العربي الآن

المؤسسة العسكرية السورية: بين ضرورات الدمج ومخاطر التسييس القومي

ما يجري اليوم ليس مجرد دمج مقاتلين، بل هو إعادة تشكيل لبنية الدولة والمجتمع

عدي شيخ صالح – العربي القديم

في ظل التحولات السياسية الجارية والتوجهات الجديدة لإعادة بناء مؤسسات الدولة تبرز تحديات معقده تتعلق بكيفية التعامل مع القوى التي انخرطت في الصراع السوري ويتمثل هذا التحدي في كيفيه الانتقال من منطق الفصائلية والسلاح، إلى منطقه الدولة والمواطنة، وفي قلب هذا التحدي تبرز قضايا حساسة مثل من يحق له ان يكون جزءا من المؤسسة العسكرية الجديدة؟ وما هي المعايير التي يجب اعتمادها لضمان وحده الجيش ووطنيته وبنيته؟ وما الفرق بين من قاتل دفاعا عن وحده البلاد، ومن طرح مشروعا يخشى ان يكون مقدمه لتفتيتها لأنه يحمل مشروعا فيدراليا يهدد وحده البلاد.

 إننا نطرح هذا النقاش ليس من باب الاعتراض أو المعارضة، بل من باب الحرص على الصالح العام، ومن حرص ان تبقى مؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش محميه من التسيس او الاصطفاف القومي أو المناطقي وان تستعيد دورها كمؤسسة وطنية جامعة لجميع السوريين..

في الآونة الأخيرة، اثير نقاش حول ضم مقاتلين من الحزب التركستاني (الإيغور) الى صفوف الجيش السوري، وبسبب هذا الامر أثيرت  مخاوف من ان تصبح ذريعة كبرى لضم مقاتلين تابعين لحزب العمال الكردستاني (pkk ) بحجه وجودهم مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) فلذلك نقول ان المقارنة بين الحالتين الايغور و pkk ليست فقط مغلوطة، بل تخفي وراءها محاوله لتطبيع التفتيت الوطني وتمرير مشاريع تقاسم السلطة على أسس قومية وميليشاوية؛ فوجب علينا إيضاح من هم الإيغور ومن هم مقاتلو pkk. والفروقات بينهم وما يترتب من مخاطر على الجيش السوري في حال بقاء عناصر pkk   داخل قسد .

أولا- الايغور: (التركستان الشرقيون) هم أقلية مسلمة من إقليم شينجيانغ في الصين، تعرّضت لقمع واسع من الحكومة الصينية، ما دفع بعض أبنائهم للالتحاق بجبهات إسلامية في مناطق النزاع، ومن بينها سوريا، خاصة في بدايات الثورة. ورغم أنهم ليسوا سوريين، فإن معظمهم قاتل في صفوف فصائل المعارضة، دون أن يطرح نفسه كقوة بديلة أو يسعى لسيطرة مناطقية داخل سوريا.

ثانيا- حزب العمال الكردستاني (PKK): هو تنظيم يساري–قومي كردي تأسس في تركيا، ودخل في صراع طويل مع الدولة التركية من أجل الانفصال أو الحكم الذاتي. في سوريا، نشأ له فرع محلي هو (YPG/ قسد) استغلّ فراغ السلطة في مناطق شمال شرق البلاد، وبسط سيطرته عليها، وطرح مشروع “الإدارة الذاتية”، وأعلن عن فدرالية بحكم الواقع، دون توافق وطني أو دستوري.

ثالثا – فروقات جوهرية بين الايغور وPKK :

  • الانتماء الجغرافي والتنظيم :  الايغور هم مقاتلون أجانب قاتلوا ضمن فصائل المعارضة السورية

  . الpkk هم   تنظيم أجنبي الأصل، مقره جبال قنديل، نقل مشروعه وأفراده إلى سوريا

  • القيادة والسيطرة:  الايغور لا توجد قيادة مركزية مسيطرة على قرارهم في سوريا    .

الpkk  لهم قيادة عسكرية وسياسية خارجية، تتحكم بقراراته من خارج سوريا

  • الموقف من الثورة السورية  : الايغور :قاتل قسم منهم ضد النظام ضمن فصائل الثورة.

  الpkk      لم ينخرط في الثورة، بل تحالف مع النظام في بعض المراحل

  • المشروع السياسي: الايغور: لا يحملون مشروعًا سياسيًا واضحًا يخص سوريا

الpkk   يطرح مشروعاً فدرالياً قومياً، يفتقر إلى التوافق الوطني

  • العلاقة بنظام أسد البائد: الايغور لا يوجد تعاون مع نظام أسد    

الpkk  : علاقات مباشرة مع النظام منذ عقود، وتحالفات ميدانية في الحسكة والقامشلي

  • التركيبة البشرية: الايغور أغلبهم من المهاجرين.

الpkk  :مزيج من محليين وأجانب، مع ولاء أيديولوجي عابر للحدود.

رابعا – موقف الحكومة السورية الجديدة:

من المنصف والموضوعي أن نُشير إلى أن الحكومة السورية الجديدة لم تعلن رفضها المبدئي لانضمام مقاتلين من قسد إلى الجيش الوطني، بل على العكس، أعربت في أكثر من مناسبة عن انفتاحها على هذا الأمر بشرطين واضحين:

  • . التخلي عن العناصر الأجنبية داخل قسد، وفك الارتباط بقيادة PKK الخارجية.
  •  الانضمام إلى الجيش السوري كأفراد وطنيين، لا ككتلة قومية تحمل مشروعًا سياسيًا خاصًا.

