإسلام يطلب منا الإتقان والإحسان في كل عمل نقوم به. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه” (رواه البيهقي).

س: ما هي الرسالة التي تودون توجيهها للمسلمين في كل مكان في هذه الظروف التي نعيشها؟

– رسالتي إلى كل مسلم ومسلمة أن يستمدوا القوة من إيمانهم، وأن يتذكروا أن الله معهم ما داموا متمسكين بحبل الله المتين. الله تعالى يقول: “إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ” (النحل: 128).

علينا أن نكون إيجابيين ونواجه التحديات بروح الأمل والتفاؤل، ونعمل على بناء مستقبل أفضل لنا ولأبنائنا. إن التغيير يبدأ من الداخل، فعلينا أن نسعى لإصلاح أنفسنا وبيوتنا، وأن نتعاون فيما بيننا لتحقيق أهدافنا. كما أنصح المسلمين بالالتزام بالقيم الإسلامية الأصيلة، والعمل على تحسين واقعهم بالعلم والعمل الدؤوب. لا يجب أن ننتظر حلولاً من الآخرين، بل نبدأ بأنفسنا ونبني مجتمعنا على أسس قوية من الإيمان والعمل الصالح.

س: أخيراً، ما هي الخطوات التي يقوم بها الاتحاد لتفعيل هذه الرؤية على أرض الواقع؟

– الاتحاد لديه خطط واستراتيجيات يعمل عليها لتفعيل هذه الرؤية. نحن نسعى لإطلاق مبادرات تدعم الشباب، وتوفر لهم الفرص ليصبحوا قادةً في مجتمعاتهم. لدينا برامج تعليمية تهدف إلى نشر الوعي بقيم العمل والعطاء، وتشجيع التطوع والمشاركة في تنمية المجتمع. كما أننا نقوم بدعم المشاريع الصغيرة التي تساهم في تحسين الوضع الاقتصادي للأسر المسلمة، ونوفر الدعم التعليمي والثقافي للفئات المحتاجة. نعمل أيضًا على توعية المجتمعات حول القضايا الحساسة التي تواجه الأمة، ونقوم بتدريب الأئمة والخطباء على نشر هذا الفكر التقدمي المبني على الأمل والتحدي.  ندعو جميع المسلمين للانضمام إلى هذه الجهود، والعمل يدًا بيد لبناء أمة قوية تستمد قوتها من إيمانها وثقتها بالله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button