الرأي العام

نوافذ الإثنين | التعلّم بعد السبعين و”عودة الشيخ إلى صباه“

ميخائيل سعد

لست بصدد كتابة مقال ”تبشيري“ عن أهمية التعلم بعد عمر السبعين وفوائد ذلك بالنسبة لكبار السن، على طريقة كتاب ”عودة الشيخ إلى صباه“،، ورغم طابع السخرية التي تلبسها بعض جمل المقال، فهي لا تخلو من الجدية، والفائدة الحقيقية للمسنين، والتي برهن علـى صحتها العلم.

ما أكتبه في هذا المقال هو تجربة شخصية أعيشها منذ أربع سنوات، عندما قررت الالتحاق بجامعة ماردين لدراسة التاريخ باللغة العربية، وقد تجاوزت السبعين من العمر، ومشاركتكم هذه التجربة التي غيرت حياتي، في جوانب عديدة منها: تحفيز العقل، والتواصل الاجتماع، وتحقيق الأهداف الشخصية، والحفاظ على الحيوية والنشاط، وغيرها.

تحفيز العقل

كنت في شبابي أشكو من ضعف الذاكرة، وأحسد أصدقائي على قدراتهم المتميزة في حفظ أبيات الشعر، والقصائد والأمثال الشعبية والحكم، وخاصة تلك التي تثير اهتمام الصبايا، وبقيت أرى في هذا الامر عَطَبا ما في رأسي، إلى أن التقيت، في سجن المزة، عام ١٩٧٦، بصديق اسمه علي حسون، وكان رفيقا في التنظيم السياسي الذي كنا منخرطين فيه، قال لي، بعد أن سمعني أكثر من مرة أشكو من ضعف ذاكرتي: عليك يا رفيق ميخائيل أن تنظر للمسألة من زاوية أخرى.

قلت له: كيف؟

قال: تستطيع القول: أنا أتمتع بقدرة كبيرة على النسيان، بدلا من الشكوى من ضعف الذاكرة، وقد قدمت لي قدرتي على النسيان فائدة عظيمة.

سألته مستوضحا عن فوائد ضعف الذاكرة، فقال جادا: قبل سنوات، كنت أحب صبية، وقد وعدتها أن نلتقي صباح أحد الأيام كي نذهب إلى المحكمة الشريعة لنسجل زواجنا، فقد كان الأهل من الطرفين ضد زواجنا، وفي الموعد المحدد نسيت الموضوع تماما، وهكذا أنقذتني قدرتي على النسيان من زواج مبكر، لا أستطيع تخيل مآسيه لو أن حدث.

عودة إلى موضعنا، دور العودة للدراسة في تنشيط الذاكرة، لما كنت مضطرا لدراسة مقررات الجامعة، لاحظت أن نشاطي الفكري يعمل بشكل أفضل، وذاكرتي بدأت بالتحسن فعلا، فقد أصبحت قادرا، مع مرور الوقت، على أسترجاع بعض الأفكار الرئيسية التي كانت تلفت انتباهي، في المحاضرات، وخاصة في الامتحانات. كما تحسنت مواعيدي مع الصبايا، فلم يحدث أن نسيت موعدا مع إحداهن، بينما كنت أنسى مواعيدي مع بعض الزملاء، وخاصة الغليظين منهم. كما توصلت إلى نتائج هامة بعد مرور سنتين على دراستي الجامعية؛ ”ليس المهم في العلم أن تحصل على حقائق جديدة، بل أن تكتشف طرق جديدة للتفكير في هذه الحقائق“.

تعزيز الثقة بالنفس

ساهمت عودتي للدراسة، وأنا في هذا العمر، على إعادة الثقة بنفسي والشعور بالإنجاز. فعندما كنت أتعلم مهارة جديدة في كتابة البحوث مثلا، أو باكتساب معرفة جديدة، كنت أشعر بالرضا عن نفسي، وأشعر فعلا أن أقدامي أصبحت تسير على أرض صلبة، وكنت قد فقدت هذا الإحساس منذ أن غادرت سورية، قبل ٣٥ سنة، فقد كنت أشعر دائما أن الأرض رخوة تحت قدميّ.

