سوريا الحلم -3 ألم مأزوم وضمير برسم البيع

مصعب الجندي – العربي القديم
الألم في الواقع السوريّ هو التصاعد المُضمر للإرادات والميول العدوانية الثأرية، قوامها الأساسي مبدأ التمايز بالكراهية، وهذا المبدأ هو الذي فتح الباب واسعاً للشره السياسي وسيطر على مجمل القوى (السياسية/ا لاجتماعية) باستخدام العدوانية الغريزية كمبدأ داخلي لتحقيق التماسك والوحدة ضمن الحالة الاجتماعية أياً كانت طبيعتها (إثنية او طائفية).
يظهر هذا المبدأ بأشكال متنوعة ومعقدة وأحياناً متناقضة، ما أدّى ذلك إلى بلبلة عقول الناس وجعلهم – بمن فيهم نخبهم – في حيرة من أمرهم، ولم يفد من هذه البلبلة إلا جيش المنافقين السياسيين من محترفي المصانعة السياسية: (السياسي المُبتذل، والمقاول الفاسد، والعسكري المتعطش للدماء، والإعلامي المجيّش بعقلية الحزبي التعبوي)، الذين وجدوا في هذه الخلخلة فرصة نادرة لممارسة هوايتهم المفضلة: بيع الضمير، رغم أنهم ليسوا بمنجاة من عذاب تأنيب الضمير كما كل البشر… لكنهم الأقدر على حلّ تناقضاتهم الداخلية ومنغصاتها النفسية والأخلاقية بيسر بالغ وأريحية عالية متّبعين سبلا عدة
أولها: الدعوة البكائية للمألوم والمكلوم والمُضيّع للنسيان الفوري، ذلك أن أي نسيان لما جرى ويجري ويتكرر بالصيغ نفسها، يهدف إعادة تموضع حجم وتسلسل تلك المجريات.
ثانيها: استخدام الخداع الانتقائي في السرديات التاريخية المعاصرة لتحويل الظلم كحق للمظلوم إلى اجترار المظلومية بهدف الاستمرار بفعل الشرّ ومواصلة تسخير آلياته لتحقيق أغراض ومسميات جديدة وإسقاط مُثلٍ عليا بمطلقها ونسبية الخير فيها والتي دفع لأجلها السوريون غالياً (الحرية/الديموقراطية – الحق/العدالة)، وجعل هذه المُثل بضاعة استهلاكية شخصية في سوق بازارات السياسة (محلياً وإقليمياً ودولياً) يمكن بيعها أنّى نشاء ولمن يرغب ويدفع في مزاودات السوق.
أكره السياسة مرغماً وأدين المتعاطين فيها حتى الشرفاء منهم، إدانة إضاعة الفرص متتالية عن صياغة خطاب واضح مؤسساتي بعيداً عن الصياغات السياسية المنمقة (المسلة التي تنخز…) لأنها الابن الشرعي والغير شرعي للخوف وتمايز الكراهية، خطاب واضح يحقق الاجماع الأكبر من السوريين ولا يحدد تفاصيل مستقبل سوريا (الوطن/ الدولة/ الإنسان) فالتفاصيل فيها مزالق الاضطراب والصدم ومحاولات فرض رؤية سياسية وإيديولوجية ما وقبل أن يلتقط السوريّ أنفاسه من تراكم سنين القمع والتدمير والترويع، وبصيغة أوضح انتقال السوري إلى الهدوء.
كعادتي قد أكون مخطأً مع الخطائين، إلا أنها رغبة فرضها ما لمسته يومياً منذ أشهر ثمانية رغم بعض فرح: تقصيرٌ في إدارة الدولة واستلامها على ركامها، وبرأي (أنا مخطئ) يمارس هذا الأمر من الجميع (سلطة وقوى اجتماعية من خارجها) نتيجة عدم وجود أو طرح رؤية واضحة للدولة وكيف تبنى العلاقة بين الدولة والسياسة، هو خلط مأزوم واستسهال إلى حدّ الاستهتار باستخدام المفاهيم (دولة، وطنية، وتشاركية، وأضيف عليها اليوم مركزية ولا مركزية)، أبلغ تشبيه بسيط: الحصان خلف العربة وأنا أضيف الكديش قبل العربة.
ما يصيبني بالكآبة أحيناً أن معطيات تقديم مشروع (الدولة/الوطن/الإنسان) وتسلسل السياق التاريخي لها واضح منذ الانقلاب العسكري الأول 1949 هي بين أيدينا واضحة وقد نختلف حين التفكير بالنتائج فيما أيّها أسبق أو أين نبدأ رغم أن كل بداية هي دمشق….
استخدام مفهوم (قوى اجتماعية) لأنه أشمل عدا عن أن القوى السياسية تعيش حالة تخبط وعدم خبرة نتيجة ضآلة التجربة بسبب سنين القمع.