العربي الآن

لماذا المملكة العربية السعودية وليست تركيا؟

ملفات تُثقل كاهل تركيا وتجعلها أقل قدرة على التركيز على دعم سوريا بالشكل المطلوب

جميل الشبيب – العربي القديم

المتابع الجيد للوضع السوري، خاصة في السنوات الأخيرة التي سبقت سقوط نظام بشار الأسد، كان يدرك أن تركيا لعبت دورًا محوريًا في المناطق الواقعة تحت سيطرة الثوار السوريين. هذا النفوذ التركي كان واضحًا في جميع مفاصل المشهد العسكري والسياسي والاقتصادي في تلك المناطق. ومع ذلك، كان من الواضح أيضًا أن تركيا كانت على وشك إتمام صفقة تقارب مع النظام السوري، وهي صفقة كان النظام سيستفيد منها بشكل كبير لاستعادة السيطرة على ما تبقى من المناطق الخارجة عن نفوذه في ريف حلب الشمالي وإدلب. لولا ان النظام السوري تعنت ورفض المبادرات التي كانت تقدم له من تركيا او روسيا من اجل إتمام صفقة التطبيع بين البلديين.

ومع سقوط النظام السوري وهروب بشار الأسد، تغيرت المعادلة الإقليمية بشكل مفاجئ. كانت التوقعات تشير إلى أن تركيا ستكون الشريك الأول والأبرز للإدارة السورية الجديدة، باعتبارها صاحبة النفوذ الأكبر في المناطق المحررة. لكن الأيام القليلة التي تلت سقوط النظام حملت مفاجآت غير متوقعة. فبينما كانت التوقعات تقول إن أول زيارة رسمية لوزير الخارجية السوري ستكون إلى أنقرة، هبطت الطائرة السورية في الرياض.

المملكة تأخذ المبادرة

الزيارة الأولى للإدارة السورية الجديدة إلى المملكة العربية السعودية كانت إشارة واضحة على تحول كبير في العلاقات الإقليمية. المملكة لم تكتفِ بدعوة الوفد السوري، بل استضافت أيضاً أول مؤتمر دولي حول سوريا في الرياض بمشاركة واسعة من القوى الإقليمية والدولية.

إلى جانب ذلك، أطلقت الرياض حملة مساعدات واسعة، شملت جسراً جوياً من المساعدات التي تدفقت إلى الداخل السوري لتخفيف معاناة السوريين في ظل الوضع الانتقالي. وعلى الصعيد الدولي، استغلت المملكة لقاءاتها مع الدول الكبرى لبحث سبل رفع العقوبات المفروضة على سوريا.

هذا التحرك السريع والفاعل من قبل المملكة يطرح تساؤلاً مهماً: لماذا اختارت الإدارة السورية الجديدة التوجه نحو الرياض بدلاً من أنقرة؟

الاستقرار السياسي: عامل حاسم

أحد الأسباب الرئيسية لهذا القرار هو الاستقرار السياسي. الأنظمة الحاكمة في المملكة العربية السعودية ودول الخليج تتميز بدرجة عالية من الاستقرار. فالنظام السياسي السعودي مستقر ولا يتغير بشكل جذري مع تغير الحكام. هذا الاستقرار هو ما تحتاجه سوريا اليوم، حيث لا يمكنها تحمل المزيد من التقلبات أو التردد في السياسات.

على النقيض، تعاني تركيا من تقلبات سياسية واضحة. السوريون، خاصة الذين عاشوا في تركيا أو تأثروا بسياساتها، يدركون تمامًا حجم التغيرات التي طرأت على السياسة التركية تجاه الملف السوري خلال السنوات الماضية. مواقف تركيا تغيرت عدة مرات، سواء فيما يتعلق بالثورة السورية أو ملف اللاجئين.

العلاقات مع الولايات المتحدة والدول الغربية

لعبت العلاقات الدولية دوراً كبيراً في هذا التوجه. فالسعودية، بعلاقاتها القوية مع الولايات المتحدة، قادرة على لعب دور أكبر في دعم سوريا على الساحة الدولية. فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية يُعتبر فرصة كبيرة للمملكة لتعزيز علاقاتها بالمنطقة.

المملكة العربية السعودية تمتلك القدرة على الضغط دبلوماسياً على واشنطن لرفع العقوبات المفروضة على سوريا. في المقابل، تواجه تركيا تحديات كبيرة في علاقاتها مع الولايات المتحدة. أبرز هذه التحديات هي قضية الجماعات الكردية المسلحة في سوريا، بالإضافة إلى ملف التقارب الروسي التركي. هذه الملفات تُثقل كاهل تركيا وتجعلها أقل قدرة على التركيز على دعم سوريا بالشكل المطلوب.

البعد الإقليمي: موقع المملكة ومكانتها

السعودية تتمتع بموقع استراتيجي كقلب العالمين العربي والإسلامي، وهذا يمنحها ميزة كبيرة في إعادة بناء علاقات سوريا مع دول المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، المملكة تمتلك نفوذًا قويًا يمكّنها من إقناع الدول العربية والإسلامية بدعم سوريا سياسيًا واقتصاديًا.

بالمقابل، تعاني تركيا من علاقات متوترة مع بعض دول المنطقة. على سبيل المثال، علاقتها مع مصر ودول الخليج ليست في أفضل حالاتها، مما يُضعف قدرتها على التأثير في ملف إعادة إعمار سوريا أو تطبيع علاقاتها الإقليمية.

البعد الاقتصادي: مفتاح إعادة الإعمار

التقارب السوري السعودي يحمل بعدًا اقتصاديًا واضحًا. المملكة، باعتبارها واحدة من أكبر الاقتصاديات في المنطقة، قادرة على تقديم الدعم اللازم لإعادة إعمار سوريا.

في الوقت الذي تعيش فيه تركيا أزمة اقتصادية خانقة منذ سنوات، مع ارتفاع معدلات التضخم وتراجع قيمة الليرة التركية، تبدو قدرتها على تقديم الدعم الاقتصادي محدودة. كما أن افتقار تركيا للموارد الطبيعية يجعلها أقل قدرة على المنافسة مع المملكة في هذا المجال.

بالإضافة إلى ذلك، المملكة تستطيع جذب استثمارات دولية وإقليمية إلى سوريا، وهو أمر بالغ الأهمية في ظل الحاجة الملحة لإعادة إعمار البلاد.

في النهاية، قرار الإدارة السورية الجديدة بالتوجه نحو الرياض، لم يكن وليد اللحظة، بل جاء بناءً على معطيات واضحة. المملكة تتمتع بمزيج فريد من الاستقرار السياسي، العلاقات الدولية القوية، الموقع الإقليمي المميز، والقوة الاقتصادية.

هذه العوامل تجعل السعودية شريكًا استراتيجياً مثالياً لسوريا في مرحلة ما بعد سقوط النظام، فهي قادرة على تقديم الدعم السياسي والاقتصادي والدبلوماسي اللازم لإنقاذ سوريا من أزمتها وبناء مستقبل جديد لها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى