الرأي العام

دلالات وقضايا | المخلوع بشَّار الأسد ومستقبل شبِّيحته في المرحلة الانتقاليَّة

يكتبها: مهنا بلال الرشيد

يدلُّ الجذر اللُّغويُّ (خَلَعَ) مع مشتقَّاته على معاني: النَّزْعِ الممزوج بالمعاناة والألم؛ وتقول المعاجم العربيَّة: خَلَعَ يَخْلَعُ خَلْعًا وخلاعة؛ فهو خالع، والمفعول مَخْلُوع وخَليع، وخَلَع سِنَّه: انتزعه من جذوره للخلاص من ألمه، وخلع معطفه: نزعه، وخلع الوالي العاملَ: عزَلَه، وخلع الرَّجل ابنه: تبرَّأ منه، وخلع أوصاله: أزالها، وخلعتْ المرأة زوجَها: انتزعت طلاقها منه بمال تبذله له، أو انتزعت الطَّلاق منه انتزعًا؛ لتفرح بحرِّيَّة الخلاص منه، والحصول على الطَّلاق: وهو أبغض الحلال إلى الله، وخلع الشَّعب رئيسه: أنزله عن عرش؛ فصار رئيسًا مخلوعًا أو خليعًا، وتتقاطع لفظتا المخلوع والخليع ببعض الدِّلالات وتفترقان في بعضها الآخر، وأشهر دلالات المخلوع تشير إلى الرَّئيس المستبدُّ الَّذي رفضه شعبه، ونزعه من عرشه الملتصق به، مثلما ينتزع المريض سِنَّه المنخور بالسُّوس والفساد من جذوره، وبهذا يغدو سِنًّا منزوعًا أو رئيسًا مخلوعًا. أمَّا الخليع: فهي من خَلَع عِذاره أو خلع عذار الحياء؛ أي تهتَّكَ أو انهمك في الغيِّ والفساد دون خجل؛ فخلع بُرقع الحياء، ولم يستحِ، وخَلُع الرَّجل: ترك الحياء، وركب هواه، أو انقاد لهواه وتهتَّك؛ وتقول العرب: إذا لم تستحِ اصنع ما شئت، ويقول النَّاس: (اللِّي استحوا ماتوا) عندما يشاهدون الخلعاء والمخلوعين قد تهتَّكوا، وتمادوا في الغيِّ والفساد دون خوف من عواقب الأمور، ولدينا شاعر عبَّاسيٌّ خليع مثل أبي نواس: وُصِف بذلك لكثرة مجونه وخلاعته.

والشَّبِّيح الخليع: من ألفاظ العبارات الَّتي تطوَّرت دلالاتها في زمن الثَّورة السُّوريَّة ضدَّ المجرم بشَّار الأسد وزبانيته؛ وتدلُّ لفظة الشَّبِّيح: على المرتزق الَّذي يخدم الرَّئيس المستبدَّ قبل خلعه في الجيش أو الشُّرطة أو ديوان الثَّقافة أو ديوان الإنشاء؛ وذلك برسم خطوط ثقافة التَّشبيح والبَلطَجة ضدَّ الشَّعب؛ ليحافظ على موقعه ومكتسباته؛ ويغدو الشَّبِّيح شبِّيحًا خليعًا: حين يلازم رئيسه المستبدُّ أو سيِّده ومولاه حتَّى يخلعه الشَّعب؛ فيفكِّر بالالتفاف على الشَّعب بدعوى معارضته الدَّاخليَّة القديمة لرئيسه المخلوع، ويلتفُّ مع بعض أدعياء الثَّورة ممَّن كان يتواصل معهم خلال تشبيحه؛ فيفيدهم، ويفيدوه، ويشهدون لبعضهم بأنَّهم كانوا جميعًا في طليعة الثَّائرين على الرَّئيس المخلوع، وقد يتحدَّثون عن ملاحم بطولاتهم في ساحات الوغى الخاصَّة بهم أيَّام الثَّورة الأولى، ويستغلُّ الخبيثون منهم علاقاتهم الاجتماعيَّة أو تداخل الاجتماعيِّ بالقانونيِ والأخلاقيِّ والثَّقافيِّ مع ضرورة التَّسامح في مرحلة الانتقال إلى سلطة رئيس جديد؛ فيُقدِّم هذا الأفَّاق والأفَّاك ذلك الشَّبِّيح القديم مناضلًا سرِّيًّا، ويخطِّط الأفَّاق والشَّبِّيح للعودة إلى هذا طاقة الموقع أو ذاك بعد أن لفظه الثَّائرون من بوَّابة التَّطهير الثَّوريِّ، ولو نجحت مثل هذه الخطَّة، يعود السُّوس، وينتقل إلى سِنٍّ جديد؛ فيضطرُّ المريض إلى ثورة أخرى لخلع سنِّه الآخر أو سنَّه الأخرى؛ فتقول العرب: كأنَّك يا أبا زيد ما غزيت!

