العربي الآن

تحرير العقل من الشعارات: الخليج كما هو لا كما صوره البعث

من المعيب أن نكرّر خطاب البعث ونحن ندّعي أننا كسرنا قيوده

بلال الخلف – العربي القديم

وُلدنا في سوريا على مناهج لا تُعلّمنا فحسب، بل تبرمجنا. من عمر الطفولة وحتى لحظة النضج، كنا نتلقى دروساً غير مكتوبة في العنصرية، ودروساً شفوية في كراهية “الآخر العربي”، وخاصةً عرب الخليج. لم يكن الأمر عابراً، بل ممنهجاً؛ جزءاً من سياسة دولة أرادت أن تقنعنا بأننا “ملوك الأرض”، وأن من حولنا، خاصة أولئك الذين يشربون من آبار النفط، ليسوا سوى بدو يشربون بول الجمل ويتغوطون خلف الخيمة.

هذه الصورة لم تكن بريئة، بل مدروسة بعناية. حافظ الأسد، ومن بعده ابن البعث بشار، عملا على ترسيخ هذه النظرة في وجدان السوريين، بهدف فصلنا عن محيطنا الطبيعي، وتوجيه أنظارنا نحو محورٍ آخر أرادوا له أن يكون “عقائدياً” لكنه في الحقيقة كان طريقاً نحو العزلة والانهيار.

لكن العالم تغيّر، وسوريا تغيّرت، ولا بدّ أن يتغير وعينا معها. اليوم، أصبح لزاماً علينا أن نعلّم أبناءنا الحقيقة، لا الخرافة. أن نشرح لهم أن علاقتنا بالأشقاء العرب، وفي مقدمتهم الخليج، هي علاقة مصير، وليست مجرد تحالف عابر. أن نُفهم الجيل الجديد أن مصلحتنا ومستقبلنا مع من يفتح لنا أبواب العلم والعمل، لا مع من يطلب منّا أن نحمل السلاح تحت شعارات طائفية فارغة.

السعودية اليوم تمثّل حلم أي شاب سوري يطمح إلى دولة تحترم الإنسان وتقدّم له الخدمات والتنظيم والتكنولوجيا. لا نتحدث عن الكمال، فلكل دولة عثراتها، لكننا نتحدث عن دولة استطاعت أن تنهض من النمطية إلى الريادة. سواء اختلفت أو اتفقت مع محمد بن سلمان، أحببته أو انتقدته، لا يمكنك إنكار أنه نقل السعودية إلى مكان لم تستطع أن تصله في عهد الملك فهد أو الملك عبد الله أو حتى من سبقهم.

لقد آن الأوان أن نكسر قيد الصورة النمطية المشوّهة التي رسّخها في أذهاننا نظام البعث. أن نعيد رسم علاقتنا مع السعودية والخليج وكل الوطن العربي، لا بناءً على أوهام الماضي، بل على وقائع الحاضر ورؤية المستقبل. فالعقل لا يعرف العصبية، بل يعرف المنفعة، والتاريخ لا يرحم من يصر على العيش في مستنقع الوهم.

لنعلّم أبناءنا أن الانتماء إلى الأمة العربية لا يعني العداء لبعضنا، بل أن نكمل بعضنا. وأنه من المعيب أن نكرّر خطاب البعث ونحن ندّعي أننا كسرنا قيوده. فكرامتنا تبدأ من احترام الآخر، وخاصة ذاك الذي مدّ لنا يده حين أُغلقت الأبواب.

لسنا ضحية رواية، بل صُنّاع روايات جديدة. لسنا أبناء البعث، نحن أبناء الحقيقة والتجربة. جيلنا اليوم أمام فرصة ذهبية لخلع تركة الكراهية والتعالي، وليرى العالم كما هو لا كما أراده الطغاة. فلنُربِّ أبناءنا على أن الخليج ليس عدوّاً، بل أخٌ نختلف معه أحياناً، لكننا نتشارك معه المصير والتاريخ واللغة والمستقبل.

ولنعلِّمهم أن قيمة الإنسان لا تُقاس بموقع الخيمة، بل بما بنته الأيدي وابتكرته العقول. وأن أقصر طريق للنهوض هو احترام من سبقنا على الطريق لا ازدراؤه.

المجد لمن يصحح البوصلة، لا لمن يكرر الخراب. وإن كنّا نحلم بسوريا جديدة، فلنبدأ بعقل جديد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى