العقل والضمير في مواجهة الطائفية ومطالبات العفو العام
نسي السوريون أو تناسوا جرائمكم وخطاباتكم المقيتة من أجل بلدٍ يضع الإنسان أولاً
بلال الخلف – العربي القديم
الحديث بالطائفية مقيت، والحديث بالتحزبات أكثر مقتاً، ولكنهما واقعٌ يُفرض علينا أحياناً من قِبَل بعض محدودي الفهم والعقل، ممن يتحدثون باسم طائفة معينة، وينسون أو يتناسون حجم الجرائم المرتكبة بحق الشعب السوري بأكمله. جرائم ارتكبها أفرادٌ اختبأوا خلف عباءة الطائفة نفسها التي استغلها نظام الأسد الأب والابن كدريئة يحتمي بها، وكممسحة تُلقي عليها جميع الآثام والأوساخ.
اليوم، يطل علينا بعضهم بخطاب استعلائي مريض، يطالب بالعفو العام. عفو عن مَن؟ عن المجندين والأشخاص العاديين؟ قد يكون هذا مقبولًا ضمن سياق العدالة الانتقالية، ولكن أن يشمل العفو كبار قادة الإجرام وجزارين أيديهم ملطخة بدماء الأبرياء، فهذا أمر معيب ويُصادم كل مبادئ العدالة والكرامة الإنسانية.
وفي وقت آخر، يثور الغضب لحرق مقام ديني، وهو أمر مرفوض ومدان من قِبلنا جميعًا، ولكن أين كان هذا الغضب عندما أُحرقت آلاف الجثث في صيدنايا، وعندما سُحقت الأرواح تحت براميل الموت وحمم الطائرات؟ كيف تُنتقى الأولويات بهذا الشكل المخزي؟ إن احترام الرموز والمعتقدات الدينية واجبٌ أخلاقيٌ وإنساني، لكن احترام الإنسان وكرامته أولى وأقدس.
ثم يطل علينا من يَفترض أنه رجل دين، وهو في الحقيقة عقيد فاسد، مطالباً بحماية فرنسية له و”لطائفته”. أليست هذه أكبر خيانة للوطن والدولة؟ كيف يمكن لمن يدعي تمثيل طائفة بأكملها أن ينحدر إلى هذا المستوى من الارتهان للخارج؟
رسالة إلى من يهمه الأمر
إلى من يتحدثون باسم الطائفة العلوية ويتمادون في خطابهم الطائفي والاستعلائي:
احترموا مشاعر السوريين، هؤلاء الذين داست أقدامهم على جراحهم في سبيل بناء وطن يتسع للجميع. نسوا أو تناسوا جرائمكم وخطاباتكم المقيتة من أجل بلدٍ يضع الإنسان أولًا. السوريون، والثوار تحديدًا، أظهروا أقصى درجات ضبط النفس واحترامكم واحترام معتقداتكم، رغم التاريخ المثقل بالدماء والجرائم.
أين حياؤكم أمام كَرَم الثورة وأخلاقها؟ أين ضمائركم أمام معاملة الثوار التي لم تُميز بين طائفة وأخرى؟
لن نقول إنكم جميعاً مذنبون، ففيكم أصدقاء وعقلاء وعوام لا دخل لهم بكل هذا. ولكن هذا الخطاب موجه لمن يدركون تمامًا أنهم المعنيون به.
يا من تستمرون في إذكاء نار الفتنة والتقسيم، اعلموا أن السوريين قد تجاوزوا هذا المنحدر الأخلاقي بوعيهم وإرادتهم لبناء وطنٍ لا مكان فيه للطائفية ولا للتحزبات. فإما أن تلتحقوا بركب الوطن الجامع، أو تظلوا غارقين في ظلام خطابكم العقيم.