منظومة تشبيحيَّة (اجتماعيَّة) معقَّدة:

حكمت عائلة الأسد المجرمة سوريا بين (1970-2024) أكثر من خمسين سنة منذ انقلاب المجرم حافظ الأسد حتَّى خلع وريثه المجرم بشَّار الأسد في معركة ردع العدوان، واستطاعت هذه العائلة المجرمة أن تنسج علاقات اجتماعيَّة مع المستفيدين منها، وتشاركوا في الفساد بدءًا من زواج المجرم بشَّار الأسد من عائلة الأخرس (الحمصيَّة السُّنِّيَّة) وزواج أخيه المجرم ماهر الأسد من عائلة أخرى لمدِّ أذرع الفساد والتَّشبيح إلى مفاصل المجتمع والدَّولة كلِّها عبر المصاهرات أو الزَّواج السِّياسيِّ، الَّذي سيحوَّل منظومة الفساد النَّفعيَّة أو اللَّاأخلاقيَّة إلى منظومة المصاهرة الاجتماعيَّة الأكثر تداخلًا وتعقيدًا. وفي الدَّائرة الاجتماعيَّة الثَّانية أو الثَّالثة وراء دائرة عائلة الأسد المجرمة أو وزرائهم ونوَّابهم وأصهارهم قلَّد الماكرون أو الحاذقون في مراقبة سياسة حافظ الأسد وابنه بشَّار سياسته، وراحوا يحوَّلون-مثلهما-منظومة الفساد في كلِّ دائرة حكوميَّة إلى منظومة اجتماعيَّة؛ فبدأ كلُّ فاسد يفكِّر بتحويل مديريَّته أو كلِّيَّته أو قسمه إلى منظومة فساد اجتماعيَّة معقَّدة إمَّا بتوريث المنصب لابنه أو اختيار المريدين والمريدات؛ ليكونوا شركاءه في دائرته الحكوميَّة أو ورثته فيها من بعده، وبدأ بعضهم بانتقاء طلبة الدِّراسات العليا (طلَّابًا وطالبات مريدات) من الأُسر التَّشبيحيَّة المرتبطة بعائلة الأسد أو المستفيدة منها؛ فسوَّر بعض أكاديميِّي الجامعة-على سبيل المثال-أنفسهم بمجموعة كبيرة من الطَّلبة والطَّالبات أو المريدين والمريدات من الأُسر النَّافذة سابقًا، وصار هؤلاء الطُّلَّاب وتلك الطَّالبات مع مرور الزَّمن أساتذة الجيل الجديد؛ لأنَّ عائلة الأسد المجرمة حكمت سوريا أكثر من نصف قرن؛ فبدا هذا الأكاديميُّ الشَّبِّيح الكبير عند طلَّابه (رجلًا وطنيًّا) يحكي في الثَّقافة والجمال والهويَّة الوطنيَّة، وصار ذاك الشَّبِّيح الثَّاني عند مريداته (معارضًا سرِّيًّا للسُّلطة من داخلها) وشيخًا من شيوخ الجمال وشاعرًا وناقدًا حداثيًّا يترقَّى أكاديميًّا، ويستلم رئاسة القسم، وتحصل بناته على خيرات وجوده في الجامعة برغم معارضته (الكيوتيَّة) المزعومة!

ما هكذا تورد الإبل يا (سعد)!

قُبيل انطلاقة الثَّورة السُّورية ضدَّ المجرم بشَّار الأسد سافرتُ للعمل في مدينة جدَّة السُّعوديَّة سنة (2008-2009)، واستفدتُ من اثنينيَّة الأستاذ الفاضل عبد المقصود خوجة ومجالسه الأدبيَّة في المدينة، وعرفت هناك شعر الشَّاعر السُّعوديِّ عبد العزيز خوجة، ووجدتُ عنده معارضات شعريَّة شامخة تستحقُّ الدِّراسة؛ فجهَّزت خطَّة لتقديمها وتسجيلها كموضوع لدراسة الدُّكتوراه في قسم اللُّغة العربيَّة في جامعة جامعة حلب بعد عودتي من مدينة جدَّة السُّعوديَّة وبعد مناقشة رسالة الماجستير في حلب. قدَّمت الخطَّة لسعد الدِّين كليب رئيس قسم اللُّغة العربيَّة في حلب في ذلك الوقت؛ فرفضها رفضًا قاطعًا، وقال لي حرفيًّا: نحن لا ننسى دور عبد العزيز خوجة وموقفه من سوريا الأسد؛ (أي من جريمة بشَّار الأسد)، وقد كان الشَّاعر عبد العزيز خوجة سفيرًا للسُّعوديَّة أثناء استشهاد الرَّئيس الشَّهيد رفيق الحريريِّ في لبنان؛ فحزنت لهذا الكلام كما يحزن أيُّ طالب دراسات عليا يرفضون تسجيل موضوعه لهذه الذَّريعة أو تلك، ويحَّلون بحثه العلميَّ تبعات أيديولوجيا التَّبيح الَّتي يرسمونها بحرفيَّة عالية، لا سيَّما إن كانت ذريعة تشبيحيَّة أيديولوجيَّة خبيثة جدًّا. ثمَّ قدَّمت خطَّة ثانية عن الشِّعر النَّسويِّ السُّوريِّ لمجاراة النَّزعة الحداثيَّة داخل قسم اللُّغة العربيَّة برئاسة سعد الدِّين كليب في جامعة حلب، فوضعت الخطَّة في الأدراج، حتَّى تمكَّنت من تسجيل خطَّة ثالثة سنة 2011، وسافرت للعمل خارج سوريا، وخلال سنوات (2011-2012-2013) تمكَّن بعض زملائي من مواصلة دراستهم ومناقشة رسائلهم، واستشهد بعضهم، وجُنِّد بعضهم إجباريًّا، وهاجر آخرون خارج البلاد، وحزن معظمهم على ضياع مستقبله من بين يديه بسبب عائلة الأسد المجرمة ومن لفَّ لفيفها في هذه الدَّائرة الحكوميَّة أو تلك، وكان عليَّ مناقشة رسالتي سنة (2014)؛ فاعتذرتُ ومدَّدت تسجيلي لعدم رغبتي بالمناقشة في حلب خلال سنة (2014)، وتعذَّرت بعدم وجود سفارة سوريَّة لمنحي جوازًا للسَّفر، لا سيَّما أنَّني أعمل خارج سوريا منذ (2011)، وفي سنة (2015) كان عليَّ أن أناقش داخل حلب، الَّتي حرَّر الثُّوَّار نصفها الشَّرقيَّ، أو يُرقَّن قيدي؛ فيتسرَّب جهدي ومستقبلي وتعبي من بين يديَّ كما تسربَّت وضاعت جهود زملائي أما عيونهم وعيني؛ فسافرت إلى حلب (بهويَّة وأوراق مزوَّرة تكفَّل السَّائق تجهيزها مقابل مبالغ ماليَّة كبيرة جدًّا) عبر طريق (السِّعن-أثريا-خناصر-السَّفيرة)؛ وذلك لأنَّني مطلوب للجهات الأمنيَّة بأكثر من تهمة بحسب نشرة موقع (عكس السِّير)، الَّتي تضمَّ حوالي نصف مليون من أسماء السُّوريِّين المطلوبين للجهات الأمنيَّة، مع أنَّني سافرت خارج سوريا منذ (2011).

مشاهداتي في حلب وعلى طريق السَّفر للمناقشة

زارني بعض الأخوة-الأصدقاء من قرية تلمنِّس في ريف معرَّة النَّعمان الشَّرقيِّ عند عودتي لقضاء إجازتي الصَّيفيَّة في منزلي شرقيَّ معرَّة النُعمان ومناقشة الدُّكتوراه في حلب إن أمكن ذلك، وزوَّدوني بأرقام سائقين يعملون على خطِّ (السِّعن-الحمراء-أثريا-حلب)، فتواصلت مع السَّائق الَّذي تكفَّل بتجهيز أوراق مزوَّرة عليها صورتي، وتحمل اسمًا آخر غير اسمي لنتمكَّن من الوصول إلى حلب مقابل مبالغ ماليَّة كبيرة، لا يقوى على دفعا من لا يعمل خارج سوريا، لكنَّني كنتُ مستعدًّا للمغامرة لرغبتي بمناقشة الدُّكتوراه وعدم ضياع جهدي خلال أكثر من عشرين سنة دراسيَّة.

ركبتْ معنا في السَّيَّارة في ريف معرَّة النُّعمان عروسًا من حلب الشَّرقيَّة ينتظرها عريسها في حلب الغربيَّة، وشاركنا في الحافلة مسافرون آخرون مجبرون على السَّفر رغمًا عن أنوفهم جميعًا، وكان من بينهم شابٌّ وحيد لأمَّه وأبيه، ضربته عصابات المجرم بشَّار الأسد على الحاجز ضربًا مبرحًا؛ لأنَّه لم يتسطع دفع الرَّشوة الكبيرة لهم؛ وقال لهم: أنا شخص وحيد لأمِّي وأبي؛ فاقلوا له: ألا ترى الشُّيوخ والنِّساء والمجاهدون الشُّرفاء من كلِّ مكان يتطوَّعون للدِّفاع عن الوطن؛ فدفع السَّائق عنه لإنقاذه، وتعهَّد للسَّائق بسداد المبلغ بعد الضَّرب والتَّعذيب. كان الجيس السُّوريُّ الحرُّ يسيطر على معرَّة النَّعمان وريفها الشَّرقيِّ، ومن هذه المنطقة توجَّهنا نحو سنجار شرقيَّ معرَّة النُّعمان، وعلى الطَّريق كان صوت المسجِّل عند السَّائق يصدح بأناشيد وقدود حلبيَّة قريبة من أناشيد الموالد النَّبويَّة والغناء الدِّينيِّ، وعندما اقتربنا من سنجار على خطِّ الحجاز القديم وزَّع السَّائق عباءات وجلابيب وأغطية وجوه للنِّساء، وعزل الرِّجال في الأمام داخل السَّيَّارة، وجلست النِّساء في الخلف، وصدح صوت القرآن الكريم دون أيِّ موسيقا، وعبرنا منطقة تسيطر عليها بعض الفصائل الإسلاميَّة، ووقفنا على الحاجز الأخير عندهم قبل الدُّخول إلى مناطق سيطرة ميليشيا المجرم بشَّار الأسد؛ فخطب أحد جنود الحاجز بنا، وتحدَّث عن القضاء والقدر، وأشار لنا إلى طائرة في السَّماء تقصف بالصَّواريخ؛ لكنَّها لا تستطيع فعل شيء غير تنفيذ إراده اله سبحانه وتعالى، الَّذي يتكفَّل بحمايتنا جميعًا، ولا يستشهد إلَّا من يصطفيه الله، ويكرمه بالشَّهادة مثلما حدث مع صديقه الشَّهيد يوم أمس.