التواصل والاجتماع

في السنوات العشر الماضية، يعني بعد تقاعدي، تراجعت علاقاتي الاجتماعي إلى حدها الأدنى، باستثناء السنوات الثلاث الأولـى للثورة السورية، واقتصرت على شلة ”ختايرية“ مونتريال، التي كانت غارقة في ماضيها، لدرجة أن أحدنا كان يكرر الحكاية عشرات المرات دون أن يدري، وكان الآخرون يستمتعون بها مع ذلك.  في الجامعة، وفرت الدراسة لي فرصًا للتواصل والاجتماع مع أشخاص آخرين والانخراط في مجتمعات تعليمية. هذه التفاعلات الاجتماعية حسنت من صحتي العقلية والعاطفية وقللت من الشعور بالعزلة والوحدة، فقد أصبحت الصبايا يتسابقن على الحصول على صداقتي، وأنا بطبعي رجل لطيف وحنون!!، وطلاب الجامعة يشهدون على ذلك.

تحقيق الأهداف الشخصية

في زحمة انشغالاتي العاطفية والاجتماعية، لا أستطيع تجاهل أهدافي الشخصية في الحصول على شهادة جامعية ثانية، ”أتفشخر“ بها أمام الناس، وخاصة أمام أولادي الذين لم ينهوا دراستهم الجامعية، والتفتوا إلى العمل. كنت أحب التاريخ، ولكن ظروف حياتي قبل التقاعد، لم تتح لي فرصة إشباع شغفي في الاطلاع على التاريخ، خاصة تاريخنا العربي، الذي كان غالبا يكتبه الحكام لصالحهم. كنت أريد تعلم منهجية تمكنني من فرز ما هو حقيقي وما هو مزيف وما هو مسروق من جهد الشعب، وقد بدأت، وأنا في السنة الرابعة جامعيا، وفي الخامسة والسبعين من العمر، بالوقوف على باب معرفة المنهاج اللازمة للحصول قدرات الباحث، وأنا في غاية السعادة بما حصلت عليه.

الحفاظ على الحيوية والنشاط

الواجبات الدراسية الجامعية منحتني نشاطا استثنائيا، في مونتريال، كنت أجد صعوبة في السير 500 مترا في اليوم، في ماردين، متوسط سيري اليومي خمسة كيلو مترات في اليوم الواحد. تعودت أن استيقظ صباحا مع المؤذن الذي يدعو الناس للصلاة، ”فهي خير من النوم“، وصلاتي كانت القراءة والتحضير لدروسي. كنت في الثامنة والنصف صباحا أحمل حقيبة الظهر وأتوجه إلى الجامعة، كل يوم، وأنا في غاية النشاط.

أخيرا، ولكي يكتمل الدرس، سمحت لنفسي باستعارة بعض الأقوال من الانترنيت عن فوائد التعلم للكبار، أنقلها كما هي، كي تعم الفائدة.

بعض الأنشطة التعليمية المناسبة للمسنين:

١- القراءة: تشجيع المسنين على القراءة هو نشاط تعليمي ممتاز. يمكنهم قراءة الروايات والمقالات والشعر والكتب التعليمية في مجالات مختلفة حسب اهتماماتهم. يمكن أيضًا إنشاء نادي قراءة للمسنين لتشجيع التواصل ومناقشة الكتب المختلفة.

٢- دورات تعليمية: يمكن للمسنين حضور دورات تعليمية في مجالات مختلفة مثل اللغات الأجنبية، والفنون، والحرف اليدوية، والطهي، والتكنولوجيا. توفر هذه الدورات فرصة لاكتساب مهارات جديدة وتوسيع المعرفة وتعزيز التفاعل الاجتماعي.

٣- الكتابة: تشجيع المسنين على الكتابة يمكن أن يكون نشاطًا إبداعيًا وتعليميًا في نفس الوقت. يمكنهم كتابة قصص شخصية، أو مذكرات، أو مقالات في مواضيع تهمهم. يمكن أيضًا تشجيعهم على كتابة المقالات في المجلات المحلية أو المشاركة في مسابقات الكتابة.

٤- الرحلات التعليمية: تنظيم رحلات تعليمية للمسنين لزيارة متاحف، ومعارض فنية، ومواقع تاريخية يمكن أن يكون تجربة مفيدة وممتعة. يمكن توفير مرشدين لشرح المعلومات والتفاعل مع الأعمال الفنية أو المعروضات التاريخية.

٥- الدروس عبر الإنترنت: يمكن للمسنين الاستفادة من الدروس والدورات التعليمية عبر الإنترنت. هناك العديد من المنصات التعليمية عبر الإنترنت التي توفر محتوى تعليمي مجاني أو مدفوع في مجالات مختلفة مثل العلوم، والتاريخ، والتكنولوجيا.

أخيرا، لي كل الفخر بالقول إن تجربتي الدراسية حرضت عشرات الأشخاص على الالتحاق بالجامعات، فلا تتأخروا!!!!

ماردين في ٨-١-٢٠٢٤

زر الذهاب إلى الأعلى