الدين لله والوطن للجميع: بين الشعار والتحدّي في سوريا ما بعد الأسد
ليست (الدين لله والوطن للجميع) مجرّد ترف ثقافي. إنها خطّ الدفاع الأخير أمام الانهيار الأخلاقي والسياسي الكامل

لارا المحمد – العربي القديم
مع سقوط نظام الأسد تفتح سوريا صفحة جديدة من تاريخها لكنها صفحة مشوّشة، متنازعة على العنوان، متضادة في الرؤية. وبين من يريد إعادة بناء الدولة على أسس المواطنة والعدالة، ومن يُحاول فرض وصايته الدينية أو الطائفية أو الأيديولوجية، تبرز من جديد عبارة (الدين لله والوطن للجميع) ليس كشعار رومانسي قديم، بل كضرورة أخلاقية وسياسية للنجاة.
ما الذي تعنيه هذه العبارة اليوم؟
في جوهرها تنبع هذه العبارة من إيمان بأنّ الدين شأن شخصي بين الإنسان وربه، بينما الوطن هو مجال العيش المشترك، حيث لا تمييز على أساس العقيدة أو الطائفة أو الأصل. إنها دعوة لحياد الدولة تجاه المعتقد، لا لحياد الأفراد عن إيمانهم. في بلد مثل سوريا حيث تعايشت طوائف ومذاهب وإثنيات لقرون، تُصبح هذه القاعدة شرطاً من شروط البقاء وليسَ رفاهاً فكرياً. لكن بعد سقوط الأسد ووسط فراغ السلطة ظهرت دعوات تطالب بالشرعية الدينية بدلاً من الشرعية الوطنية، وبفرض نمط واحد بدلاً من فسيفساء المعتقدات. لم تُخَض المعركة فقد ضد الاستبداد السياسي، بل باتت مهدد بأن تُستبدل باستبداد آخر يرتدي عباءة الدين.
وهذه العبارة، (الدين لله والوطن للجميع) تُرفع اليوم:
- في وجه من يحاولون احتكار الثورة باسم الله، أو باسم طائفة، وكأنّ النصر لا يكتمل إلا بتطهير الآخرين من الفضاء العام.
- في وجه خطاب الثأر الذي يستدعي المظلومية الطائفية لتبرير مشاريع عزل وتهميش، كأنّ سوريا يجب أن تُبنى كتعويض عن وجعٍ ماضٍ، لا كحقّ مُستحق لجميع أبنائها.
- وفي وجه القوى الإقليمية التي تحاول أن تُلبس السوريين هويات سياسية مستوردة باسم المذهب أو الولاء، على حساب حلم دولة المواطنة.
بين الخطر والفرصة
اليوم تواجه سوريا مفترق طرف حاسم، فإما أن تنجرف نحو سوريا الطوائف حيث الدين يُستخدم للفرز والتمييز والاستبعاد، أو تعود إلى سوريا التعدد والتنوع جيثُ يُفصَل بين الدين كمصدر إلهام فردي، والوطن كحاضنة للكرامة والمساواة.
والتحدي لا يكمن فقط في الخطاب بل في السياسات، في القوانين التي تساوي بين المواطنين دون النظر إلى دينهم أو أصلهم، وفي المنابر الإعلامية والتعليمية التي تربي على قبول الآخر، وفي إصلاح المؤسسات الدينية كي لا تُستخدَم كأداة تسويغ سياسي، وفي مراجعة خطاب الثورة نفسه، ليعيد الاعتبار لقيم الحرية والمواطنة.
ليست (الدين لله والوطن للجميع) مجرّد ترف ثقافي. إنها خطّ الدفاع الأخير أمام الانهيار الأخلاقي والسياسي الكامل. إنها معركة من نوع مختلف، تُخاض بالكلمة والموقف لا بالسلاح. معركة لا تنتهي بانتصار طرف، بل تبدأ حين يفهم الدميع أنّ الوطن لا يُبنى بمنطق الغلبة، بل بمنطق المشاركة.
ربما سقط الطاغية، لكنّ الطغيان لم يسقط بعد، ولن يسقط ما لم نؤمن أنّ الدين لا يمنحنا الأفضلية في هذا الوطن، بل يجعلنا أكثر تواضعاً وعدلاً، فالدين لله، نعم. لكن الوطن سيبقى لنا جميعاً أو لن يكون.