العربي القديم يحاور شخصيتين من الحراك المدني في السويداء: الأكراد ليسوا قدوتنا، وحزب اللواء لا يمثل إلا نفسه
العربي القديم- السويداء: خاص
هل تتجه السويداء نحو إدارة حكم ذاتي؟
سؤال بدأ ينتشر، وتروّج له بعض المحطات والمنابر الإعلامية، فيما يدخل الحراك الاحتجاج في السويداء أسبوعه الثالث، فماذا وراء هذا السؤال؟ وهل هناك نية حقيقية لدى السويداء، لإقامة إدارة ذاتية تمهّد للانفصال عن سورية الأم مستقبلاً؟ ومن يقف وراء هذه الأفكار، أو التوجهات، أو الشائعات؟!
أسئلة طرحها موقع (العربي القديم) على اثنين من أبرز المساهمين في الحراك المدني السلمي في السويداء.
- السيد سليمان الكفيري رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان فرع السويداء.
- السيد مروان حمزة الناشط السياسي البارز.
وفيما يلي نص الحوار الكامل معهما.
س: ما حقيقة ما يُقال عن اتجاه السويداء نحو إقامة إدارة ذاتية على الطريقة الكردية في الشمال الشرقي السوري؟
سليمان الكفيري: الحقيقة ما يُقال عن إقامة إدارة ذاتية على الطريقة الكردية في الشمال السوري، لا يوجد لها حامل اجتماعي، وإن كان يروّج لها بعض الأطراف التي لا تتفق مع عموم الحراك بالسويداء، وأعتقد التصريحات التي ظهرت من ساحة الكرامة في السويداء هي أجمل وأبلغ رد على هذه التوجهات التي تدعو للقبول بالأمر الواقع، وتشكيل ما يسمى إدارة ذاتية. يا أخي الكريم أعتقد لا يوجد مقومات مادية لدى السويداء لما يسمى إدارة ذاتية. المسألة فيها صعوبة، بالإضافة لأن السوريين عموماً في الجبل، منذ العمل في الثورة العربية ضد الأتراك، ورفع العلم العربي في المرجة، ثم بيانات قائد الثورة السورية الكبرى، ورفضه لإقامة دولة درزية في الجنوب، كل ذلك يؤكد أن موروثنا الوطني يؤكد بأننا نعمل من أجل سورية واحدة أرضاً وشعباً، ونحن سوريون أولاً، ثم قد نكون دروزاً، أو مسيحيين أو إسلام سنة. الراية التي تجمع الجميع، ويتحرك تحت عباءتها الجميع هي الراية الوطنية الشاملة لكلّ السوريين من الشمال إلى الجنوب، من الغرب حتى حدود العراق شرقاً.
مروان حمزة: السويداء لم تتجه نحو إقامة إدارة ذاتية، شبيهة بتلك التي في شمال شرق سورية، مقومات السويداء ليست مؤهلة لتكون دولة انفصالية معزولة عن سورية الأم. نحن من اليوم الأول لخروج الناس لساحة الكرامة، رفعت شعارات: “هنا السويداء، هنا سوريا” وليس بدولة انفصالية أو هامشية، أو دويلة تنتظر الحسنات من الدول المجاورة أو الصديقة أو الشقيقة. نحن قلنا إن حدود السويداء هي حدود سورية الجغرافية، ولا نقبل بأيّ فكرة للانعزال. هناك بعض الأبواق وبعض المشاريع المموّلة خارجياً، والتي تتحدّث عن توافق تجربة قسد مع السويداء. هذا الأمر لن يحصل في محافظ السويداء.
س: من الذي يروّج هذه الأخبار، أم إنه لا دخان بلا نار؟
سليمان الكفيري: بعض المحطات، وهذا عمل إعلام غير مسؤول، تروج لهذا، مستندة لبعض التصريحات لأشخاص أفراد لا يرتكزون على قوى سياسية، أو اجتماعية، أو مدنية في السويداء، أو ما يسمى (حزب اللواء) هو أيضاً ليس له حامل اجتماعي، هو يمثل أعضاءه فقط. وأعتقد بأن مشروعهم هذا لن ينجح في هذه الظروف الصعبة، لذلك أقول: هناك نعم، هناك دخان، ولكنه خفيف وبطيء لا يفسد الأجواء العامة، وأعتقد أنه بلا نار.
مروان حمزة: هناك بعض الأصوات التي تروّج لهذا الأمر، ومنها (حزب اللواء) وبعض الذين يتعاملون مع قسد، وهم مقتنعون من خلال علاقتهم بقسد، ومن خلال الأموال التي تدفع لإقناع السوريين بالكامل أنّ تجربة قسد كانت ناجحة. هذا الأمر لن، ولم ينجح في المحافظة، الوضع بمنطقة الأكراد غير الوضع بالسويداء. الأكراد لديهم النفط والأرزاق والقمح والأنهار، في السويداء لا يوجد شيء، عندنا قليل من القمح، وشوية تفاح وعنب، لكن هذه لا تعدّ مقومات إنشاء دولة. هذه الأصوات معروفة لدى الشارع بالكامل، والشارع يعرف من يروّجها.
س: فيما لو اتجهت السويداء نحو هذه الخطوة، فهل هناك ضوء أخضر خارجي لدعم هذه التجربة؟
سليمان الكفيري: لن تتجه السويداء نحو هذه الخطوة، وهي ستقاوم كل هذه المشاريع التي تهدف إلى فصل هذه الأيقونة السورية التي هي السويداء، أو جبل العرب عن سورية الأم. وقد يوجد بعض اللاعبين الدوليين الذين يسعون لتنشيط ذلك، لا أريد أن أتحدث بدون مبررات معلومة، لكن في الفضاء السياسي الواسع، قد تجد فيه ألوانا ضبابية لا تخدم المسار الوطني للحراك في السويداء.
مروان حمزة: فيما لو اتجهت لا قدر الله نحو هذا الخيار، لا توجد هناك مؤشرات، ولا ضوء أخضر، ولا غيره لدعم هذا الحيّز المقطوع من سورية الأم. نحن لو قُطع طريق دمشق السويداء، لا أريد أن أقول أسبوعاً، بل يومين، أو ثلاثة، تختنق السويداء، لا يوجد منفذ. وهذا المنفذ الحدودي الذي تطالب به الناس، “والله بنفتحوا مع الأردن”، هذا ليس مزحة. هذا لن يتمّ إلا بتوافق دولي، والأردن لن يقبل، الحدود بيننا وبين الأردن هناك مئة وسيلة منع من أسلاك شائكة، ومراقبة يومية وغيره، رغم ذلك لم يسلم الأردن من مروجي الكبتاغون والمخدرات التي يرسلها النظام دائما، فكيف إذا كان هناك معبر؟! لذلك هذه القصة مرفوضة، ولن يقبل أيّ طرف دولي أو إقليمي بدعم هذه الفكرة.
س: هل هناك قدرة على مواجهة النظام، فيما لو لجأ إلى الخيار العسكري لمواجهة هذه الخطوة، أم إنكم مطمئنون أنه لن يلجأ للقوة معكم مطلقاً؟
سليمان الكفيري: نحن حذرون، ولسنا مطمئنين تماماً، بأنه لن يلجأ للخيار العسكري في مواجهة حراك السويداء، وإن كنا ندرك أنه سيعدّ للعشرة، قبل أن ينشر دباباته، أو يتجه بطائراته وبراميله، لقصف أحياء، وقرى السويداء، لخصوصية أنه يلعب على ورقة غير رابحة، هي ورقة الأقليات، وهذه كشفت زيف هذا النظام الاستبدادي بشكل عام، فنحن سوريون، ولسنا أقليات، لأننا سوريو الهوية، والانتماء أولاً، وآخراً. الحقيقة لا أعتقد أن هناك مواطناً يطمئن لردود فعل الأجهزة الأمنية لهذا النظام المستبد.
مروان حمزة: لسنا مطمئنين من عدم ذهاب النظام إلى الخيار العسكري لمواجهة المنتفضين في ساحة الكرامة. لكن حذرنا أنّ أيّ تصرف جبان من هذا النظام، سيؤدي إلى خراب البلد بشكل كامل، وهذا النظام – يمكن نحنا لنا إلى الآن حوالي العشرين يوماً – لم يستخدم أي أسلوب استفزازي ضد المتظاهرين، وهذا الصمت إن دلّ، فإنما يدل على أن خياراته محدودة، وليس لديه ما يقدمه لهؤلاء الناس لا مادياً، ولا معنوياً، ولا حتى في خيار المواجهة مع هؤلاء.
س: كيف ستواجهون انقطاع الخدمات الرئيسية، أو حالة الحصار التي سيلجأ النظام لتطبيقها ضدكم كبديل للخيار العسكري، فيما لو اتجهتم للإدارة الذاتية؟
سليمان الكفيري: لا أريد أن أستبق الأمور، لأنني أشعر أنه لا يمكن أن ينجح مخطط إدارة ذاتية، أو فصل السويداء عن سورية الأم، وقبل قليل أكدت بأن السويداء لا تملك المقوّمات المادية، لإنشاء إدارة ذاتية، والاعتماد على الذات، فإذا قُطع طريق دمشق السويداء، احتمال كبير أن يجوع أطفالنا ونساؤنا ورجالنا، ولا تصمد البنية الاقتصادية الكافية لحياة كريمة. وهذا قد يلجأ إليه النظام، وبأساليب مختلفة، قد لا يكون هو في الواجهة، قد يعتمد على عصاباته وأزلامه، وفصائله المسلحة سواء كانت داخلية، أو خارجية.