الحاجز الأوَّل لمليشيا المجرم بشَّار الأسد

بعد مئة متر تقريبًا انتزع السَّائق العباءات، وجلس كلُّ رجل بجانب زوجته، ووضع السَّائق صورًا لحسن نصر الله والمجرم بشَّار الأسد، وصدح المسجِّل بأصوات أناشيد المقاومة أوَّلًا ثمَّ علي الدِّيك ووفيق حبيب لاحقًا، وبعد مئتي متر تقريبًا استقبلنا جنود المجرم بشَّار الأسد على الحاجز الأمنيِّ؛ فقال أحدهم: لقد وصلتم إلى مناطق نفوذ الدَّولة السُّوريَّة، ولقد نجوتم من الفصائل الإرهابيَّة المسلَّحة، انطلقوا إلى الحاجز الثَّاني؛ ثمَّ وقفنا على الحواجز الكثيرة المتتالية، والَّتي يصعب سرد تفاصيلها المرعبة في مقال أو مقالين، بعض الحواجز تفتِّش النِّساء، وتأخذ الرِّشا منهنَّ، وبعضها الآخر مختصٌّ بتفتيش الشَّباب أو تجنيدهم، وهناك حواجز لتأخذ الرِّشا من كلِّ متخلِّف عن الخدمة في عصابات بشَّار الأسد، وحواجز أخرى تسأل عن ورقة بيان الوضع من شعبة التَّجنيد المختصُّة،  وحواجز تسأل عن المسلَّحين في منقة كلِّ مسافر، وكان البحث عن الرَّشوة هو القاسم المشترك بين الحواجز الأمنيَّة كلِّها، وكلَّما استطاع الجنديُّ اتَّهامك بشيء جديد زادت قيمة المبلغ المطلوب منك، ولو تلعثمت عند أيِّ إجابة أو امتنعت عن الدَّفع حُجزتَ؛ ليصبح الدَّفع بعد الوصول إلى سجن صيدنايا أو تدمر بعشرات آلاف الدَّولارات.

المليشيات الطَّائفيَّة في حلب

عبرنا حلب الشَّرقيَّة؛ كانت أنقاض المباني المهدَّمة بقصف براميل المروحيَّات المتفجِّرة أبرز الملامح الَّتي شاهدناها في أحياء صلاح الدِّين وسيف الدَّولة والفردوس والصَّاخور، حتَّى وصلنا إلى حلب الغربيَّة، استقبل العريس عروسَه من حلب الشَّرقيَّة بعد رحلة دامت حوالي عشر ساعات، ونزلتُ عند صديقي في المدينة الجامعيَّة، وشاهدت شعارات: (فاطميِّين وزينبيِّين وعصائب أهل الحقِّ وغيرها من الشِّعارات الطَّائفيَّة على أكتاف الجنود في حلب بأمِّ عيني)، وكانت السَّيَّارات العسكريَّة والشَّبِّيحة والقوَّات الرَّديفة تعبر المدينة الجامعيَّة بين الآونة والأخرى، تُجنِّد في قوَّاتها الرَّديفة كثيرًا ممَّن تمسكهم من طلَّاب الجامعة، وتضعهم على خطوط الجبهات أشبه بدروع بشريَّة في حيِّ الرَّاشدين وما جاوره. وقد نزلتُ بعد أيَّام لزيارة صديق وصلاة الجمعة بالقرب من حيِّ الرَّاشدين؛ وكان معي صديق يدرس في كلِّيَّة الطِّبِّ، وينتظر الانتهاء من إتمام اختصاصه للسَّفر بعيدًا، فأوقفنا الحاجز الأمنيُّ، وأخذ منِّي هويَّتي الشَّخصيَّة المزوَّرة للتَّفييش أو التَّفتيش، وبحركة غير محسوبة أبدًا، وضع صديقي الطَّبيب يده على قلبي عندما كان الشُّرطيُّ يراجع الأسماء في البطاقات الشَّخصيَّة؛ فشعرتُ بما يشبه الموت؛ كيلا يلفت انتباه الجنود إلينا؛ وبعد قليل سألنا الجنديُّ هل أنتم ذاهبون للتَّظاهر بعد صلاة الجمعة؟ وأرعبنا بأسئلة أخرى، ثمَّ وزَّع البطاقات الشَّخصيَّة، ونمتُ عند صديقي ليلة ليلاء، كان على البناء المجاور قنَّاص يضرب باتِّجاه الثُّوَّار كلَّما تقدَّموا، وتنزل رصاصاته الفارغة على شرفة المنزل الَّذي ننام فيه.

في كلِّيَّة الآداب جامعة حلب

شاهدتُ فارق اسليم الَّذي يكتب عن الزُّهور والسَّوسن في الآونة الأخيرة، وهو يتجوَّل مزهوًّا في كلِّيَّة الآداب في حلب بعد تحريره ممَّن اختطفوه في إدلب بحسب روايته، وتحدَّث في واحدة من الجلسات في أحد مكاتب الكلِّيَّة عن إقناعه المدعوِّ (طلال أطلي) باستلام فرقة حزب البعث أو شعبة حزب البعث في كلِّيَّة الآداب مقابل رعايته لدراسة الماجستير أو الدُّكتوراه مقابل التَّشبيح ضدَّ النَّاس باسم البعث في كلِّيَّة الآداب، وبهذه الطَّريق يكون (طلال أطلي) (مشلح زفر) أو (وجه مقابحة) أو موظَّف بعثيِّ فاسد، يعيِّنه في الخفاء سعد الدِّين كليب وفاروق اسليم، ويناضلون ظاهرًا ضدَّه على مواقع التَّواصل الاجتماعيِّ وأمام المريدين الأغبياء، ويتقاسم جميعهم الغنائم في ليالي حلب القاسية على أهلها المظلومين والمقسَّمين هنا وهناك. وهناك مشاهدات أخرى كثيرة؛ كدويِّ صوت المدافع الرَّابضة في جمعيَّة المهندسين، كانت تقصف حلب الشَّرقيَّة بالتَّعاون مع براميل المروحيَّات وطائرات الميغ الرُّوسيَّة، كذلك تسقط القذائف البدائيَّة ومقذوفات جِرار الغاز بين الآونة الأخرى في حلب الغربيَّة؛ كحيِّ الفرقان والشَّهباء وحلب الجديدة والأحياء الأخرى المحيطة بالجامعة في حلب الغربيَّة.

ما بعد البعثيِّ الأوَّل أو المجرم المخلوع بشَّار الأسد

نشرتُ بعض متابعاتي لمنشورات فاروق اسليم وسعد الدِّين كليب وغفران طحَّان ونذير جعفر وجمال الطَّرابلسيِّ وباقي جوقة الشَّبِّيحة من صفحاتهم على الفيس بوك؛ فاتَّصل بي بعض الأصدقاء، ورووا لي قصصًا من تشبيح بعض المذكورين، وتحدَّث آخرون عن تشبيح غيرهم، واستنكر آخرون هذا التَّشبيح، وقال غيرهم: هل سعد الدِّين كليب شبِّيح؟ إنَّه رجل معارض؛ فضحكت من معارضة سعد الدِّين كليب الكاذبة، وهو الَّذي رفض تسجيل بحثٍ عن شعر عبد العزيز خوجة لدوره ضدّ سوريا الأسد عندما كان سفيرًا للسُّعوديَّة في لبنان (بحسب رواية سعد الدِّين كليب)، وهناك كثير من الخفايا التَّشبيحيَّة الأخرى، الَّتي أدلى ويدلي وسيدلي بها شهود مرحلتها بين الآونة والأخرى، كَمَنْحِ سعد الدِّين كليب لصديقنا الأوَّل على دفعته درجة (59) من مئة لترسيبه في دبلوم الدِّراسات اللُّغويَّة العليا؛ لطرده من جامعة حلب إلى مكان آخر، من أجل تعيين مريدة من مريدات سعد الدِّين كليب مكانه في القسم، وكذلك يتواصل فاروق اسليم وطلال أطلي وأصدقاء سعد الدِّين كليب وغفران طحَّان الآن لمعرفة مستقبلهم ومستقبل تشبيحهم في حلب وسوريا، وما هذه القدرة على التَّواصل إلَّا نتيجة لتداخل الاجتماعيِّ بالتَّشبيحيِّ بالثَّقافيِّ داخل سوريا البعث، الَّتي أسَّس المجرمان حفاظ الأسد وابنه بشَّار لهذا النَّموذج من الفساد والنَّخر الاجتماعيِّ فيها.

هل هذا الوقت مناسب لمثل هذه الأحاديث أو الوقت للتِّسامح ويا دار ما دخلك شرٌّ؟

بالطَّبع ليس الوقت للانتقام، ولا للتَّسامح أيضًا، بل الوقت لوضع النُّقاط على حروفها، ولمواجهة الشَّبِّيحة بأدوارهم الخبيثة في تفتيت النَّسيج الثَّقافيِّ والاجتماعيِّ في سوريا أيَّام المخلوع بشَّار الأسد، وبعد المتابعة والتَّدقيق والتَّحرِّي بعيدًا عن شهادات الشِّلل الثَّقافيَّة التَّشبيحيَّة ببعضها، وبعيدًا عن أساطير المعارضة من داخل مؤسَّسات المجرم بشَّار الأسد ستوضع الأمور على نصابها، ولن يؤذى أحد، ولكن في المقابل لن يحلم أحد من الشَّبِّيحة والفاسدين بموطئ قدم لاعتلاء منابر الثَّقافة الحقَّة في سوريا الحرَّة، ومثل هؤلاء الشَّبِّيحة-وبحسب نظريَّة الرَّجل المناسب في المكان المناسب-يمكن إحالة بعضهم إلى التَّقاعد المبكِّر، كما يمكن الاستفادة من بعضهم الآخر، وكلٌّ حسب خبرته؛ سنقيم لهم بيوت (الشَّعر والشِّعر وصناعة الثَّقافة) في البادية مثلما كانوا يفعلون في قرية (أبو دالي) وشارع (بارون في حلب) خلال معركة ردع العدوان، وسوف نستفيد من نضالهم ومعارضتهم الفكريَّة داخل مؤسَّسات المجرم بشَّار الأسد سابقًا؛ في الحقيقة أُخُوَّتنا الإنسانيَّة لهم تدفعنا إلى عدم التَّخلِّي عنهم، ناهيك عن مواهبهم الفريدة، الَّتي تدفعنا إلى الاستفادة منهم؛ ولأنَّ الشِّعر والثَّقافة ضرورة في كلِّ مرحلة؛ ولأنَّهم يستطيعون القيام بمهام فريدة سينشرون الثَّقافة والشِّعر في خيام البادية، الَّتي سنُعِدُّها خصِّيصًا لهم ولجهودهم الفريدة. أمَّا حزب البعث وفِكره الخبيث وقائده المجرم بشَّار الأسد مع المجرمين من عائلته وجوقة قيادته والمجرمين الَّذين ثبتت جرائمهم بالأدلَّة القاطعة فلا نطلب في هذا المقال إلَّا محاكمتهم محاكمة عادلة هم وأعوانهم وأدواتهم ومثقَّفيهم وديوان إنشائهم وجوقتهم الثَّقافيَّة الموبوءة أمام الشَّعب السُّوريِّ الثَّائر؛ وما هذا إلَّا لأنَّ عدالة الدَّولة المدنيَّة القادمة في سوريا الحرَّة سترضي الجميع.

‫3 تعليقات

  1. Pretty section of content. I just stumbled upon your web site and in accession capital to assert that I acquire actually enjoyed account your blog posts. Any way I will be subscribing to your augment and even I achievement you access consistently rapidly.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى