العربي الآن

التطبيع التركي مع الأسد وتطبيق القرار 2254: إن كنت تدري فتلك مصيبة!

عدي شيخ صالح – العربي القديم

كثيراً ما بتنا نسمع في الآونة الأخيرة تصريحات عديدة من الجانب التركي تخص التطبيع مع العصابة الحاكمة في دمشق، ورأسها الذي كانت تعتبره السلطات التركية في يوم من الأيام “مجرم حرب”. ومن هذه التصريحات ما أدلى به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حيث قال: ”لدينا نية للحوار مع الأسد وننتظر زيارته أو التنسيق الاجتماع في بلد ثالث لتدشين مرحلة جديدة من العلاقات”.

 طبعاً هذا كله يندرج تحت قاعدة سياسية براغماتية أنه لا يوجد صديق دائم ولا عدو دائم في السياسة وإنما هناك مصالح مشتركة. وقاعدة أخرى تقول “المتغير هو الثابت الوحيد في السياسة”. وانطلاقاً من هاتين القاعدتين غيرت السياسة التركية مجراها لتصحيح العلاقات مع الأسد بحجة إقامة سلام دائم في المنطقة. هذه التصريحات أثارت حفيظة الشعب السوري الذي كان يعتبر تركيا الصديق الوحيد المتبقي للشعب والثورة السورية.

وبرأيي، نحن كسوريين يجب ألا نلوم الدول بسبب توجهها لتحقيق مصالحها بل يجب أن نلوم أنفسنا أولاً؛ حيث إننا لهذه اللحظة لم تفرز الثورة قيادة منتخبة من قبل الداخل السوري المحرر، وثانياً علينا الاهتمام بما تصرح به بشكل دائم، مؤسسات المعارضة المحسوبة على الثورة، مثل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة والحكومة المؤقتة، أن الهدف هو تطبيق القرار 2254 الذي يستند لمخرجات مؤتمر جنيف 2012″ إن الحل الوحيد القادر على تعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين والدوليين وتحقق السلام الدائم”.

وفي اجتماع سابق جمع بين تجمع النقابات والاتحادات الحرة والحكومة السورية المؤقتة تم الإعلان سلسلة من المطالب، كان منها الحل السياسي وفق قرارات الأمم المتحدة “حيث شدد التجمع على أن الحل في سوريا يكمن في تشكيل هيئة حكم انتقالية استناداً إلى قرارات الأمم المتحدة وخاصة قرار ٢٢٥٤. كما رفض التجمع المصالحة مع النظام الحالي، رفض قاطع لأي خطوة تؤدي إلى المصالحة مع النظام الحاكم في دمشق الذي وصف بعصابة الكبتاغون “نلاحظ أن كلا المطلبين متضادان، فالمطلب الأول يسعى للحل السياسي من خلال قرار ٢٢٥٤ وهذا القرار يسمح بتشكيل هيئة حكم انتقالية بالمحاصصة مع عصابة الكبتاغون. والمطلب الثاني يرفضون التصالح معه، فكيف يمكن تحقيق مطلبين متضادين في نفس الوقت؟

الحقيقة أن هذا إن دل على شيء، دل على جهل المجتمعين ببنود قرار الأمم المتحدة ٢٢٥٤، أو أنهم يلعبون بمشاعر الشعب السوري من خلال استعمالهم بعض العبارات المنمقة التي تؤثر على عواطف الشعب مثل: “رفض التصالح”، و”العيش بحرية وكرامة”. ثم نذهب لنرى مشاهد أخرى بالداخل السوري من الجماهير الغفيرة تطالب أيضاً بتطبيق قرار ٢٢٥٤ فهل يا ترى هذه الجماهير تعلم ما هي بنود هذا القرار؟ وماهي مخرجات مؤتمر جنيف ٢٠١٢؟

 للوهلة الأولى من يطلع على بنود قرار ٢٢٥٤ يراها بنوداً تتجه بوصلتها بالاتجاه الصحيح لتحقيق الأمن والسلام في المنطقة، والذي يعتبر من أهداف منظمة الأمم المتحدة التي تسعى دائماً لتحقيق الأمن والسلم الدوليين. لكنه حق أريد به باطل وتكمن الحقيقة فيما بين السطور، ففي الفقرة رقم تسعة والفقرة رقم عشرة من البيان الختامي الصادر عن مجموعة العمل من أجل سوريا وما يسمى ببيان مؤتمر جنيف. ٢٠١٢ تكمن الكارثة الكبرى. حيث تنص الفقرة رقم تسعة المرمزة بحرف (أ):

 “إقامة هيئة حكم انتقالية باستطاعتها أن تهيئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية. وأن تمارس هيئة الحكم الانتقالية كامل السلطات التنفيذية. ويمكن أن تضم أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة ومن المجموعات الأخرى ويجب أن تشكل على أساس الموافقة المتبادلة”.