مروان حمزة: إذا أردنا أن نتحدث عن الخدمات، فلا يوجد خدمات بالأساس، الكهرباء تأتي ساعة كلّ أربع، أو خمس ساعات، والمواطن الذي اعتاد هذا التقشف، يستطيع أن يعيش من دونها، ومن دون وقود حتّى. وللأسف الغابات الموجودة في الجبل كلها اُقتلعت، أو تحطبت إما للتجارة، أو التدفئة. الخدمات الأخرى قد يكون هناك نقص بالمواد الأساسية، أو التموينية. الجبل أرضه زراعية، وأهله زرعوا القمح والشعير، وكل المنتوجات الزراعية، لكن كم عدد الأيام التي تحملها؟ لن نقول شهوراً. يمكن يقدر يتحمل، لكن تحمله سيكون محدوداً، إذا اعتبرنا أن المسألة صارت عملية عضّ أصابع بين هذا النظام، وأهالي السويداء.
س: ما إمكانية فتح معبر تجاري مع الأردن، للتخفيف من حرب النظام الاقتصادية عليكم؟ وهل تتوقعون أن يتجاوب الأردن في ذلك؟
سليمان الكفيري: فتح معبر مع الأردن يحتاج إلى توافقات دولية، وسفراء بين سورية كدولة، مازالت تحتفظ بشرعيتها الدولية، وإن كانت هي غير شرعية أمام شعبها، والحكومة الأردنية بشكل عام. هذا الطلب فسّر خطأ، عندما جاء على لسان الشيخ يوسف جربوع، فهو يناشد الدولة – من دولة لدولة – وليس رغبة من الشيخ يوسف، كبديل عن طريق دمشق، على أمل الوصول إلى إدارة ذاتية. السياسيون أحياناً يقطفون الكأس من رأس الماعون، ولا يدركون المعاني الكاملة لكلام الشيخ يوسف، لكن أنا آخذ كلامه على أنه مطلب حق من دولة لدولة، ويحق للسويداء أن يكون لها معبر، وشريان حيوي مع دول الجوار، وهذه مسؤولية الحكومة، لكنه لا يناط بالشعب, أو الجماهير المنتفضة في السويداء أن تفتح معبراً بينها وبين الأردن، أرجو أن يؤخذ الأمر بأن المعبر التجاري مع الأردن يساهم بتخفيف العبء الاقتصادي على السوريين أينما وجدوا، ومنهم سكان جبل العرب. أمّا بالنسبة لتجاوب الأردن، فلا أستطيع أن أقوم بالإجابة نيابة عن الأردنيين أنفسهم، ولكن أعتقد أنه تتحكم بهذه المسألة علاقتهم مع النظام، إن كانت طيبة أملاً، وليس علاقتهم مع جماهير السويداء وجبل العرب.
مروان حمزة: المعبر مع الأردن يستحيل فتحه. لأنه لا يوجد توافق دولي، على أن يُفتح هذا المعبر. الأردن تضرّر كثيراً من الحدود مع السويداء، وهناك معبر (نصيب) في درعا، الذي يستولي عليه النظام، ولهذا فالأردن لن يتجاوب مع هذا الأمر، إلا إذا كان هناك توافق دولي بهذا الخصوص.
س: كيف ترون مستقبل السويداء، حتى زوال هذا النظام، أم تخططون لما بعد رحيله؟!
سليمان الكفيري: مستقبل السويداء سيكون أفضل بزوال هذا النظام، والانتقال إلى تغيير ديمقراطي، لبناء الدولة الوطنية الديمقراطية العلمانية، التي لا تميّز بين مواطنيها لأي سبب كان، وتذوب ضمن هذه الوطنية العليا، كل الإثنيات القومية، والطائفية، والدينية، أما ما بعد رحيله، فأعتقد أنه لا يوجد خيار آخر بين السوريين عموماً، أيا كانت مواقعهم الجغرافية، أو الإثنية، أو القومية، إلا بناء دولة المواطنة، الدولة العلمانية الديمقراطية. إذن مستقبل السويداء مرتبط بمستقبل السوريين عموماً، ومن ينظر إلى مستقبل أيّ محافظة، بمعزل عن مستقبل السوريين عموماً، يكون ضيّق الأفق، ويقتنع في الواقع بالتقسيم.
مروان حمزة: مستقبل السويداء هو مستقبل سورية بالكامل، لا يوجد حلّ منفرد للسويداء فقط. نحن نطالب بحل المسألة السورية بالكامل، إن كان عبر القرارات الدولية 2254، أو المبادرة العربية التي حاولت أن تعيد هذا النظام إلى الحضن العربي، لكنه لم يأبه لذلك، وأدار ظهره لكل المبادرة، وبقي بالحضن الإيراني. الحل في السويداء، وجبل العرب، لن يكون منفرداً، فهو الحل السوري. حلّ الأزمة بدرعا، بحلب، بإدلب، بكل المحافظات السورية. أخوتنا والمشتركون معنا في هذا التراب والهمّ السوري، هم معنيون بحلّ الأزمة السورية بالكامل، ولن تكون إلا بزوال هذا النظام. نريد سورية حرة خارجة من كل الاحتلالات، سورية الوطنية، سورية الديمقراطية والعلمانية، سورية المستقبل، سورية الإنسان، سورية التي تصون حقوق الإنسان في كلّ المجالات. هذا مطلبنا لسورية المستقبل.