(العنصري في غربته) لهيثم حسين: سيرة سوداء للعزلة والعنصرية
من خلال تسليط بقعة ضوء، على مفهوم التنمّر يحاول الكاتب هيثم حسين في كتابه الذي اختار له عنواناً غريباً إلى حدّ ما: (العنصريّ في غربته) تشريح مفهوم العنصرية، بطريقة موضوعيّة متّكئاً بين فينة وأخرى على تحليل ظاهرة التنمّر، وتفريغ خلاصة تجربته في الغربة مبتدئاً بانتقاد ذاته، قبل أن ينتقل إلى انتقاد الشرائح التي تستهدفها مقولة هذا الكتاب، كأمثلة للدرس والتقصّي (وهذا عندي ما أكسبَ محتوى الكتاب مفهوم المحايدة، وأعطاه الفرصة، لتوسيع دائرة البحث).
سيرة ذاتية.. وسيرة للعنصرية
وعلى الرغم من أنّ الكاتب يقدّم محتوى هذا الكتاب على أنّه سيرة، إلّا أنّه يُخْرِجُ هذا المحتوى على صيغة دراسة تشريحيّة في مفهوم العنصريّة، لكأنّي به يساوق سيرته الذاتيّة، بالتوازي مع سيرة العنصريّة.
يشتمل الكتاب على ثمانية عشر فصلاً، ويقع في مائة وأربع وتسعين صفحة من القطع المتوسّط، وقد صدر عن منشورات (رامينا) لهذا العام 2023
يقدّم الكاتب في الفصل الأوّل الذي يحمل عنوان: (صراع الألوان والأهواء) ما يشبه تأريخاً موجزاً، لكيفيّة تشكّل التنمّر المبكر عند الطفل، واستمرار هذه النزعة (النزعة التنمّريّة)، لتّتخذ من العنصريّة لبوساً لها، كلّما تقدّم العمر بالإنسان، مستهلّاً بالنظرة العنصريّة التي يحملها الذكر في أغواره الذاتيّة للمرأة، ثمّ ينتقل إلى نظرة الغنيّ تجاه الفقير، متابعاً إلى نظرة الشاب للرجل المسن، إلى أن يصل إلى البذرة الأولى التي شكّلت العنصريّة بمفهومها الجمعي؛ عنصرية القبيلة، تلك العنصريّة التي تمّ بناؤها على تفاوت المكانة الاجتماعيّة.
ثمّ يشرع الكاتب بتوسيع دائرة الرؤيا، لتشمل النظرة التي يحملها ابن المدينة، تجاه أبناء الأرياف، ليقدّم في النهاية رأيه الذي يدعو إلى تجاوز الهوى، عند بناء الرأي، واحترام الاختلاف القائم، بين الألوان، والأهواء المختلفة، للوصول إلى الشراكة الإنسانيّة.
وبعد أن يُتِمَّ الكاتب توصيف الشكل الأوّل للتنمّر، والسياق الأول للعنصريّة ينتقل في الفصل الثاني المعنون: (ابتسامة ألبيرت) إلى وصف عنصريّة أشدّ خطراً: عنصرية دول اللجوء، تجاه اللاجئين أنفسهم؛ تلك العنصريّة القائمة على التجاهل والاستخفاف:
(عنصريّة مبيّتة كامنة تشهر نفسها في مواضع غير متوقَّعة، تنبعث من رقادها، وتستيقظ من غفوتها، تتجلّى على شكل تجاهل تارة، وفي صورة إساءة، وتحريم بناءً على لون الشعر، أو العينين، أو الشكل تارة أخرى). ص 14 من الكتاب
وتكمن خطورة هذا الشكل ـ حسب ما يرى الكاتب ـ في أنّه لا يقع تحت طائلة القانون، وذلك لأنّها تتجلّى في صورة: (نوع من السلوك الخفّاشيّ، تنتعش في الظلمة، وتنحسر في النور، تتكوّر على نفسها بنوع من سلوك دفاعيّ لا يتخفّف من عدوانيّته، لكنّه يراكمه، ويحتفظ به لحين الحاجة، وللحظة التفجّر المناسبة) ص 15 من الكتاب.
وخلال هذا الفصل يحاول الكاتب ألّا يخرج عن سياقه الموضوعي، حين يصف سلوك شرطيّ من الأقلّيّات يمارس عنصريّته على الأقليّات الأخرى، متسائلاً عن دوره كـ(كاتب)، في تكريس صورة نمطيّة يطلقها العنصريّون المتخفّون بأردية المثقّفين المتحذلقين، إذا أشار إلى الناحية الأقلّويّة، عند هذا الشرطيّ:
(ألا يُحتمل أنّني بإشارتي إلى أصله، أو عرقه أنضمّ إلى صفوف أولئك الذين يقومون بتأثيم الشعوب، وتجريمها بناءً على سلوكيّات بعض أفرادها الذين يمثّلون أنفسهم، ولا يمثّلون عرقهم، أو المكان الذي ينحدرون منه؟) ص 17من الكتاب.
ثمّ يعمد الكاتب إلى إقفال دائرة هذا الفصل بتوصيف ظاهرة يدعوها: (عنصريّة الانسلاخ) متّخذاً من الشرطيّ ذاته مثلاً عن طريقة معاملته، لأبناء جلدته القائمة على التنمّر، والشعور بالعار من سلوكاتهم متقنّعاً بوظيفته، كشرطيّ يقوم بحماية قوانين البلد الذي منحه هذا الامتياز الوظيفيّ.
ضحايا العنصرية وممارسوها!
في الفصل الثالث الذي اختار له الكاتب عنوان: (بطاقة حمراء)، يتطرّق الكاتب إلى أكثر معالجاته، لمفهوم العنصريّة أصالةً؛ وسأسمح لنفسي باجتراح مصطلح خاص لتسميته: (العنصريّة المضادّة)، وهي العنصريّة التي يمارسها أفراد عانوا طويلاً من الممارسات العنصريّة بحقّهم، فتراكم الحقد داخلهم، حتّى تحوّل إلى سلوك عنصريّ يحاكي ما كان يُمارَس عليهم من عنصريّة، (وهو ما يُدعى في علم النفس: تمثّل الضحية لدور القاتل)، أورد الكاتب قصّةً عن رجل أسود البشرة، ضخم الجثّة (يتجلّى الثراء في لباسه، وسلوكه وملامحه، وحتّى في ماركة سيّارته وموديلها)، قام بركن سيّارته في مكان يعيق مرور سيّارة رجل أشقر الملامح، نحيل الجسد، ضامر الوجه (كان ينتظر خروج ابنه من المدرسة، ليصطحبه بالسيّارة إلى المنزل)، وقد كان هذا الرجل يرتدي كنزة حمراء، ليعبّر عن تضامنه مع السود، واحتجاجه على العنصريّة التي يتمّ التعامل بها معهم، فقد كان المحتجّون يتّخذون اللون الأحمر شعاراً لهم في اليوم العالمي لمناهضة العنصريّة.
غير أنّ ارتداءه للكنزة الحمراء لم يكن، ليكفي كشفاعة له أمام الرجل الأسود المتغطرس الذى عانى أسلافه الأمرّين من ممارسات البيض العنصريّة، وعلى الرغم من أنّ القانون كان إلى جانب الرجل الأشقر، إلّا أنّ هذا الأمر لم يمنع الرجل الأسود، من ممارسة التنمّر الذي ولّدته عنصريّة مضادّة على الرجل الأشقر.
ولكي يقيم الكاتب جسر تواصل واضح، بينه وبين القارئ، فإنّه يبتعد عن أسلوب التخييل الأدبي، ويلجأ إلى سرد الأمثلة بأسلوب مباشر، مبرهناً عن حسّه المسؤول بقوله:
“كيف يمكنك أن تعدّ فنجان قهوة، وتجلس مستمتعاً به في بيتك الذي يحترق بجنون، وكيف يمكنك أن تعدّ قهوتك على حريق بيتك، وتنتظر رفاهيّة تخييل سيناريوهات الإطفاء المحتملة! الحرائق لا تمنحك مهلة للتخييل، ولا رفاهية الانتظار، تسلبك كلّ شيء، وتبقيك رماداً ضائعاً بين أكوام الرماد” ص 25 من الكتاب.
يعالج الكاتب في الفصل الرابع الموسوم بـ: (قضيّة حياة، أو موت) عنصريّة تناقض نفسها بحسب الجنس؛ فالكرديّ الذي يرفض أن تقع فتاة كرديّة في غرام شابّ أفريقيّ، لأنّها ـ حسب زعمه ـ تخون الهوّية الكرديّة، وتهدّد نقاء السلالة الكرديّة، هو ذاته الذي يتباهى بشابّ كرديّ يوقع فتاةً أفريقيّة في حبائل غرامه، بل إنّه ـ أكثر من ذلك ـ يدّعي أن المرأة الأفريقيّة المغتلمة دائماً لا يستطيع إرضاءها سوى فحل كرديّ.
ينتقل الكاتب ـ في سياق الفصل الخامس ـ الذي أطلق عليه الكاتب : (ذو الصليب المعقوف) إلى نوع ملتبس من أنواع العنصرية، وهو ما سأجيز لنفسي أن أدعوه: (العنصريّة المتلوّنة).
بطل هذا الفصل هو شخص يرتدي قلادة تحمل صليباً، كانت وظيفة هذا الصليب تكمن في جعله قريباً من البلد الأوروبّي الذي يعيش فيه، وكان يملك عدداً من العمّال الأكراد، والعرب الذين ـ حسب ما كان يدّعي ـ لم يكونوا يشعرون بفارق في المعاملة، مع أنّه كرديّ، وقد قلّب هذا الشخص ولاءاته بحسب مصالحه، فحين كان يعيش في مسقط رأسه ادّعى القرب من الشيوعيّين، لينفي عن نفسه تهمة التعصّب الدينيّ، وحين هاجر إلى بريطانيا، راح يلبس الصليب، ليصبح قريباً من المجتمع البريطاني المتديّن والمحافظ، غير أنّه راح يعاني من العنصريّة البريطانيّة، رغم ارتدائه الصليب، بسبب ملامحه المتوسّطيّة.
عنصرية اللاجئ تجاه أخيه!
أما في الفصل السادس: (اللاجئون هم الآخرون.. هم الجحيم) فإنّ الكاتب يوصّف عنصريّة اللاجئ، تجاه أخيه اللاجئ من جهة، وعنصريّة بلدان اللجوء تجاه اللاجئين،
مستحضراً في الشقّ الأوّل حواراً مع سيّدة إنكليزيّة:
“قالت لي إنّكم فيما بينكم تنظرون إلى بعضكم، كتقسيمات من أماكن مختلفة، ومن قوميّات وطوائفَ متناحرة، لكنّنا ننظر إليكم جميعاً من ضفّتنا التي تبقيكم في الجهة نفسها، لا نرى اختلافاتكم إلّا بعد التعمّق في التعامل معكم، بحيث تتكشّف لنا الفروقات الفرديّة في الشخصيّات، ويبدأ التعارف عن قرب، بعيداً عن أسوار الضفاف البعيدة، والجهات المحصّنة بأفكار مسبقة” ص 41 من الكتاب.
وفي الشقّ الثاني تجارب دول اللجوء، في التعاطي مع شأن اللاجئين من قبيل:
ـ سياسة بريطانيا، في استغلال اتفاقيّة البريكست
ـ ونظرة اللبنانيّين لللاجئين السوريّين.
ينتقل الكاتب في الفصل السابع إلى القول في إرهاصات التاريخ الأسود للعنصرية، حيث يعالج في هذا الفصل الذي وضع له عنوان (جسور تجاريّة) مسألة عصريّة الأقلّيّات ـ أو بالأحرى أولئك الذين (يتقنّعون بأقلّويّتهم)، تجاه رموز من الماضي مستحضرين تاريخهم، ليحقّقوا مصالح شخصيّة لا تمتّ للكفاح ضدّ العنصريّة بصلة، فيأخذوا بتحطيم تماثيل تلك الرموز، وكأنّ هذه الخطوة تكفي، لمحو تاريخ طويل من الظلم الذي تعرضت له البشرية، على يد تلك الرموز، حسب زعم التاريخ المكتوب،
وحين يصل الكاتب إلى الفصل الثامن يشرع بإلقاء الضوء على مفهوم (عنصريّة الجدار العازل)، فيصوّر مفهوم الشعبويّة المتمثّلة بالأنظمة الشموليّة التي تشيطن الآخر، وتقيم جداراً بين المواطنين، وبين التمازج الحضاري مع الآخر، تحت ذريعة الأمن، والأمان، والنقاء المزعوم، مروّجين لوهم المقولة الزائفة: (الآخر هو الجحيم)، ليجد الجميع أنفسهم أسرى في (مزرعة الحيوان) في استحضار ذكيّ لرواية جورج أورويل.
في الفصل التاسع المعنون: (أمجاد لغويّة) يتطرّق الكاتب إلى شرك اللغة الكامن في هويّة الكلمات ودلالاتها، فهو يرى أن كلمة (إرهاب) عند ضفّة معينة من الناس تصبح (بطولة)، عند الضفّة المقابلة، وكلتا الضفّتين يستخدمها في توصيف الفعل ذاته، حسب زاوية رؤيته التي تتّسق مع أيديولوجيّته السياسيّة، أو إثنيّته، أو انتمائه، أو أفكاره، أو تصوّراته، وهكذا فإنّ اللغة تسهم في لعب دور عنصريّ بالغ الأثر، حين يتمّ توظيفها، حسب أهواء الناس ومعتقداتهم.
حصار الموت، والمنفى الذاتي!
حين يتحالف الموت والعنصريّة على المغترب يزداد إحساساً باغترابه وعزلته؛ هذا ما يحاول الكاتب قوله في الفصل التاسع الذي يحمل عنوان: (حصار الموت)
فهو يعيش غربةً مركّبة داخل غربته: غربة المنفى، وغربة الكاتب، وغربة الإنسان الذي يكثّف موت الأحبّة من شعوره بها، ويصوّر ـ في الوقت ذاته ـ غربة صديقه الذي كان مدير دائرة حكوميّة محترماً نظيف اليد في بلد، يمكن أن يتسامح حكّامه في أيّ شيء، سوى نظافة اليد، ثمّ هاجر إلى ديار بكر، ليعمل عتّالاً، ويذوق من ألوان السخرية – القائمة على العنصريّة الجسديّة المبنيّة، على ضعف بنيته العضليّة ـ الشيء الكثير إلى أن ينتقيه الموت.
أمّا في الفصل العاشر: (حين تتحوّل المنافي إلى أوطان بديلة)، فإنّ الكاتب يعالج مفهوم المنفى الذاتيّ، فهو يرى أن أوطاننا، حين تنزع عنّا هويّة المواطنة، عبر ممارساتها القائمة على التجهيل، وقهر الإرادة، فإنّها تصنع منّا نسخاً منفيّةً عن انتماءاتها إلى ذواتها، وتجعلنا نرى في (بلاد الغربة) أوطاناً بديلة.
ينتقل الكاتب في الفصل الحادي عشر إلى الحديث عن الكتب كـ(ملاذات) تخفّف من وطأة الغربة والعزلة، وتوسع ـ في الوقت ذاته ـ أفق الرؤيا عند الأشخاص الذين يعيشون تجربة المنفى، فيصبح مفهوم الوطن، بالنسبة إليهم أكثر رحابةً، ويصبح مفهوم الغربة مغايراً للتصوّرات المسبقة التي تمّ تلقيننا إيّاها بشكل مضلّل.
في الفصل الثاني عشر يغوص الكاتب في شؤون اللغة متّخذاً مذهباً ينحو صوب علاقتها بالوطن والمنفى.
تحت عنوان (في بحر اللغة) يتحدّث الكاتب عن تلقّيه للّغة العربيّة في سياقين:
ـ الأوّل: تمارسه السلطة وذيولها على الأكراد، كأداة للعنصريّة، لتفرض عليه أن يتقرّب من السلطة، وينعم بالمناصب.
ـ والثاني: يمارسه مدرّسون متميّزون، ليجعلوا اللغة رسول حضارة، وتمازج ثقافي،
ولكنّه يجد هويّته في كلتا اللغتين:
“كغيري من المنتمين إلى أكثر من ثقافة، ولغة وحضارة، أجد نفسي محظوظاً بهذا الثراء الإنسانيّ، فأنتمي إلى العربيّة، بقدر انتمائي إلى الكرديّة، وهذان الانتماءان يرسمان لوحة حياتي كلّها” ص 137 – 138 من الكتاب
خيانة المكان!
في الفصل الثالث عشر ينتقل الكاتب إلى وصف علاقته بالكتابة، إذ إنّه يرى فيها ملاذاً أميناً، لتفريغ هواجسه، وكسر حدّة العزلة والغربة، وبما أنّ التخييل يمكن أن يمنح للكتابة أفقاً أوسع، لابدّ إذن من مراكمة القراءات التي يرى فيها الكاتب وصفة مضمونة، لإذكاء عنصر التخييل.
ثمّ يتساءل الكاتب في الفصل الرابع عشر عن مفهوم (خيانة المكان)، بعد أن حوّلته ظروف الحرب والاغتراب (أقصد هنا الكاتب) إلى “كائن أونلايني” يتسقّط أخبار الوطن، من خلال الإنترنت، يتساءل إن كان هو من قام بخيانة المكان، أم حكّامه الذين فرضوا عليه خيار المنفى، ليضمن مستقبلاً أكثر إشراقاً لابنتيه.
يسلّط الكاتب الضوء في الفصل الخامس عشر على فترة انتشار وباء كورونا وإرهاصاته، من وجهة نظر مختلفة، من زاوية رؤيا مغايرة، فهو يرى أنّ هذا التوقّف المؤقّت للنشاط الصناعي البشري (خدم البيئة، ومنح المناخ رئات للتنفّس)، كما أنّه منح الناس مزيداً من الوقت للقراءة، والكتابة، وكذلك مزيداً من الوقت للترفيه المفقود، كمشاهدة الأفلام السينمائيّة، والاستماع إلى الأغاني التي اشتاق إليها كلّ منّا، وافتقدها، كما أنها ساهمت في توهّج الحسّ الإنساني:
“الجائحة حوّلت الجميع إلى لاجئين، وإن كان ذلك بصفة مؤقّتة، لكنّ الشعور سيدوم طويلاً، عساه يساهم بإعادة بناء الأمل من جديد، بأنّ معاناة المضطهدين، والمسحوقين والمظلومين، واللاجئين ستحظى باهتمام أكبر، باعتبار أنّ الإحساس بها يفرض إحساساً بالمسؤوليّة إزاءها، لتبديدها والتخفيف من وطأتها القاهرة.
كورونا دشّن بداية تغيير عالميّ، ومن المأمول ألّا يكون القرار الأخير فيه للشعبويّين والعنصريّين الذين يجدون زخماً فيه، يمكن أن ينعش آمالهم، بالانغلاق على الذات، واستعداء الآخر أكثر فأكثر” ص166 .
من أنت أيها الكاتب!
ثمّ تتجلّى موضوعيّة الكاتب، في الفصل السادس عشر الذي عنّونه: (من أنت أيّها الكاتب)، حين يكشف للقارئ عن شعوره بعنصريّته الذاتيّة، وطريقته في قبول نفسه، ومن ثمّ محاولة التصالح، مع مكامن عيوبه باللجوء إلى الكتابة، بالذات مشروع روايته التي يطمح إلى تأليفها عن موضوعة العنصريّة، والتي وضع لها عنواناً أوّليّاً: (العنصري)، غير أنّه يرى نفسه أصغر، من أن يكون مؤثّراً في كتلة العنصريّة المتراكمة عبر الأزمنة:
لست أجد كلمات أختم بها هذه القراءة في سيرة (هيثم حسين)، سوى ما اقتبسته من السيرة نفسها، تاركاً لمَن يودّ أن يقرأ الكتاب الحكم عليه بنفسه:
(الكتابة ليست علاجاً، إنّها لعنة جميلة على الكاتب التعايش معها، ولا تظنّ أنّها درب للخلاص، فالكاتب عالق في متاهتها، يعيد الدوران حول نفسه، يطارد ظلّه، يظنّ نفسه أنّه يقدّم كشوفات للآخرين، وأنّ عليهم تقديس ما يجود به من إعجازات، لكنّ هذا وهمه، وضلاله، وإن شئت جزء من غبائه، عليه أن يتحلّى بالتواضع، وأن يصفع نفسه بكلماته، ولا يلقيها كأنّها أحكام منزلة من السماء. الحكايات لا تشفي ولا تعظ، هي أدوات للتلهّي وتضييع الوقت، الحكايات في أذهان أصحابها فقط قادرة على التغيير) ص 181 من الكتاب.