 كما تنص الفقرة رقم عشرة المرمزة بحرف (ج) على:

“استمرار المؤسسات الحكومية والموظفين من ذوي الكفاءات فمن الواجب الحفاظ على الخدمات العامة واستعادة سير عملها”.

 ويشمل ذلك فيما يشمل قوات الجيش ودوائر الأمن. ومع ذلك يتعين على جميع المؤسسات الحكومية، بما فيها دوائر الاستخبارات، أن تتصرف بما يتماشى مع معايير حقوق الانسان والمعايير المهنية وأن تعمل تحت قيادة عليا تكون محل ثقة الجمهور، وتخضع لسلطة هيئة الحكم الانتقالية.

وبعدما انتهينا من اقتباس الفقرات نأتي للتوضيح:

 ففي الفقرة التاسعة “تشكيل هيئة حكم انتقالية تشاركية بين النظام والمعارضة ومجموعات أخرى.” هذا يتعارض مع مبادئ الثورة السورية التي نادت بإسقاط النظام جملة وتفصيلاً، وليس تقاسم السلطة بين النظام والمعارضة. وعبارة مجموعة أخرى يقصد بها بشكل حتمي قوات سوريا الديمقراطية ما تعرف باسم (قسد) لأن الأسد يعتبر الجيش الوطني وفصائله والجيش الحر وهيئة تحرير الشام وداعش منظمات إرهابية فلم يبقَ سوى قسد والتي تعتبر منظمة حليفة للأسد حسب ما صرح به رئيس الوزراء المنشق رياض حجاب عندما كان على رأس عمله عام ٢٠١٢، إنه اجتمع الأسد مع رياض حجاب ومجموعة من كبار الدولة وأمرهم بتسليم جميع السلاح الثقيل لقسد وعندما قالوا له بأنها منظمة إرهابية، قال لهم حرفياً بأنهم حلفاؤنا. وهذا لا يخفى على كل ذي عقل لبيب.

وأما فيما يخص الفقرة العاشرة فهي تنص على “الحفاظ على قوات الجيش ومكاتب الأمن”. هذا يعني عدم إمكانية محاسبة المجرمين الذين أثخنوا في القتل والتدمير، وكأنهم يقولون لنا علينا أن نتصالح مع قاتل أبنائنا، ومغتصب بناتنا، والعودة إلى مربع الخوف من قوات الأمن كما كان الأمر قبل الثورة والنتيجة كأننا لم نخرج بثورة.

وللأسف هذه القرارات الأممية يطالب به الشعب السوري في الداخل، في كل مناسبة وفي كل اعتصام أو مظاهرة، وسواء أكانوا يطالبوا بها عن علم بمحتواها أو جاهلين بها ففي كلتا الحالتين مصيبة كبرى. إن كانوا يعلمون ما تنص عليه القرارات فتلك خيانة لدم الشهداء، وإن كانوا جاهلين بما تنص فهذا يعني أننا لا نزال نسير كالقطيع دون أن نبحث حول حقيقة ما نردد ونطالب به.

علينا اليوم أن نجدد مطالبنا وملتزم بمبادئ الثورة التي خرجنا لأجلها وألا نتخلى عنها مهما حصل ألا وهي إسقاط الطغمة الحاكمة في دمشق جملة وتفصيلاً بكل مؤسساتها العسكرية والأمنية ومحاسبة القتلى كمجرمي حرب، فالثورة تغير النظام القائم بكامله والتخلي عن مبادئه وليس تقاسم السلطة بين النظام والمعارضة.

المراجع:

١-البيان الختامي الصادر عن مجموعة العمل لأجل سوريا، الامم المتحدة الجمعية العامة، مجلس الأمن، في جنيف، 30 حزيران ٢٠١٢

٢-قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254، 18 ديسمبر 2015.

٣-النقابات والاتحادات الحرة في سوريا تعلن مطالبها: خطوة جديدة نحو التغير، صحيفة حبر، ١٣يوليو ٢٠٢٤.

زر الذهاب إلى الأعلى