هل يتغاضى الشرع عن تسليم الأسد مقابل مصالح مع روسيا؟
تحاول حكومة الشرع كسب الشرعية والأمن والمساعدات من خلال سياسة يغلب عليها الارتباك

كتب المحلل السياسي:
تصريح بدا خارج السياق لوزير الدفاع السوري في الحكومة الانتقالية، مرهف أبو قصرة، قال فيه إن سوريا على استعداد أن تسمح لروسيا بالاحتفاظ بقواعدها الجوية والبحرية على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط.
حديث أبو قصرة في حوار لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية كان أقرب لمساومة لم يوضح تفاصيلها مشترطا أن يكون الاتفاق مع روسيا يعود بما وصفه بـ”الفائدة على سوريا”.
ويتناقض حديث المسؤول في الإدارة السورية الجديدة والقيادي البارز في هيئة تحرير الشام التي سيطرت على الحكم وأسقطت بالتعاون مع فصائل مسلحة أخرى حكم آل الأسد الذي امتد لأكثر من خمسين عاما، مع الشعور السوري العام تجاه روسيا وقواعدها في الساحل السوري، كما يتناقض مع تصريحات هيئة تحرير الشام نفسها عقب دخول دمشق، في حالة من غياب الرؤية تجاه العلاقات مع روسيا.
وقال أبو قصرة إن الموقف الروسي تجاه الحكومة السورية قد “تحسن بشكل كبير” بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وأن دمشق تدرس مطالب موسكو في إطار التطورات الجديدة، مضيفا “في السياسة لا يوجد أعداء دائمون”، ملمحا لتحول في علاقات حكومة الشرع مع موسكو التي كانت من أبرز حلفاء الأسد.
التغاضي عن وضع الأسد
المثير للجدل تغافل وزير دفاع حكومة الشرع عن استضافة موسكو للرئيس الذي حاربته الفصائل الإسلامية المسلحة نحو 14 عاما، رافضا التأكيد على ما إذا كان الرئيس أحمد الشرع، قد طلب تسليم الأسد في لقائه مع المسؤولين الروس في يناير الماضي، مكتفيا بالإشارة إلى أن قضية محاسبة الأسد كانت قد أثيرت خلال الاجتماع.
روسيا من جانبها، لم تعلق على ما إذا كانت قد ناقشت مصير الأسد مع الشرع، لكن نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، أشار في تصريحات سابقة إلى إن “المفاوضات بشأن الوجود العسكري الروسي في سوريا ستستمر”.
ويبقى وضع روسيا في سوريا على ما هو عليه لحين الوصول لاتفاق أو بالأحرى مساومات قد تجري في الغرف المغلقة بين حكومة الشرع “البراغماتية” وموسكو حليفة الأسد في السابق، رغم المزاج العام في سوريا الذي يرى في قواعد روسيا العسكرية في طرطوس وحميميم، امتدادا لحقبة بشار الأسد.
لم تخطئ قافلة من سيارات الدفع الرباعي البيضاء التي أقلت وفدا من الدبلوماسيين الروس، الثلاثاء الماضي، لحضور قمة في دمشق طريقا اعتادت عليه لتقنع الإدارة الجديدة في سوريا للحفاظ على قواعدها العسكرية في سوريا، بعد أقل من شهرين من إطاحة الحركات المسلحة بالرجل القوي المفضل لدى موسكو، بشار الأسد.
ويبقى أمام موسكو التي تقترب من استقطاب الشرع الذي يبدو متمسحا في كل القوى للقبول بقيادة حكومة راديكالية، كسب تأييد الشعب الذي قصفه الجيش الروسي بلا رحمة، لمساعدة الأسد، لسنوات.
المساومات الجيوسياسية
أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني زعيم جبهة النصرة سابقا التي أصبحت لاحقا هيئة تحرير الشام)، والذي نجا من الغارات الجوية الروسية على مدى عقد من الزمن وقف في القصر الرئاسي ليصافح مبعوثي الكرملين للحساب الذي طال انتظاره، فهل يستطيع مواجهة الشعب السوري بتحالف جديد مع حليف بشار الأسد.
المحادثات الأخيرة بين موسكو ودمشق وهي الأولى منذ نهاية الحرب، انتهت دون حل، لكنها مثلت بداية مفاوضات طويلة محتملة حول الدور الذي ستلعبه روسيا، في سوريا ما بعد الحرب، بعد أن خسرت محاولتها لإبقاء الأسد في السلطة.
وأظهر الاجتماع ذلك النوع من المساومات الجيوسياسية الذي تحاول فيه حكومة الشرع كسب الشرعية والأمن والمساعدات من خلال سياسة يغلب عليها الارتباك ومخالفة الأيدلوجية التي تأسست عليها الحركات الأصولية وبينها هيئة تحرير الشام نفسها.
ويقول تشارلز ليستر، وهو زميل بارز في معهد الشرق الأوسط في واشنطن لصحيفة نيويورك تايمز “إن خفض التصعيد والبراغماتية هما أساس اللعبة حاليا”.