هكذا سقط جيش الأسد
الجيش الذي لم يَخُض معركة حقيقية واحدة على الجبهات وجُل اهتمامه تحقيق المصالح الشخصية لقادته
العقيد الركن خالد المطلق * – العربي القديم
ثلاثون عاماً قضيتها في صفوف جيش كنا نعتقد جميعا إنه جيش سورية الوطن والمكلف بالدفاع عن أرضه وشعبه، ثلاثون عاماً نحن أبناء المؤسسة العسكرية والشعب السوري مغيبون في طيات مملكة الرعب التي أسسها الأسد الأب بشكل هياكل مؤسسات تشبه كل شيء إلا مؤسسات الدولة، إذ أصبحت تلك المؤسسات ومنها المؤسسة العسكرية ملك أسرة لم يكن هدفها حماية وطن أو شعب بل كان هدفها حماية نفسها وحكمها من الشعب الذي ضاق ذرعا بحجم الجرائم التي ارتُكبت بحقه على مدى أربعين عاماً.
لقد كانت أسرة الأسد وبالاً على الشعب السوري على مختلف الأصعدة تمثل هذا الوبال بحجم الإجرام الذي مارسه جيش الأسد الذي يُعتبر أهم مؤسسات الدولة فتوغل في قمع الشعب لحد الثمالة واستخدم كل صنوف الأسلحة كالطائرات والحوامات والمدفعية والدبابات، وتمادى في إجرامه ليستخدم أسلحة محرمة دولياً كالسلاح الكيماوي على الأطفال والنساء العزل، كل هذا لم يأتِ صدفة فالجيش الذي لم يَخُض معركة حقيقية واحدة على الجبهات وجُل اهتمامه تحقيق المصالح الشخصية لقادته على مختلف مستوياتهم لا يمكن أن يكون جيش لوطن مدافع عنه.
الأسباب داخلية
يمكن أن نقول إن الأسباب الحقيقية لسقوط الأسد وجيشه تقسم إلى أسباب داخلية وأسباب خارجية ومن أهم عوامل السقوط الداخلية هو الفساد في جيش الأسد الذي لم يكن قبل انطلاق الثورة السورية وليد الصدفة، بل كان ممنهجا ومحسوباً ومسيطراً عليه، إلا أن المهام التي كلف بها الجيش في قمع الشعب من بداية ثورته فتح باب الفساد على مصراعيه فاستمراء القتل والاغتصاب والسرقة والنهب والاعتقال وإهانة الشعب على الحواجز أدى إلى معضلة وأمراض لا يمكن الشفاء منها.
قادة الحواجزعلى مختلف مستوياتهم مارسوا يومياً سلطة الرئيس، وبيدهم اتخاذ أي قرار، فقتل أبناء الشعب السوري والتنكيل بهم ونهبهم وسلبهم واغتصاب حرائرهم أصبح عادة لا يمكن التخلص منها.
بعد انتهاء الأسباب التي دعت إلى إعطاء هؤلاء تلك الصلاحيات وبنفس الوقت لم تعد تلك الجهة التي أعطت تلك الصلاحيات قادرة على ضبط سلوك هؤلاء الذين تحولوا إلى مجرمين يمكن أن يفعلوا أي شيء مقابل المال ومقابل إرضاء شهوتهم للسلطة المطلقة، ولهذا تجذر الفساد بأقصى درجاته داخل الجيش وهذا كان أحد أهم العوامل التي ساعدت على تفكيكه بهذه السرعة، ويمكن أن نعتبر الحالة المعاشية لضباط الجيش وعناصره على مختلف رتبهم كان أيضا عاملا مهما في تفكك الجيش بهذه الطريقة إذ لا يخفى على أحد أن رواتب جيش الأسد على مختلف مستوياتهم في السنوات الأخيرة لم تصل إلى خمسين دولاراً أمريكيا للضباط ولم تتعدى العشرين دولاراً لصف الضباط والأفراد ناهيك عن جعالة الطعام للأفراد التي يتم سرقة جزء كبير منها نتيجة الفساد المستشري بين الضباط، ليصل جزء يسير منها إلى مستحقيها.
هذا كله أدى إلى تدهور في المعنويات وتآكل في البنية الأساسية للجيش وبالتالي سقوط مدوي ومفاجئ وسريع على الرغم من اعتماد قيادة الجيش على الحلفاء الأجانب كالحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني، وميليشيات فاطميون وزينبيون، وميليشيات الحشد الشعبي العراقي، وظروف تلك الميليشيات لم تكن أحسن حالاً من جيش الأسد فحزب الله اللبناني لم يخرج بعد من جحيم المقتلة التي حصدت قادته من الصف الأول والثاني وعدد كبير من قواته في المعركة التي شنتها إسرائيل عليه في جنوب لبنان وعلى الأراضي السورية مما أدى إلى سحب معظم قواته من سورية تاركاً فراغاً كبيراً على جبهات المواجهة مع فصائل الثورة السورية وهذا ما انطبق على الحرس الثوري الإيراني الذي تلقى قادته على مختلف مستوياتهم ضربات قضت على معظمهم خاصة الميدانيين منهم والإستراتيجيين، وهذا أدى إلى تصدع في بنية منظومات القيادة وبالتالي تم سحب ما تبقى منها إلى إيران والعراق، أما الميليشيات العراقية كالحشد الشعبي والميليشيات الطائفية الأخرى زينبيون وفاطميون فكان جُل تموضعهم في الداخل السوري ومهمتهم الأساسية حماية طرق الإمداد الواصلة من العراق إلى لبنان ناهيك عن مهمتهم في حماية أبار النفط والفوسفات في البادية السورية، هذا كله أدى إلى خلل في الجبهات أدى إلى اختراقها بشكل واسع وسريع.
الأسباب الخارجية
على الرغم من كل العوامل الداخلية التي ذكرتها والتي أدت إلى سقوط الجيش وتفككه إلا أن الأسباب الخارجية لسقوط جيش الأسد ونظامه كانت حاسمة فقرار إسقاط الأسد لا يمكن أن يُتخذ في أروقة فصائل الثورة على مختلف مشاربها ولا حتى الدول الإقليمية والعربية قادرة على اتخاذ هكذا قرار ولنا تجارب عديدة خلال ثلاثة عشر عاماً من الثورة حتى حينما حرر الجيش الحر أكثر من سبعين بالمئة من الأراضي السورية تم منعهم من الدخول إلى دمشق وتحريرها وهذا كان متاحاً وتم السماح بالتدخل الإيراني أولا ومن ثم التدخل الروسي للبقاء على الأسد ومنظومته على سدة الحكم، فمن أعطى الأوامر بإسقاط الأسد الآن هو نفسه من منع سقوطه في وقت سابق فالعامل الخارجي كان حاسماً في إسقاط الأسد بل تم إبلاغ الأسد بالتحضير للخروج من سورية وإعطاء الأوامر لقادة الجيش وأجهزة الأمن بأنه تم حل الجيش وبنفس الوقت بلغ هؤلاء مرؤوسيهم بهذا القرار، ولهذا شاهدنا ذوبان الجيش وقيادته واختفائهم عن المشهد بهذا الشكل السريع لا بل شاهدنا رئيس وزراء الأسد ووزرائه يسلمون السلطة التنفيذية للقادة الجدد بكل انسيابية وهدوء، وهذا يدل وبشكل قاطع أن ما حدث هو متفق عليه بين الكبار.
هل وجدوا البديل؟
في نهاية المطاف أعتقد أن ما وصلت إليه الأمور في سورية لم يكن وليد الصدفة إنما كان يُخطط له في الغرف المظلمة ولا نعرف حتى الآن الهدف منه، فمن حمى الأسد الأب والابن طوال خمسين عاماً وتجاوز عن جرائمه، لا يمكن أن يتخلى عنهم بهذه السهولة إلا إذا وجدوا البديل القادر على تنفيذ أوامرهم. مصالح الشعوب لم تكن يوماً في حسبان أصحاب القرار في العالم، ولنا في سورية الدليل الصارخ على هذا، فالسماح للأسد ومنظومته العسكرية والأمنية بالتوغل بدماء الشعب السوري وامتهان كرامته وغض الطرف عن إجرامهم ومجازرهم بحقه يجعلنا حذرين جداً من طريقة إسقاط الأسد ومنظومته الإجرامية بهذه الطريقة، فأبناء هذا الشعب الذي تحمل ما لم يتحمله شعب عبر التاريخ يتمنى أن يكون ما حدث هو بوابة لإعادة ترتيب المنطقة لكن ليس على حسابهم وعلى حساب معاناتهم ومآسي شعوب المنطقة.
_______________________________________________________________________
- كاتب وباحث في الشؤون العسكرية والأمنية والإرهاب، عقيد ركن سابق في الجيش السوري اختصاص ضابط توجيه صواريخ م/ط، يحمل الماجستير في العلوم العسكرية، كتب في العديد من مراكز الدراسات والمواقع الالكترونية والصحف العربية، له كتاب “الإرهاب في مملكة الرعب”