السوريون الشنتر حفيك: معاناتنا التاريخية منذ انقلاب البعث
محمد زاهر حمودة- العربي القديم
إنه لحديث ذو شجون أن تتكلم عن العورات ومقدار قبحها في أي مجتمع، فكيف وأنت تتحدث عن مجتمعك أنت؟!
بدأت حكاية أحزاننا منذ أن نجح انقلاب البعث المسمى بثورة الثامن من آذار، فهل كان بالفعل ثورة؟! بالنسبة لنا نحن كنوع بشري سوري ذي سلوك حضاري، فقد خسرنا الكثير ولم نربح شيئاً من هذه الثورة، إذاً فالجواب لا، أما بالنسبة للنوع البشري السوري الآخر فالجواب نعم، لقد كان ذاك الانقلاب ثورةً حقيقيةً وفقاً لمصالحهم، لماذا أصفهم بالنوع البشري الآخر؟! سأجيبكم.
سنذهب إلى روسيا قبل قرن، عندما وصل الثوار البلشفيك إلى الحكم في روسيا وثبتوا أقدامهم، أراد الكثير من الحالمين والحاقدين في سورية تكرار التجربة التي تناهى إليهم خبرها وقرؤوا عنها شيئاً مما كُتب بعدما نجحت، وبالطبع فإن المنتصرين هم من يكتبون روايتهم، لم يكترث أحدٌ من هؤلاء.. الكثير، لخبر من هُزم في مقاومتها بعد حرب أهلية قتل فيها ستالين نحو عشرين مليون روسي، نتيجة لذلك، تقمص كثيرون من أبناء الطبقات الدنيا حالة البلشفي المنتقم، وتخيلوا أنفسهم أنهم هم من سيكونون غداً بلاشفة سورية الظافرين، لكن ذلك الطموح لم يكن مقتصراً فقط على أبناء الطبقات المحرومة والفقيرة مادياً دون أن تكون فقيرةً معنوياً، بل تعداه إلى كل أبناء الحثالات والمنحطين، من عديمي التربية حتى بحدها الأدنى، الذين يُطلق عليهم المجتمع السوري تسميات من أكثرها شيوعاً.. (الشنتر حفانا)، وبدمج التسمية السورية مع تسمية (بلشفيك) الروسية، سأسمي تلك الحثالات المتوثبة لاحتلال السلطة ب.. (الشنتر حفيك السوري).
القرباطية كثقافة وسلوك
يعد القرباط أهم رمزٍ لرفض التمدن والإصرار على الحياة البدائية البربرية، لكن مشكلة المجتمعات الحقيقية تكمن في القرباطية كثقافة وسلوك وليست في عرق أولئك القوم، قد نجد الذهنية القرباطية في كل الجغرافيات، في القرى وفي المدن، لا يخلو أي تجمع سكاني من وجود نسبي لأصحاب تلك العقلية.
أما في بلادي، فقد كان ينمو الشنتر حفيك السوري تدريجياً مع الانقلابات العسكرية، وربما كان ينكفئ قليلاً عندما كان جنرالات الانقلابات يتراجعون خطوة للوراء لصالح الاستقرار السياسي والحفاظ على مدنية الدولة، لكن وتدريجياً، تكرست هيمنة هذا الفريق في الجيش والمخابرات بعد استباب الهيمنة المادية لحكم الانقلاب البعثي، ثم البعثي الأسدي، فعسكرة الحياة السياسية هي بيئته المفضلة، لأنه في زمن الاستقرار والسلم الأهلي يكون مقيدَ الحركة، في بداية قرننا العشرين الحزين، مررنا بحقبة السفر برليك عندما كنا جزءاً من الدولة العثمانية المتهالكة، وقمنا بثورتنا العربية الكبرى على تلك الدولة ولم نكن نعلم ما ينتظرنا بعدها، دعمها الإنكليز وتوكل الإشراف عليها الضابط العسكري ورجل المخابرات البريطانية المستر توماس إدوارد لورنس، أسموه لورنس العرب، ولا أدري هل كان وقتها لورانساً للعرب الأخلاقيين؟! أم لورنساً للحثالات والمغفلين فقط؟! ثم جاء الاستعمار الفرنسي وأنشأ دويلات طائفية لديها جيوشها، فهل كانت جيوشاً طائفية ووطنية في آن؟! أم أن أكثر عناصرها كانوا حثالات، أعداءً للوطنية السورية؟!
بعد أن قام بثورته البعثية، فر الشنتر حفيك من مهمة مواجهة إسرائيل، وباع الجولان ورضي ببقاء الاحتلال وقبض الثمن، فضمن حكم سورية ودخل لبنان، لماذا؟!، لأن معركة الشنتر حفيك هي دائماً مع الداخل و الجار القريب وليست أبداً مع أي خارج، معركته مع ابن بلده الذي يتكلم نفس لغته وليست مع الأجنبي، يريد الشنتر حفيك كسب المال، حسناً، في نظرنا نحن، هنالك طرق عديدة مشروعة لكسب المال، لكنه وبحسب ثقافته هو، لا يريد كسب ماله إلا بالطرق المنحطة وغير الأخلاقية، حتى بعد أن صارت السلطة تحت قدميه، بقيت الرشوة ألذ من الراتب، برغم أن البرلمان وكل تشريعاته تحت أمره، ويستطيع أن يرفع قيمة الراتب للرقم الذي يريد، والبنك المركزي تحت أمره، والنفط والموانئ كذلك، إلا أنه كان يحب السرقة أكثر، ويعشق التهريب أكثر من التجارة النظامية، وهو ما تكرس له بعد دخوله لبنان، في لبنان فتحت له طاقة القدر.
ثقافة الشنتر حفيك الاقتصادية
حثالات نهمة ومتوحشة وجدت الفرصة لإنفاذ وحشيتها، خائناً وجد الفرصة لإثبات خيانته ومحاربة الفلسطينيين، متعجرفاً وجد الفرصة لإظهار عجرفته، قاطع طريق منذ الأزل وجد الفرصة لإحياء مهنة الأجداد بوضع الحواجز وتقسيم المناطق واحتقار الناس وفرض الأتاوات، وحتى في سورية، لم يكن لديه مصلحة مثلاً بدعم المنتج الوطني على حساب مهرباته، ميدان السجائر مثال واضح، لم تكن تلك النشارة التي كنت تجدها في سيجارة محلية الصنع إلا أمراً مقصوداً لتفضيل الدخان المهرب من طرفه في نهاية المطاف، إنها ثقافة الشنتر حفيك الاقتصادية التي تتعارض مع أي نمو للصناعة الوطنية، وتعادي أي حماية لجيب المستهلك، فذات المصيبة كانت مع المنتجات الإلكترونية المستوردة الرديئة التي تستنزف جيوب المستهلكين المنهكة، أما السيارات فكانت عقدة عقده، لا ينبغي لأحد أن يتنعم ويركب سيارة حديثة سواه، تكفيك السيارة المستعملة أو البيك أب والهونداية، أو الطرطيرة.
ذات مرة طلب صاحب مصنع درويش في حلب رخصة تصنيع سيارة بأربع دواليب، رفضوا طلبه وقالوا له، فقط ثلاثة، التطور ممنوع، أما عن الإنشاءات، فمنذ صغري كان ملفتاً لي صغر بيوت حي الحمدانية في حلب المخصص للموظفين، الغرف صغيرة، السقف أخفض من المعتاد، هل هكذا كان حجمها في المخطط الهندسي؟! كيف تمت الموافقة على هكذا بناء؟! الجواب، لأن هذا هو مستواك لديهم، لا ينبغي لك أن تحظى بأكثر من ذلك المنزل الصغير والضيق حتى تدفع الرشوة المقدسة في عرفهم وحينها ستحصل على منزل في جمعية مبنية بمواصفات جيدة، أقله من حيث المساحة، مع شرط الالتزام الكامل بالتعاون الأمني معهم، يجب أن تكون نذلاً مع أصدقائك وجيرانك مثلهم، ومعروفة قصة الفساد في بناء القصر الرئاسي حتى جاء رفيق الحريري وبناه لهم، ثم قتلوه، فقاموس الشنتر حفيك لا يعرف كلمات الوفاء والامتنان، كاللص قاطع الطريق، يجب إفراغ كل جعبةٍ فيها مال، إن كان رجل أعمال، أو ميزانية دولة، أو جيوب الشعب، النفط منهوبٌ حتماً فلا تسأل عنه.
