تفاصيل سورية | مدرسة الإسكندرون ومطبخ حافظ الأسد!
غسان المفلح
في الزاوية الأخيرة كتبت عن مدرسة أم العلاء الابتدائية المختلطة في حي التضامن. في الصف الرابع الابتدائي نقلونا إلى مدرسة ذكورية غير مختلطة في حارتنا بالذات، لا تبعد عني بيتنا سوى 100 متر تقريبا. كان خبرا سعيدا بالنسبة لي، مشوار أقل وطين شتوي أقل.
قضيت فيها الصفين الرابع الابتدائي والخامس. هذه المدرسة أيضا كانت عبارة عن منزل كبير من طابقين. كل طابق فيه خمس أو ست غرف، إضافة إلى باحة داخلية تعتبر صغيرة جداً بالنسبة لعدة صفوف. في كل صف 50 طالب أو أكثر. في حارة هذه المدرسة أغلب قاطنيها هم من السويداء وريفها، يعني “دروز” الذين هم الآن أصحاب الكرامة السورية في مواجهة الفاشية الاسدية.
في هذه المدرسة استطعت أن انجح إلى الصف السادس واخذت المرتبة الأولى على الصف، كانت المرة الأولى في حياتي والأخيرة. لكن في هذه المدرسة كنت أنا واصدقائي من أطفال حارتنا مميزين بحكم أن المدرسة في حارتنا نحن. نحن أطفال ثلاث حارات متلاصقة، كنا شلة واحدة، من كل فسيفساء سورية، لكن لم يكن بيننا مسيحي واحد. كما قلت” المسيحيون القادمون إلى دمشق” لا يسكنون في التضامن أو مخيم اليرموك.
في تلك المدرسة كما أذكر تعرفت على صديق من أصدقاء الطفولة والمراهقة اسمه تيسير، يقال على ما أذكر أيضا أن والده كان يعمل في مطبخ حافظ أسد. أقوال أطفال الحارة. توفي في ظروف غامضة على طريق السويداء بعدما تطوع بفرع المنطقة للمخابرات العسكرية. لأول مرة أسمع منه كلمة أنا علوي. كان معنا أصدقاء أيضا طفولة علويين لكنهم لم يقولوا ذلك.
في هذه المدرسة قضيت سنتين في الصف الرابع كان أستاذنا من فلسطينيي المخيم على ما أذكر. كنت أحبه لأنه دوما يبدو عليه أنه شاب “ازعر” غريب… أستاذ مدرسة ويحمل “موس كباس”، ويلعب نرد القمار في الساحات أثناء الأعياد كما شاهدته مرة، ومهتم بالسياسة!
توليفة لا تجدها إلا في مخيمنا، سأفرد لها زاوية خاصة. مرة شاهدته مع فتاة فهربت. في المدرسة. أمسك اذني وقال لي: لا تخبر حدا، لكن “يلي ضرب ضرب ويلي هرب هرب” كما يقول المثل، المدرسة والحارة كلها عرفت أن أستاذنا الاعزب “ماشي مع صبية”، وأنا بالغريزة الطفولية الخبيثة التي تعلمتها من أطفال حارتنا، عرفت أنها البنت التي يحبها، لأنه كان ممسكاً بيدها. مع ذلك هو من جعلني أحب التعليم والمدرسة أكثر. كلما دخل الصف يرمقني مبتسما، ويخرجني إلى السبورة أكثر من غيري من التلاميذ في حل الوظائف، وشخصيته المركبة عاشت في ذاكرتي حتى اللحظة. لاحقا بعد سنوات عرفت أنه اعتقل في سجون الأسدية. مدرس الصف الرابع هذا من شدة اعجابي وتأثري به، حكيت لوالدي رحمه الله عنه. ابتسم وقال لي: “ابني هذا أزعر بس ظريف، المهم عم يعلمكم بشكل جيد، وأنت لا يجوز ان تنشر عنه أي شيء، عيب”. عرفت لاحقا أن والدي اتى إلى المدرسة والتقى بالمدرس ولم أعرف ما دار بينهما من حديث، لكن في آخر السنة الدراسية وهو يسلمني الجلاء قال لي باسما: “سلم على والدك”. وعرفت طبعا من أمي رحمها الله، عرفت بعد بهدلة، لأن والدي كان قد نقل لها حديثي معه!
حدثتكم عنه أيضا لسبب أن في مخيمنا والحارات المحيطة به، كان الكثير من النماذج التي تشبه هذا الأستاذ” الازعر” لكنه لا يعتدي على الناس بل يدافع عنها. نموذج فيه من التناقضات الكثير من زاويا نظر أخرى.
في هذه المدرسة التي أسموها مدرسة اسكندرون أيضا لا مجال للعب مريح في تلك الباحة. فيها أيضا قضيت الصف الخامس، قبل أن ننتقل لمدرسة اسكندرون جديدة في الصف السادس.
هي أيام الزمن الجميل …يصبح الحاضر ماضي و المستقبل حاضر و يحن و يشتاق المرء إلى ماضيه فتلك الايام ذهبت و لن تعود خواطر جميلة تُدغدغ مشاعرنا تُضحكنّا تارةً و تعصر قلوبنا آسىً و ألم حيناً .و لكنني لن أظلم الحاضر و أقول الأيام يلي بتروح ما بترجع…
فلنكن منصفين للحاضر لانه سرعان ما يتحول الى ماضٍ، فلا نبالغ بوصف روعة الزمن الجميل لان زمننا جميل أيضاً وكل يوم نستيقظ فيه ونجد أننا لا زلنا نتنفس ونعيش يجب أن نحمد الرب على الحاضر الجميل لانه سيتحول الى ماضٍ أجمل
دُمت بخير دكتور غسان ……..