الولايات المتحدة ودعم الديكتاتوريات: قراءة في الحالة السورية
نظام الأسد الذي ينتمي إلى الطائفة العلوية كان يحظى بدعم واسع من قوى دولية بما في ذلك الولايات المتحدة
رودي حسو- العربي القديم
على مرّ السنوات، أظهرت السياسة الدولية خاصة الأمريكية، نمطًا مكررًا من الدعم غير المعلن للأنظمة الديكتاتورية التي تنتمي إلى أقلية عرقية أو دينية، تحت ذريعة الحفاظ على الاستقرار أو مكافحة الإرهاب. هذه الأنظمة غالبًا ما تكون فاسدة، وتقمع شعوبها بشكل وحشي، وتعمل على تهديد حقوق الإنسان في بلدانها. لكن، ما يثير القلق هو أن هذه الأنظمة تتلقى الدعم من القوى الكبرى لفترات طويلة، وفي الوقت ذاته تُترك لتغرق في الفوضى بعد تفاقم الأزمات، لتظهر القوى الدولية في اللحظة الأخيرة في محاولة لتغيير الوضع، فيسود الفوضى ويستمر الانحدار دون أي تقدم حقيقي.
استراتيجية القوى الكبرى
لطالما كان للمجتمع الدولي دور كبير في تمكين الأنظمة الديكتاتورية التي تشكل الأقلية الدينية أو العرقية في دولها، وذلك من خلال دعم هذه الأنظمة عسكريًا وماليًا. الولايات المتحدة، على سبيل المثال، دعمت أنظمة في المنطقة كانت تديرها أقلية دينية أو عرقية لأسباب استراتيجية، منها الحفاظ على مصالحها في المنطقة أو في إطار مواجهة خصوم سياسيين مثل الاتحاد السوفيتي سابقًا أو الجماعات الإرهابية. ولكن، هذا الدعم كان غالبًا ما يأتي على حساب حقوق الإنسان، حيث يتم غض النظر عن الانتهاكات التي ترتكبها هذه الأنظمة ضد شعوبها.
في حالة سوريا، على سبيل المثال، نظام الأسد الذي ينتمي إلى الطائفة العلوية كان يحظى بدعم واسع من قوى دولية بما في ذلك الولايات المتحدة ودول أوروبية في فترات معينة. هذه الأنظمة كانت ترى في الأسد حليفاً قوياً في مواجهة القوى الإسلامية المتشددة التي بدأت بالظهور في المنطقة بعد موجة “الربيع العربي” في 2011. ولكن هذا الدعم لم يكن خاليًا من التكلفة، فقد قام النظام السوري بتطوير أجهزة أمنية وقوات عسكرية تُشرف على قمع أي معارضة داخليّة من خلال عنف غير محدود.
تخلّي المجتمع الدولي في لحظات حرجة
مع تطور الأزمة السورية، كان هناك تردد كبير من قبل المجتمع الدولي في اتخاذ خطوات حاسمة لحل الصراع. بعد أن تحولت سوريا إلى ساحة حرب أهلية شاملة في 2011، وبعد أن بدأ النظام في ارتكاب جرائم حرب تشمل القصف العشوائي، الاعتقالات التعسفية، واستخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين، لم يتدخل المجتمع الدولي بشكل حاسم. بل كان الدعم يذهب إلى الأطراف المتنازعة في المنطقة، بحيث تم تمويل مجموعات معينة، مثل “المعارضة المعتدلة” أو جماعات كردية، بينما يتم إغفال مسألة حقوق الإنسان في مناطق النظام.
وبعدما وصلت الأمور إلى ذروتها، كان التدخل الدولي قد جاء متأخرًا، مما أدى إلى انتشار الفوضى بشكل أكبر في سوريا. التدخلات العسكرية لم تكن تهدف إلى بناء استقرار حقيقي، بل تمثل في دعم أطراف بعينها، مثل الدعم الأمريكي للمجموعات الكردية، وهو ما زاد من الانقسامات في البلاد وأدى إلى المزيد من التوترات الإقليمية.
الانتهاكات مستمرة
النظام السوري، الذي كان يقوده حافظ الأسد ومن بعده ابنه بشار وريثاً لأبيه بالقوة لا بإرادة الشعب، اعتمد بشكل رئيسي على الطائفة العلوية لحكم البلاد، مما ساعد في تعميق الانقسامات الطائفية في المجتمع. ولكن، مع بداية الثورة السورية واحتجاجات الشعب ضد النظام، بدأت بعض الأطراف التي تنتمي للأكثرية السنية في لعب دور أكبر في الصراع، ما أسفر عن زيادة العنف الطائفي والمجازر من جميع الأطراف.
ما حدث في سوريا هو انتقال من حكم الأقلية العلوية إلى سيطرة القوى السنية المعارضة في بعض المناطق. ومع هذا التغيير، تحوّل العنف والانتهاكات إلى نهج مُعتمد من قبل كل الأطراف، بحيث أصبحت المعركة تتركز حول الهيمنة على السلطة وليس بناء دولة ديمقراطية تحترم حقوق جميع الطوائف. بينما كان النظام العلوي يمارس القمع الشديد ضد أي معارضة سياسية، أصبح اليوم كثير من الفصائل السنية المعارضة تمارس انتهاكات مماثلة ضد أعدائها، سواء كانوا من الأقليات أو من أبناء الطائفة العلوية أنفسهم.
تدخّل النظام في الجيش والمؤسسة العسكرية
في تاريخ سوريا الحديث، كانت هناك العديد من الأمثلة على كيفية استغلال النظام للأقليات في قوات الجيش والأجهزة الأمنية لضمان السيطرة. على سبيل المثال، كانت الطائفة العلوية تمثل غالبية في صفوف الجيش السوري، وخاصة في المناصب الحساسة مثل جهاز المخابرات. حيث كانت العائلة الحاكمة، عبر عدة عقود، تضع الأشخاص الموثوقين من الطائفة العلوية في المناصب العليا لضمان ولائهم وحمايتهم للنظام. هذا النظام الأمني المُعتمد على الولاء الشخصي وليس على الكفاءة، ساهم في تعزيز فكرة الحكم الاستبدادي وحكم الحزب الواحد، مما جعل من المستحيل إقامة دولة ديمقراطية حقيقية في سوريا.
الفوضى دون تقدم
إن ما يحدث في سوريا ليس سوى نموذج آخر من نماذج السياسة الدولية المضللة، التي تساهم في دعم الأنظمة الاستبدادية ثم تترك شعوبها تغرق في الفوضى. الدول الكبرى تدعم الأنظمة القمعية في بدايات الأزمات، ثم تتدخل في وقت متأخر بما يضمن استمرار النزاع، دون أي أمل حقيقي في تحقيق الاستقرار أو الازدهار. في النهاية، يبقى المواطن السوري ضحية لهذه السياسات، حيث تغرق بلاده في دوامة من العنف والفوضى، دون أن تلوح في الأفق أي بوادر حقيقية للتغيير أو التنمية.