وحدة في غفلة
في سبتمبر الحالي يكون قد انقضى 62 عاماً على انقلاب 1961 الذي أنهى حكم الجمهورية العربية المتحدة، التي لا تزال في وجدان الكثيرين أهم تجربة عربية في التاريخ الحديث؛ لأنها منحت الملايين أملاً بإنهاء التفتت، وإعادة أمجاد الماضي، ونهاية كابوس الهزائم.
إلا أن تلك الوحدة التي استمرت 3 سنوات و6 أشهر فقط، لم تستطع إيقاف مسلسل الهزائم، بل في الواقع هي ذاتها جاءت نتيجة هزيمة الوعي السياسي العربي في ذلك الوقت.
لعلّ الطحشة الثورية هي أصدق تعبير لوصف ظروف قيام الوحدة بين سوريا ومصر. مجموعة ضباط في بلد ديمقرطي لديه رئيس منتخب وحكومة وبرلمان وأحزاب وصحافة حرة قرروا في لحظة حماس وغفلة من السلطة السياسية استجداء الوحدة مع بلد آخر.
بحسب شهادات شخصيات بارزة في تلك المرحلة، حتى عبد الناصر نفسه لم يهضم تلك الطحشة التي قام بها الضباط السوريون دون علم قيادتهم السياسية، لكن من الواضح أن الزعيم المصري استغل ذلك للحصول على تنازلات كبيرة، وبالفعل نُفذت شروطه كاملة، بما فيها حل الأحزاب وتقييد الحريات السياسية، وكان من نتيجة الوحدة أن تحولت سوريا، بعد أن كانت تعيش في مناخ من الحرية والتعددية الحزبية، إلى دولة شمولية وبوليسية.
لم يكن فشل تلك الوحدة، مفاجئاً أو مستغرباً للعارفين وذوي البصيرة، ذلك أنها لم تقم في الأصل على أسس صحيحة، ولا حتى كانت ضرورية في طابعها الاندماجي والمتسرع.
الخلاصة، قاد اندفاع وطيش العسكريين إلى تأسيس جمهورية واهنة وهشة، ما يُفسر ربما التأييد والترحيب الذي لقيه الانقلاب على الوحدة من قيادات كانت من أشد المتحمسين لها.
لم يبق من إرث الوحدة السورية المصرية سوى ذكرى هزيمة أخرى في سلسلة الهزائم والإخفاقات العربية، تضاف إلى أرشيف القصائد والأغاني والأهازيج التي احتفت بها، وربما من غير المستغرب أن إحياء ذكرى الوحدة لا يزال مناسبة سنوية تحتفل بها سوريا وعدد من الأحزاب القومية العربية حتى يومنا هذا.
في مقدمة كتابه “العرب ظاهرة صوتية” الذي نشر لأول مرة عام 1977 في باريس عن مطبعة “مونتمارير”، قبل أن يُعاد نشره في 2006 بواسطة “منشورات الجمل”، يقول المفكر السعودي الراحل عبد الله القصيمي “إن العربي ليرفض الصعود إلى الشمس ممتلكاً لها إن كان ذلك بصمت، ليختار التحدث بصراحة ومباهاة عن صعوده إلى القمر وامتلاكه له، بلا صعود ولا امتلاك”.
_________________________________________
من مقالات العدد الثالث من صحيفة (العربي القديم) الخاص بذكرى مرور 62 عاماً على الانفصال- أيلول/ سبتمبر 2023