وهذا التفريق بين “المكون الكردي” بوصفه جزءًا أصيلًا من النسيج السوري، وبين “حزب العمال الكردستاني” بوصفه تنظيمًا عابرًا للحدود، هو أساس التعامل العقلاني مع هذه المسألة.

خامسا- لماذا تشكل مطالب PKK خطرًا على سوريا؟

إن ما يطرحه حزب العمال الكردستاني، وإن غُلِّفَ بشعارات “التمثيل” و”الحقوق”، هو في حقيقته مشروع فدرالي قسري مفروض بالأمر الواقع. والمشكلة ليست في الفدرالية كفكرة مجردة، بل في طريقة تطبيقها:

  • انعدام التوافق الوطني: لم يجرِ أي حوار سوري–سوري حول مستقبل شكل الدولة، بل فرضت “الإدارة الذاتية” نفسها بالقوة العسكرية.
  • الأساس القومي: مشروع الإدارة الذاتية مبني على هوية إثنية (كردية بالدرجة الأولى)، رغم أن المناطق الواقعة تحت السيطرة هي خليط من العرب والكرد والسريان وغيرهم.
  • الارتهان للخارج: لطالما استخدم حزب العمال الكردستاني الورقة الكردية كورقة تفاوض في الإقليم، ما يعرّض وحدة سوريا للابتزاز الدولي والإقليمي.

سادسا- مخاطر تكريس المحاصصة القومية في الجيش:

ضمّ أي ميليشيا أو قوة قائمة على أساس قومي أو جهوي إلى الجيش، يعني عمليًا:

  • تطييف أو تأقلم المؤسسة العسكرية.
  • تكريس المحاصصة مستقبلاً في الدولة.
  • شرعنه مشاريع ما قبل الوطنية.

وإذا قُدّم ذلك تحت عنوان “الاعتراف بالواقع”، فإننا ننتقل من دولة مؤسسات إلى دولة توازنات قسرية، على حساب الشعب والمواطنة.

سابعا: إعادة تعريف الوطنية السورية:

ما يحدث اليوم هو تشويه لمعنى الوطنية:

  • فـ”من يقاتل النظام” ليس بالضرورة وطنيًا إن كان يسعى لتقسيم البلاد.
  • و”من ينضم للجيش” ليس بالضرورة وطنياً إذا كانت أجندته طائفية أو قومية.

الوطنية السورية تعني الانتماء إلى مشروع وطني جامع، يقوم على الحرية والمساواة والمواطنة ووحدة التراب السوري، لا على الولاءات الفرعية.

خلاصة القول :

إن بناء مؤسسة عسكرية وطنية حقيقية لا يمكن أن يتم بمعايير الفصائلية أو بتغليب الاعتبارات المرحلية والتحالفات السابقة، بل يتطلب مراجعة دقيقة ومعايير صارمة، في مقدمتها وضوح الانتماء الوطني، واحترام وحدة التراب السوري، ورفض المشاريع الانفصالية أو العابرة للهوية السورية الجامعة.

وإننا في هذه المرحلة الدقيقة بحاجة إلى جرأة سياسية وحس وطني رفيع في إعادة هيكلة المؤسسات، وعلى رأسها المؤسسة العسكرية، لأن أي تهاون أو خلط في هذا السياق قد يُعيد إنتاج الصراع داخل بنية الدولة نفسها، ويفخّخ مشروع الاستقرار من داخله. ومن هنا، فإن التمييز بين القوى المسلحة يجب ألا يقوم على سجل القتال فقط، بل على المشروع السياسي الذي حملته هذه القوى، وسلوكها تجاه وحدة سوريا وهويتها. فمن يحمل مشروعًا وطنيًا جامعًا، يختلف جوهريًا عمّن قاتل لأجل مشروع فئوي أو قومية ضيقة. كما لا تجوز المقارنة بين الايغور الذين لم يطرحوا أنفسهم كقوة سياسية داخل سوريا، ولم يتبنّوا مشروعًا خاصًا أو انفصاليًا، وبين حزب العمال الكردستاني الذي يحمل مشروعًا مهدِّدًا لوحدة البلاد، ويمتلك قيادة أجنبية وتاريخًا من التنسيق مع النظام.

ومع ذلك، فإن المبدأ يجب أن يكون واضحًا: لا مكان لقوات أجنبية أو مشاريع قومية معزولة داخل مؤسسة الجيش السوري، ما لم تُذِب نفسها في البنية الوطنية وتخضع بالكامل لسيادة الدولة وللمعايير المشتركة للسوريين. ما يجري اليوم ليس مجرد دمج مقاتلين، بل هو إعادة تشكيل لبنية الدولة والمجتمع. وإننا نحذّر من أن يُفتح الباب أمام مشاريع فئوية بدعوى “الواقعية السياسية”، لأن ما يُقبل اليوم تحت هذا العنوان، قد يُغلِق غدًا أبواب الوطن على واقع ممزّق لا يجمع السوريين، بل يفرّقهم على أسس ما قبل وطنية. فليكن الجيش مؤسسةً لجميع السوريين، لا امتدادًا لمشاريع غير سورية، ولا حاضنةً لمن قاتلوا من أجل تقسيمه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى