دور الثقافة الآن: حلم التغيير والقضاء على التجهيل
من أوجب واجبات الحكم الجديد أن يعيد تثقيف المجتمع ليعود إلى روح العصر بعد محاولات تجهيله

محمود القداح – العربي القديم
إن أي ثورة في أي عصر تتفجر بفعل حدث قد يكون معتادا، لكنه يحدث في لحظة احتقان غير مسبوقة نتيجة تراكمات متتالية، بسبب سياسات خاطئة فجة ومتكررة تسيء لشريحة واسعة من الناس، دون إعارة أي انتباه لمناشدات ودعوات هذه الشريحة لأي شكل من التغيير ينالون من خلاله شيئا من حقوقهم المهدورة، بفعل تغول السلطة أيا يكن شكلها ومسوغاتها وأهدافها .
لكن أهدافها تكون أكثر عمقا بكثير من الأسباب التي حرضت انفجارها فتبدو في ظاهرها كردة فعل على حوادث معينة، لكنها في الحقيقة تكون أكثر شمولا، وحتى تغيير السلطة يصبح مجرد خطوة أولى في مسيرة تغيير جذرية طال انتظارها وحلمت بها أجيال عديدة .
إن الثورة السورية المباركة لم تخرج عن هذا الإطار العام كما هي أية ثورة أخرى قديمة كانت أم حديثة .فقد انطلقت كرد فعل مباشر على اعتقال أطفال وتعذيبهم في درعا بسبب شعارات كتبوها على جدران مدرستهم، ربما لم يدرك البعض منهم معناها بدقة وإنما جاءت في سياق ثورات الربيع العربي التي كانت تجتاح عددا من الدول العربية، ونوعا من التماهي مع شعاراتها التي كان غالبية السوريين يتابعونها دون انقطاع وهم يحلمون بوصولها إليهم بشكل ما.
حدث الانفجار واشتعلت نيران الثورة وخلال زمن قصير جدا كانت قد عمت أرجاء سورية، مما يدل على رغبة وشغف عارمين لدى هؤلاء الأحرار لصنع ثورتهم، تمهيدا لتغيير جذري في بنية السلطة والدولة.
انتهت المرحلة الأولى بنجاح بعد ولادة متعثرة جدا استمرت أربعة عشر عاما رافقها الكثير من المعاناة والألم والدماء والخيبات والخسائر الهائلة التي سيعاني من أثارها الشعب لفترة ليست بالقصيرة .
لا شك أن الشعب الذي صمد طوال تلك السنوات المرعبة قادر على تجاوز نتائجها المدمرة (بفعل البطش والقمع) وإعادة تدوير عجلة النهوض والبناء على أسس صحيحة تضمن له حياة حرة كريمة، كانت قد سلبت منه لعقود بفعل القمع والخوف والتسلط والفساد والإفساد الممنهج والتجهيل الذي كان هدفا بحد ذاته للنظام البائد .
إن من الأسباب الغير مباشرة التي أدت للثورة هي محاولة تغيير البنية الاجتماعية الثقافية للمجتمع السوري من خلال الذراع الإيراني الناعم الذي تحول إلى القتل والإجرام لاحقا في محاولة يائسة لإعادة هيمنته ليكمل ما بدأه منذ فترة بعيدة .
إن من أوجب واجبات الحكم الجديد أن يعيد تثقيف المجتمع ليعود إلى روح العصر بعد محاولات تجهيله وحجبه عن العلم والثقافة في العالم من حوله .
وهذا يتطلب معالجة مشكلة الجيل الذي انقطع عن الدراسة بفعل الحرب وضغط الحاجة أو النزوح واللجوء فهؤلاء الأطفال هم شباب الغد وعلى كاهلهم مسؤولية البناء، وكذلك يتطلب نشر الوعي بأهمية العلم والثقافة من خلال برامج مدروسة (ليس المطلوب فعاليات احتفالية ومهرجانات خطابية) تبرز أهمية الاطلاع على كل ما هو جديد وحتى قديم (لربط الإنسان بماضيه المشرف وثقافته المتميزة يوم ذاك) في مجال الثقافة والأدب والعلوم من خلال القراءة والمطالعة التي يجب أن تصبح واقعا يهم الجميع وتأمين وسائلها في كل مكان يتواجد به المواطن سواء في منزله أو وسيلة تنقله أو في المكتبات العامة و النوادي الثقافية و أن تستبدل (النرجيلة) بالكتاب .
فلا بد لوزارة الثقافة من القيام بدورها لتنشيط حركة ترجمة غير مسبوقة من خلال إدارة خاصة تعنى بهذا الأمر ليطلع المواطن على أحدث العلوم والثقافات بكافة أشكالها وتنوعاتها .
إن الحفاظ على مكتسبات الثورة وشق طريق النهوض المستدام يتطلب نشر العلم والوعي والثقافة كضمانة للاستمرار وعدم النكوص مستقبلا .