الشماتة بمقتل حسن نصر الله: كيف يتحول الموت إلى رمز للعدل
نوار الماغوط- العربي القديم
عندما كنت طالباً في المرحلة الابتدائية، كانت معلمتي تعلم أنني من بلدة سلمية، وأنني أنتمي إلى عائلة ترفض السلطة. كانت تُظهر تحاملها عليّ بشكل واضح؛ فعندما كنت أعجز عن الإجابة عن أسئلتها، كانت تضربني. أما حين أرفع يدي للإجابة، كانت تنظر إليّ بطرف عينها مليئة بالاستهزاء والتعالي، وتقول بلهجة حادة: “إذا كنت تعرف، هناك من لا يعرف!”
منذ ذلك الحين، بدأت أدعو عليها بالموت، وأتمنى أن تصاب بمرض لا شفاء منه.
فكيف سيكون الأمر إذا كانوا قد قتلوا أهلك وأبناءك؟
من الصعب أن ننكر تأثير تجارب الطفولة في تشكيل مشاعرنا ومواقفنا تجاه الظلم والعدالة. تلك التجارب التي تبدو بسيطة قد تترك أثرًا عميقًا في نفوسنا، مثلما هو الحال في قصة الطفل الذي كان يتعرض للإذلال والتمييز من قبل معلمته في المدرسة. هذا الطفل،، تعرض للإهانة لأنه كان يمثل عائلة مغايرة للأغلبية . هذه التجربة لم تزرع في نفسه فقط شعورًا شخصيًا بالظلم، بل شعورًا أكبر بالاضطهاد الذي ينجم عن الانتماء لهوية أو خلفية معينة.
مثل هذه التجارب تشكل الأساس لفهم المشاعر التي يحملها الناس تجاه شخصيات قد يكون لها دور بارز في حياتهم السياسية والاجتماعية. وعندما نتحدث عن شخصية مثل حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، نجد أن مواقفه ودوره في العديد من النزاعات والحروب قد خلق لديه أعداء كثيرين، كما أن له أتباعًا ومؤيدين. بالنسبة للبعض، يُعتبر نصر الله قائدًا للمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، بينما يعتبره آخرون مسؤولًا عن مآسي الحروب والنزاعات التي أدت إلى تدمير حياتهم ومجتمعاتهم.
عندما انتشرت شائعات عن مقتل حسن نصر الله أو تعرضه لمحاولة اغتيال، وبعدها تأكيد مقتله , ظهرت مشاعر مختلفة بين الناس. البعض عبر عن حزنه وخوفه من فقدان “رمز المقاومة”، في حين عبّر آخرون عن ارتياحهم أو حتى شماتتهم. الشماتة بموت شخص ما ليست بالأمر الجديد في العالم، وهي تنبع غالبًا من مشاعر الظلم والغضب المتراكم عبر الزمن.
من وجهة نظر الذين فقدوا أحباءهم أو تضرروا من السياسات التي كان نصر الله جزءًا منها، قد تبدو الشماتة بمقتله مبررة. فهؤلاء يرون فيه رمزًا للمعاناة والظلم. قد يشعرون أن موته هو بمثابة عدالة إلهية أو نهاية لعهد من القمع والتدمير الذي عاشوه. في هذه الحالة، الشماتة ليست مجرد مشاعر حقد فردية، بل هي تعبير عن تجربة جماعية من الألم والاضطهاد. قد يعتقد البعض أن موته يخفف قليلًا من ذلك الألم، رغم أنه لن يعيد من فقدوا أو يصلح ما تم تدميره.
في مواجهة مثل هذه المشاعر، يبرز التساؤل: هل يمكن أن يكون التسامح هو الحل؟ في الثقافة الإنسانية والدينية، يُعتبر التسامح فضيلة عظيمة. التسامح يحرر النفس من عبء الحقد والانتقام، ويتيح المجال للمضي قدمًا في الحياة. لكن عندما يتعلق الأمر بظلم عميق مثل فقدان الأحبة أو تدمير الوطن، يصبح التسامح أصعب وأكثر تعقيدًا.
البعض يرون أن التسامح في مثل هذه الظروف هو ضعف أو حتى خيانة لذكريات الضحايا. قد يُنظر إلى الشخص الذي يغفر لمن قتل أحبائه أو دمر حياته على أنه “نذل وليس كريمًا”. هذا الاعتقاد ينبع من فكرة أن التسامح هنا يُفهم على أنه تقبل للظلم، أو تجاهل لحقوق الضحايا الذين عانوا من القتل والتهجير. فكيف يمكن للإنسان أن يغفر لمن تسبب في هذا القدر من المعاناة؟
في المجتمعات التي تعاني من صراعات سياسية أو حروب مستمرة، يصبح التسامح خيارًا صعبًا. كيف يمكن أن نطلب من أم فقدت ابنها في الحرب أن تسامح من تراه مسؤولًا عن هذه الخسارة؟ كيف يمكن لشخص فقد منزله وعائلته أن يتجاوز مشاعر الانتقام أو الشماتة بموت من يراه سببًا في معاناته؟
في الحقيقة يصعب على الأفراد أو المجتمعات تجاوز مشاعرهم المؤلمة والانتقال إلى مرحلة التسامح، خاصة عندما تكون الجروح ما زالت حديثة والآثار ما زالت قائمة. في هذه الحالات، قد تبدو الشماتة أو الانتقام هو الطريق الوحيد المتاح أمامهم للتعبير عن الغضب والمرارة.