فنون وآداب

مسلسل الصديقات... القطط: تمصير الدراما السورية ونقل الكباريه إلى البيت السوري

العربي القديم- أحمد صلال

عند بدء الاحتجاجات المناهضة للنظام في سوريا عام 2011، هلل الصحافيون بميلاد جيل جديد من الفنانين النشطاء وبأشكال معارضتهم الإبداعية؛ حيث انهار جدار الخوف الذي حد من التعبير الفني لمدة طويلة. ولكن مثلما يعرف القاصي قبل الداني، فإن الفنانين الشباب الذين وقفوا مع الثورة، كان نصيبهم الموت أو الاعتقال أو المنفى، وهناك من أختار أن يقف إلى جانب النظام مدافعاً عن جرائمه بحق السوريين، مبجلا لاستبداده ومظالمه. وهلؤلاء هم الأكثرية الساحقة من الفنانين، الذين سيغرقون شهر رمضان الفضيل كل عام بمناظر نساء فعلت عمليات التجميل القبيحة والمثيرة للاشميزاز فعلها في وجوههم، يرتدون ملابس تظهر أكثر مما تخفي، ولا يتوانون عن تقديم مشاهد حميمية مفرطة جنسياً تصل إلى حد الإثارة النشاز في شهر لا يحتمل هذه الأجواء،  ويرتعن في أعمال شيطنة المجتمع والأكشن والمخدرات، وقبل هذا وذاك تلميع لصورة نظام  قتل أكثر من مليون سوري، واعتقل وغيب أكثر من نصف مليون واستخدم الأسلحة المشروعة وغير المشروعة لإبادة شعبه، مسلسل  “الصديقات-القطط” سيناريو وحوار أحمد السيد بمشاركة جودت بيك وإخراج محمد زهير رجب.. مثال نموذجي يجسد كل خطايا هذه الدراما التي باتت ساقطة فنيا وقيميا وإجتماعياً

راقصات في كباريه يستغرق المسلسل في تتبع وقائع حياتهن الفاضلة، محاولا أن يظهر زيف المجتمع السوري المعاصر وتهتكه، فيغرق في استمراء المجون وتسويقه. ضمن هذه الثنائية مثلما تفترض الحوار والسيناريو والحبكة والصورة وحركة الكاميرا وأداء الممثلين، يفترض كل ذلك ثنائية الخير والشر، حيث تظهر الصورة السوداء بما يتحلين به من شهامة وأخلاق وكرامة، بالمقابل من يبقى بالخلفية بلا أخلاق وكرامة وشهامة؛ يظهر العمل الكثير من الترهيب والعنف الدرامي، الكثير الكثير من”الأكشن” بينما ما يفترضه النص المفقود، بقاء نقاء المجتمع السوري الناعم غائب عن الصورة!

لا يمكن أن تغفر الثقافة الاجتماعية الدمشقية النظيفة هذا التشويه وخاصةً في شهر فضيل؛ تخيل أيها المشاهد العزيز أن نصف الكوادر البصرية صورت بين ناد للرقص وكباريه للخلاعة، وأجواء حمراء للكاس والطاس وهز البطون والأرداف، وشيطنة أخلاقية تحوز على الباقي. إذاً أين الحكاية!؟ ..الحكاية هي فقط تلميع لصورة النظام الخير الذي يقود وحوش مجتمع متهتك، بينما هو الحمل الوديع.

فشل المسلسل في تصوير شخصيات تصلح أن تكون”سوبر ومان” أو”سوبر مان”سوري أو “روبن هود” مستعار،  أو بطل شعبي أصيل من أبطال كاتبنا العالمي نجيب محفوظ، حيث بقيت المعالجة الفنية والدرامية غائبة تماماً مثلها تبقى غائبة هي الأخرى الصور الذهنية للشخصيات لا سيما عند تناول شخصيات ذات حساسية من القاع إلى الهرم، وهنا يفشل العمل في التنقل بين عوالم مختلفة في ثلاثة مسارات بين الماضي والحاضر ومساحة الاشتباك الدرامي المشتركة مع المسارات، والتنقل بين عالم الفضيلة والرذيلة جاء على استحياء مقصود بدوره؛ باستخدام المنهج الوصفي التحليلي لفهم ونقد واقع هذا العمل الغبي فنياً، والذي يحاول تسفيه وتعهير وشيطنة للصورة الاجتماعية السورية المعاصرة.

هذا العمل يطرح الكثير من الأسئلة التي سأحاول الإجابة عليها سريعاً، والتي فرضت نفسها بعد الثورة السورية.

السؤال الأول الهوية والتي يحاول العمل من خلالها قتل البطولة التراجيدية النبيلة التي أبداها المجتمع السوري خلال ثورته الباهظة الثمن، ثم حدود العلاقة بين”أنا الموالي” و”أنا المعارض” والعلاقة الجدلية بينهما، ومدى حدود هذه العلاقة وحتميتها دون هيمنة أو سيطرة.

والسؤال الثاني محاولة تصحيح بعض المفاهيم النقدية؛ علونة المجتمع السوري بالدمج بين فضاء الكباريه الصناعة العلوية البحتة ومحاولة تصويره على أنه جزء من ثقافة أصيلة دمشقية، بينما هي ثقافة دخيلة.

أما السؤال الثالث؛ التحولات التي طرأت على النص الدرامي السوري، الذي يحاول أن يرقص على إيقاع “المصرنة” أو “التمصير”  أن يستعير مفردات ولوازم الدراما المصرية، عبر تطبيق أعمال بنسخ أسوء من الأصل ولكتاب في الظل لا يمكن أن تخطئ العين عدم عبقريتهم وإبداعهم.

في (الصديقات) أخيراً لن تعدموا ممثلات من وزن صفاء سلطان وسوزان نجم الدين ونظلي الرواس وإمارات رزق… خلطة من الافتعال والاستعراض والشطط الدرامي في الأداء، تناسب أجواء الكباريه المفتوح هذا بإدارة منتج جاهل أمي بسوية محمد قبنض. أما الغريب في كل هذا السيرك المبتذل فهو وجود ممثلة حقيقية بحجم صباح الجزائري مع كل هذا الرعاع الفني المثير للغثيان!

زر الذهاب إلى الأعلى