ضد كل شريعة وقانون
قصص ما أسميناه بالفساد لا تنتهي، لكنه ليس فساداً يا سادة، بالنسبة للشنتر حفيك السوري هذه أصالة وثقافة متوارثة وعقيدة وصلاة، القتل والسرقة والغدر والخطف والتعذيب..، كل ذلك هو دينٌ عندهم، هم ليسوا ضد الإسلام بقرآنه ونبيه كما ظن المتدنيون، هم ضد الإنجيل والتوراة وصحف إبراهيم وضد أفلاطون، وشريعة حمورابي و أورنمو، هم ضد أي إدانة لاعتداءاتهم وضد أي مطالبة بالعقوبة والقصاص، ضد كل من يريد وضع حدٍ لسلوكهم الصميمي السافل، فبالطبع إذاً سيكونون ضد محمدٍ والقرآن، وهل كانوا يوماً مع أي نبي؟!، جند فرعون الذين كانوا يقتلون أبناء بني إسرائيل ويتركون الإناث لتكبر في انتظار الاغتصاب ألم يكونوا من ذات الفصيلة؟! نحن نسميه انحرافاً، هم يرونه صراطاً مستقيماً، لماذا يحقدون على المتحضرين من متعلمين ومبدئيين وناجحين؟!، لأن نمط حياة الشنتر حفيك المقدس هو على النقيض تماماً من نمط حياة الآخرين، ذاك مجتمعٌ يحترم الشخص صاحب المعرفة والسلوك الأخلاقي والناجح في كسب رزقه بالوسيلة الحلال، أما هم، فكل كسبٍ ليس بالحلال.. حلال، وكل حرامٍ حلال، وكل قتلٍ حلال، وكل نهبٍ حلال، وكل خداعٍ حلال، وكل الجرائم حلال، لا تتعجبوا، هذه التي تسمونها جرائم هي جرائم بالنسبة لكم فقط لا غير، أفلا تفهمون؟!.
كنت كثيراً ما أتساءل في صغري.. لماذا لا يجد ماسح الأحذية والشحاذ غير تلك المهن الوضيعة ولماذا يحرص إن كان أباً على نقش تلك الثقافة في رؤوس أبناءه منذ صغرهم؟!، إنه حتى لا يريد أن يصبح ابنه عاملاً يجيد صنع الأحذية، يجب أن يكون فقط وفقط ماسح أحذية، يتربى على تلك الوضاعة، وبالتالي ينمو معه الحقد على كل شيء عندما يكبر، أي أن استدامة هذا النهج وتناقله عبر الأجيال.. أمرٌ متعمد.
مناعة ضد التمدن
في معظم فترات تاريخ سورية لم يكن الفقر والجهل ظرفاً إجبارياً على الناس، فخيرات الطبيعة السورية كانت متاحة لكل زائرٍ ومقيم، فقراء الحضارة السورية كانوا أناساً ذوي دخلٍ محدود، مزارعون وحرفيون، لكنهم برغم فقرهم كانوا ضد اللصوصية والقتل والزنا، ضد الظلم والاعتداء، أما الشنتر حفيك فأصالتهم مختلفة عن تلك الأصالة، لا يتغير شيءٌ من نهجهم المتوارث إن مات الأب وجاء الأبناء، حتى ولو أصبحوا رؤساء، حتى لو تربى أبناؤهم لزمن في القصور الأرستقراطية، وحتى إن ذهب أحد أولئك الأبناء إلى إنكلترا وتعلم لغة الإنكليز الحضارية، وإن جلب زوجةً معه من هناك، من بلاد الجاسوس الراحل لورنس، فسيختارها حتماً مؤيدةً لنهجم النوعي المختلف، نحن المتمدنون فقط من ظننا أنهم قد تمدنوا الآن بعد رحيل جيلٍ ومجيء جيل، وخاب ظننا، لم يتغير سلوكهم بل على العكس، فقد زاد التمادي، لماذا؟!، ربما الجواب عند أسياد لورنس، المستعمر يريد هؤلاء، تماماً كما كان سعيداً بستالين وبلاشفته وهم يقتلون شعب روسيا، وتماماً كما كان فرحاً بأن المافيا الروسية أحفادَ البلاشفةِ أولئك قد أسقطوا أخيراً حزبهم الشيوعي ومؤدلجيه المغفلين واختاروا قائداً جديداً من بيئتهم العميقة، هو الذي كانوا قد نصّبوه رئيس مَحفلهم ووكرهم الأثير، أي رئيساً لجهاز مخابراتهم، ففي ذلك المكان ستعرفهم على حقيقتهم بأوضح ما يمكن لك أن تعرف، تلك القلاع لهم، مباني المخابرات حارتهم، يخرجون منها لينهبوا ويخطفوا ثم يعودون إلى ديار قبيلتهم، هنالك يوجد شورى وتوافق على من سيقود مصالحهم، فاختاروا مجمعين فلاديمير بوتين ليحمي أرزاقهم الدنيئة، جعلوه قيصراً من جديد لأن البلاشفة الثائرين ضد القيصر قد صاروا من بعده كالقياصرة، وعادت سياسات روسية الخارجية إلى زمن القيصرية، حين كانوا متحالفين مع أوروبا الاستعمارية، وصار رجال عصابتهم يأتون بالأموال المنهوبة إلى الملاذات الضريبة الآمنة المخصصة لهم في المملكة البريطانية، فأي سعادة لكي يا إنكلترا بأولئك البلاشفة الروس داعمي الشنتر حفيك السوريين وقد صاهركم خليفتهم الجديد وتزوج ابنةً مواطنةً من ربعكم؟!..
انتهت كذبة الشعارات وصار الحثالات ملوك المليارات، ضاق الناس بهم صبراً بعد صمت طويل، فثاروا، الضد مقابل الضد، لذلك لم تنجح النصائح والوساطات لخليفة الشنتر حفيك الجديد، فالقديم كالجديد لدى هؤلاء، وحليمة عادتها قديمة، ومن غير عادته قلّت سعادته، لذلك، لم يتواطأ الشنتر حفيك إلا مع أبناء جنسهم، تبادلوا تسليم المناطق فيما بينهم، وتنازلوا لهم بحصة من الكعكة، أي، الشنتر حفيك الكردي، والشنتر حفيك السلفي البربري كاره التطور، المتنكر بلحية الإسلام ليبرر السلب والاغتصاب والإعدام، ليس المهم المذهب والعرق يا ناس، المهم في كل الموضوع أن السلوك والثقافة واحدة، هؤلاء فقط من كان ينسحب من أمامهم ليقال أنهم ضده وهو ضدهم، وهاهم ينتصرون عليه، فليس أمامكم أيها المستعمرون القدامى سوى أن تعودوا لدعمه كما دعمتم أبيه ورعيتم خلافته لأبيه، لأنكم مستعمرون سفلة تحبون من يقتل شعبه ويسرق وطنه ليرسل حصةً كبيرةً مما يغنم إلى بنوككم، فكسب بذلك المكر تأييدكم فضلاً عن دعم الحلفاء الأُصلاء له ابتداءً، جاء إمداد القياصرة الجدد أحفاد البلشفيك الستاليني القديم بطائراتهم، وقصفوا، كعادتهم، وكعادة كل المعتدين الأوباش، وقد كان جاء قبلهم وبالتنسيق معهم الحشاشون من قرباط إيران، تجار الأفيون والوهومات والهلاوس الدينية، وأتباعهم من شنتر حفيك لبنان، وشنتر حفيك العراق وباكستان وأفغانستان، وشنتر حفيك فلسطين أيضاً لم يقصروا، فهل فهمتم الآن؟!..
الأَخوَان الإثنان وريثا زعامة الشنتر حفيك السوري الأسدي ذوا مكرٍ عبقري، أما أنتم.. يا من تظنون أنفسكم معارضين، فهذا الائتلاف كثير عليكم، لأنكم لستم ديموقراطيين أساساً، ألستم أنتم من صدقتم ثورة لينين وفتنكم ستالين، ألستم أنتم من تخلّيتم عن شخصيتكم المستقلة لصالح ناصركم وريث النهج الفرعوني بحججه القومجية، وقد كنتم تعلمون أنها محض خدعٍ زائفة ليحتال الشنتر حفيك العسكري المصري ويثبت بها أقدامه فوق رؤوس شعبه الطيب، وقد أفسد ضباط الانفصال عليكم اللعبة، فأصبحتم بعد ذلك معارضين!!، ويا أنصار الشنتر حفيك الإسلاموي، الذي ينفي العدالة وحرية الاعتقاد والشورى عن الإسلام، ليبقى مجرد عبادات وطقوس يحميها نفاقاً خليفةٌ متغلبٌ طاغية، يقتل ويغزو وينهب ويسبي، فلكم أن تكذبوا مدّعين معارضتكم وتبنّيكم لمطالب الشعب السوري الحضارية بالديمقراطية التي لم تؤمنوا بها يوماً، بدون أن يصدقكم أحد سوى أمثالكم طريقة، لكم ائتلافكم، وعليكم وزر ما نهبتموه من اموال المساعدات وغيرها مما قد اُشتريَت بها ضمائركم العفنة، وأما أبا العمشة والجولاني والعبدي، فهم كما قلت وأُعيد.. من أبناء ذات جنس الشنتر حفيك السوري الأسدي، فلا تقلقوا لا عليهم ولا عليه، ولا تستغربوا من أي شيء سيكون لاحقاً بينهم، إن دامت الأيام والسنون لهم..
إن الشنتر حفيك السوري ليس مذهباً لطائفة.. بل ثقافة، وتباً لها من ثقافة.