العربي الآن

من التعايش بين الطوائف إلى ملامح المشهد الثقافي: الواقع السوري الأسود

نوار الماغوط – العربي القديم

لطالما كانت قضايا الحرية والسيادة قضايا محورية في فهم الواقع السياسي والاجتماعي للعالم العربي عبر التاريخ، تُظهر الحركات التحررية أن الشعوب قادرة على تحقيق استقلالها رغم التدخلات الخارجية. مثال بارز على ذلك هو الثورة الجزائرية التي ناضلت ضد الاستعمار الفرنسي ونجحت في تحقيق استقلالها. ومع ذلك، لا تزال قضايا معقدة تتعلق بالخيانة الداخلية وتأثير الحكام تشكل عائقًا كبيرًا أمام تحقيق الحرية الحقيقية

إن قضية فلسطين تُعتبر واحدة من أهم القضايا التي شغلت وتُشغل العالم العربي. يُجادل البعض بأن هذه القضية هي جوهر الصراع العربي، ولكن آخرين يرون أن المشكلة الحقيقية تكمن في خيانة الحكام لشعوبهم واستغلالهم لهذه القضايا للبقاء في السلطة. إن استخدام القضية الفلسطينية كأداة لتشتيت الانتباه عن المشاكل الداخلية يُعد خيانة لشعوبهم، حيث يتم توجيه الغضب والاهتمام نحو العدو الخارجي بينما يتم تجاهل الفساد والاستبداد الداخليين.

عن أي تعايش يتحدثون؟

في سوريا، يُروّج لفكرة التعايش بين الطوائف المختلفة كجزء من الهوية الوطنية. لكن هذا الادعاء يتجاهل الدور الذي لعبه الحكام في تأجيج الكراهية والانقسامات الطائفية بين أبناء هذا البلد لتحقيق مكاسبهم الخاصة. الحكام الذين حكموا هذه البلاد بالحديد والنار وبالعصبية الطائفية أيضاً، يفرقون الناس عن بعضهم ويصبون النار لتأجيج مشاعر الكراهية الإثنية والطائفية والدينية. عن أي تعايش يتحدثون… الحكام منذ بدء التاريخ يعملون على تمزيق شعوبهم.. وهذه الفترة من التاريخ يمزقون شعوبهم من أجل أن يبقوا حكامها  مما أدى إلى تمزيق النسيج الاجتماعي السوري رغم كل الشعارات البراقة التي يرفعها المثقفون، بما في ذلك المثقفين الطائفيين الذين يستخدمون انتماءهم الطائفي لتسويق أنفسهم أو حصد الفرص أو تبوّء المناصب .

وهم يستشهدون بوقائع التاريخ من وجهة نظرهم، فيقولون إن الشعب السوري قاوم تحويل سوريا إلى خمس دول… وقاوم التقسيم على أساس طائفي، وأن العلويين بعد أن أرسلوا العراض إلى الخارجية الفرنسية برفض العودة إلى سوريا وإنهاء دولتهم، تقاطروا إلى دمشق ليقدموا فروض الولاء إلى الحكومة المركزية… ورغم أن المتفائلين يقولون إن الأرادة الشعبية كانت ضد هذا التقسيم الطائفي، إلا أنهم يتناسون  أن من وقف ضد الرغبة الفرنسية هي الحكومة البريطانية التي ضغطت على فرنسا لأجل إعادة سوريا إلى خطوط سايكس بيكو الأساسية، وإلى أحضان لورنس العرب الموظف في المخابرات البريطانية وله أعمدة الحكم السبعة…

 الشعب لا يريد عبر التاريخ إلا الحرية

يقولون إن الشعب السوري لم ينجر إلى ما انجر اليه لبنان… أقول لهم..انجر الشعب السوري إلى مليار ضعف مما انجر إليه الشعب اللبناني.. انجر الشعب السوري الى إعطاء بلاده، سماؤها وأرضيها وبحارها و فوسفاتها وموانئها ونفطها وزلازلها وبراكينها إلى الخميني … الشعب السوري لا يفرق بين مستغليه وبين من سبب له الجوع والعبودية.. لا يفرق بين الفرس والمغول والتتار وبين السلاجقة وعبدة النار وعبدة الرجال… الشعب السوري لا يدقق في هويات من يحكمونه…الذي لا يعرف التاريخ يفضل أن يسكت …

يُعد الاتفاق الاستعماري سايكس بيكو مثالاً بارزًا على كيفية تأثير القوى الاستعمارية في رسم حدود الدول العربية وتعيين حكام يخدمون مصالحها. هذه الاتفاقية لم تأخذ في الاعتبار تطلعات الشعوب العربية، بل كانت تهدف إلى تقسيم المنطقة والسيطرة عليها. الحكام الذين جاءوا كنتيجة لهذه الاتفاقية كانوا أكثر ولاءً للقوى الاستعمارية من ولائهم لشعوبهم، مما أدى إلى تفاقم الوضع السياسي والاجتماعي في المنطقة.

التعاون بين الأنظمة العربية والدول الغربية الرأسمالية الاستعمارية يهدف إلى إخضاع الشعوب العربية، تمزيقها، إفقارها، وسلب حريتها لصالح نمو إسرائيل ومصالح القوى الأجنبية. هذا التعاون يجعل الشعوب العربية رهينة لمصالح الحكام والدول الاستعمارية، مما يعوق أي تقدم نحو الحرية الحقيقية والتحرر الوطني

المشكلة فينا نحن!

يقولون المشكلة بدأت فينا نحن… من نحن… الشعوب أم الحكام..لم يوضحوا هذه الاشكالية…لا أيها الآخرون يجب أن تحددوا… نحن الشعوب الفقيرة الممزقة المحتلة المضطهدة ..المسلوبة حريتها والمغتصب قرارها..نحن أموات ولسنا أحياء.. والاحياء فقط هم إسرائيل والذين يعيشون في أحضان قطر… المصيبة التي نعيشها الان بدأت باحتلال فلسطين…أقول لهم إن المصيبة قبل ذلك ،بدأت بمنع الشعوب العربية من إتخاذ قرار .. منعهم من الخوض في الحديث عن مشاكلهم.. من من العرب اتخذ رأيه باتفاقية سايكس بيكو وانا أقصد بالعرب البشر العاديين أصحاب الدكاكين وأصحاب المهن والشباب الذين يدرسون وبدأوا في التحصيل العلمي وبدأوا ينظفون أجسادهم من أوساخ الحكم العثماني… الشعوب الذي لم يخرج منها حكام..لكن الحكام أتو من سايكس بيكو أي إنسان يدعي إنه تقدمي ولا يميز بين سايكس بيكو وأتباعها وحكامها وبين سكان البلاد الذين لا يملكون من قرارهم شيئًا وليس مسموحاً لهم إلا ان يكونوا تابعين لحكام يفرضون عليهم العرب منذ بداية التاريخ وحتى الان هم عبيد يملى عليهم ويؤمرون باي شيء والشعوب عليها الطاعة وتقبيل الاحذية.. كل الشعوب ليس عليها إلا الطاعة وليس لها إلا ما للعامل من حق في نقطة زيت تسهّل له حركته في خدمة الحكام في الحياة.

 يهيمن على المشهد السياسي  والثقافي  السوري الآن من يبيعون إرثهم الفكري والتاريخي بثمن بخس. وما نشهده من  تفشي المحتوى الفني والفكري الهابط على السوشيال ميديا والإصدارات الادبية التي استغل كتابها حالة عزوف القراء عن القراءة ليزيدوا من إنتاجهم  بما يعكس حالة من الهروب الجماعي من الواقع السياسي والاجتماعي المؤلم. في هذا السياق، يُهمش الكتاب والمفكرون الحقيقيون الذين يحاولون إيقاظ الوعي الشعبي، بينما يُحتفى بمن يخدرون الشعوب ويقدمون لها ما يريحها بدلاً من مواجهتها بالحقيقة.

النخب الثقافية التي تعمل تحت مظلة المال السياسي تستخدم تأثيرها لتوجيه الشعوب نحو قاع الانحطاط البشري. هذه النخب تعمل في مؤسسات ومراكز أبحاث تُسوّق نفسها كنخب تقود الشعوب، لكنها في الحقيقة تدفعها نحو مزيد من التبعية والتفاهة. هذه النخب تساهم في تغييب الوعي بالانتماء الوطني وتعزز من الانقسامات الطائفية والعرقية، مما يسهل السيطرة على الشعوب واستغلالها.

إن استعادة الوعي الفكري والوطني يتطلب مواجهة حقيقية مع الماضي والحاضر. يجب أن نعي أن مشاكلنا ليست فقط نتيجة لتدخل القوى الخارجية، بل أيضًا نتيجة للخيانة الداخلية والتواطؤ بين الحكام والقوى الاستعمارية. إن إدراك هذه الحقيقة هو الخطوة الأولى نحو التحرر واستعادة السيادة.

إن السوريين ، على الرغم من تشتتهم  وضعفهم الحالي، يتملكون  في داخلهم رغبة قوية في الحرية والتحرر. هذه الرغبة تتطلب قيادة حقيقية ونخباً فكرية صادقة تعمل من أجل مصالح الشعوب وليس من أجل مصالحها الشخصية أو مصالح القوى الأجنبية أو ريالات مموليها ودراهمهم.

تعليق واحد

  1. شكرا اخي نوار
    أنا سعيد إذ اراك تواصل نشاطك الفكري بجد وعمق، زادك الله علما وفضلا، اطلعت على المقالة لكني لا اوافقك اتهام شعبنا بالتناحر الطائفي أصعاف ما حصل في لبنان حسب قولك ، فالذي أشعل فتيل الطائفية هو النظام الذي رأى ان بقاءه مرهون بهذه الطائفية المقيتة
    تحياتي

زر الذهاب إلى الأعلى