عندما تحول منتخب كرم القدم إلى مكسب من مكاسب الثورة
تحوّل منتخب كان يُنظر إليه سابقًا بوصفه أحد أدوات النظام إلى ظاهرة يعيش معها السوري قصة اعتزاز وطني مختلفة.

جميل الشبيب – العربي القديم
على مدار أسبوعين، كان الشعب السوري عمومًا، والمحسوبون على الثورة السورية خصوصًا، يتابعون بشغف مباريات المنتخب السوري في بطولة كأس العرب. هذا المنتخب الذي خاصمه السوريون الثوريون طوال أربعة عشر عامًا بسبب انحيازه الواضح لنظام الأسد، في وقت كان يُكرَّم فيه من قبل رأس النظام نفسه، بينما كان بعضهم يرفع شعار “فصل الرياضة عن السياسة” بطريقة انتقائية تخدم النظام وحده.
وبكل وضوح، لا نستطيع نحن السوريين الثوريين أن نبرّر أي ممارسات تشبيحية خرجت من أي شخص، ولا يمكن تغطيتها بذريعة الخوف أو أي تبريرات أخرى. فجميعنا كنا نخاف من هذا النظام القذر، ولكننا لم نستسلم. من استطاع البقاء في الشمال السوري بقي، ومن لجأ إلى دول الجوار فضّل اللجوء على البقاء تحت رحمة الجلاد.
ومع ذلك، وأمام ما قدّمه المنتخب في هذه البطولة من أداء مختلف، وجدنا أنفسنا نعيش حالة جديدة وغير متوقعة: حالة فرح واهتمام حقيقي بما يقدّمه الفريق. فقد اجتاز المنتخب دور المجموعات بعد فوزه على تونس وجنوب السودان وتعادله مع قطر وفلسطين. لكن ما كان لافتًا أكثر من النتائج هو أننا اكتشفنا أنفسنا — نحن جمهور الثورة — نشجّع هذا الفريق بلا وعي تقريبًا، الفريق ذاته الذي كنا نخاصمه لسنوات.
ليس لأننا أحببنا لاعبي المنتخب فجأة، ولا لأن الماضي طُوي، بل لأن المنتخب ظهر هذه المرة بشكل مختلف جذريًا. حمل العلم السوري الأخضر، وأنشد النشيد الوطني البديل، وخرج من عباءة النظام ورموزه. لم يعد المشهد الرياضي مرتبطًا بما كان عليه سابقًا، ولم يعد المنتخب يتحرك ضمن رواية النظام أو يخدم صورته.
لقد وجد جمهور الثورة نفسه أمام معادلة جديدة: الرفض القديم كان موجّهًا لا للكرة نفسها، بل لاستخدام النظام للمنتخب كأداة دعائية. أما اليوم، فقد تغيّرت الرموز وتغيّر الخطاب، وظهر المنتخب بصورة أقرب إلى رواية الثورة منها إلى رواية النظام. وهنا بدأ التحوّل الداخلي: صراع بين ذاكرة الخصومة الطويلة ورؤية جديدة تقول إن هذا الفريق — بهذه الرموز — أصبح أقرب إلينا.
ومع كل مباراة، كان هذا التردد يتراجع لصالح شعور طبيعي بالانتماء. شعر السوري الثائر أن هذا المنتخب يمثّله للمرة الأولى، ليس لأنه أصبح “منتخب الثورة” رسميًا، بل لأنه توقف عن تمثيل النظام. هذا وحده كان كافيًا ليجعل الكثيرين يتعاملون معه كشيء يشبه “مكتسبًا رمزيًا” للثورة، أو على الأقل مساحة لا تتعارض مع مبادئها.
وهكذا، تحوّل منتخب كان يُنظر إليه سابقًا بوصفه أحد أدوات النظام إلى ظاهرة يعيش معها السوري قصة اعتزاز وطني مختلفة. لم تتبدّل القناعات السياسية، ولم ينسَ أحد ما فعله النظام، لكن الجمهور وجد نفسه يشجّع لأنه رأى منتخبًا يرفع رايته، لا راية جلاده. وبذلك أصبح التشجيع امتدادًا طبيعيًا للموقف السياسي لا خروجًا عنه، وشعر السوري – ولو مؤقتًا – بأن له فريقًا يمكن أن يمثل اسم “سوريا” كما يريدها هو، لا كما فرضها النظام لسنوات طويلة.