العربي الآن

هل تستطيع سوريا تبني سياسة “صفر مشاكل”؟

تواجه الإدارة الجديدة أعباء ضخمة نتيجة تدخلات خارجية تهدف إلى تعطيل أي محاولات للتعافي

جميل الشبيب – العربي القديم

في تصريحات متكررة، أعلن أحمد الشرع، ممثل الإدارة السورية الجديدة، عن نية بلاده بناء علاقات إيجابية مع جميع دول الجوار، وإنهاء سنوات طويلة من الصراعات والخلافات. يهدف هذا التوجه إلى إرساء علاقات اقتصادية قوية تسهم في التعافي المبكر لسوريا وإعادة الإعمار.

السياسة النموذجية: “صفر مشاكل”

تبدو رؤية الشرع مستوحاة من سياسة “صفر مشاكل” التي تبناها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عند تسلمه السلطة. ركز أردوغان آنذاك على تصفير المشكلات مع دول الجوار، متجاوزًا الخلافات التاريخية. نجح في تحقيق المصالحة مع الأكراد داخليًا، ومع اليونان وأرمينيا وسوريا والعراق ودول أخرى خارجيًا. كما طور علاقات متينة مع العديد من الدول الغربية والعربية من خلال إبرام شراكات اقتصادية وعسكرية واسعة.

لكن مع اندلاع أحداث الربيع العربي عام 2011، تغيرت توجهات تركيا. تخلت أنقرة عن استراتيجيتها السابقة وبدأت بالسعي لتحقيق مصالحها في ظل الصراعات الساخنة، مما أدى إلى توتر علاقاتها مع العديد من دول الجوار، وعلى رأسها سوريا، بسبب تدخلها المباشر في الحرب السورية لصالح المعارضة السورية.

تحديات تبني سياسة مشابهة

اليوم، وبعد سنوات من الحرب التي أنهكت سوريا وخلّفت دمارًا اقتصاديًا وإنسانيًا هائلًا، يبرز تساؤل: هل يمكن لسوريا تبني سياسة مشابهة تعتمد على تصفير المشكلات وبناء علاقات متوازنة مع دول الجوار؟

الواقع السوري الحالي مليء بالتعقيدات؛ فمن جهة، تواجه الإدارة الجديدة أعباء داخلية ضخمة نتيجة التدخلات الخارجية التي تهدف إلى تعطيل أي محاولات للتعافي. ومن جهة أخرى، يعاني الاقتصاد السوري من انهيار شبه كامل، مما يتطلب رؤية واضحة وشاملة تضمن الحياد بين الأطراف الإقليمية المتصارعة، مع التركيز على الأولويات الوطنية.

إشارات إيجابية

خطوات الإدارة الجديدة بقيادة الشرع تبعث برسائل مطمئنة. الانفتاح الذي أبدته على جميع دول المنطقة والمجتمع الدولي يعكس نية حقيقية لتجاوز الماضي. زيارات المسؤولين السوريين، وعلى رأسهم أسعد الشيباني، إلى دول الخليج، والرسائل المطمئنة التي يقدمها الفريق الحكومي، تشير إلى أن الهدف الأول للإدارة الجديدة هو إعادة بناء سوريا بعيدًا عن التجاذبات الإقليمية، وهو نهج قد يضع البلاد على طريق التعافي.

دروس التجربة السعودية:

تصريحات الشرع تضمنت إشارات إلى استلهام التجربة السعودية في التركيز على الداخل بدلاً من الانخراط في الصراعات الخارجية. نجحت السعودية، بقيادة ولي، في تحقيق إنجازات اقتصادية، اجتماعية، وثقافية جعلتها نموذجًا يحتذى به. قد يكون هذا النهج ملهمًا للإدارة السورية الجديدة لتحقيق الاستقرار والتقدم.

العوائق والتحديات

لكن الطريق ليس معبدًا لا بالورود ولا بغيرها. أبرز التحديات هو احتمال انهيار الوضع الداخلي بسبب التدخلات الخارجية، خاصة من أطراف مثل إيران، التي ترى في نجاح الثورة السورية تهديدًا لمصالحها. قد تلجأ إيران إلى إثارة الفوضى داخل سوريا لتعطيل أي جهود لإعادة الإعمار.

إلى جانب ذلك، يبقى الملف الكردي عالقًا، حيث لم تؤدِ المفاوضات بين الإدارة الجديدة و”قسد” إلى أي نتائج ملموسة حتى الآن، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي والميداني.

في نهاية، ان تجنب سوريا للمشاكل الإقليمية والدولية، والتركيز على تعزيز الاستقرار الداخلي، قد يكون المفتاح لتحريك عجلة التنمية. لكن يبقى السؤال: هل الإدارة الجديدة قادرة على تجاوز هذه العقبات وتطبيق هذه الرؤية بشكل فعّال؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى