
أسامة المصري- العربي القديم
أكثر من خمسين ألف قتيل من أهالي غزة كانت كلفة ما سمي بعملية طوفان الأقصى، إضافة إلى تهجير جميع سكان غزة وتدمير معظم المدن والمخيمات والبنى التحتية في القطاع، حركة حماس التي قتل معظم قادتها العسكريين والمدنيين، بعد 18 شهرا من الحرب الإسرائيلية على غزة تقول إن سلاحها خط أحمر ولن تتخلى عنه.
في لبنان وبعد أن وافق حزب الله على اتفاق وقف إطلاق النار وملحقاته مع إسرائيل، حققه بري عبر الوسيط الأمريكي آموس هوكشتاين، وبعد أن قتلت إسرائيل معظم قادة حزب الله من الصف الأول إلى الصف الأخير، ورغم أنه لا يعرف عدد قتلى الحزب، إلا أن مصادر لبنانية قالت إن خسائر الحزب تجاوزت 6 آلاف قتيل معظمهم من العسكريين، إضافة إلى ذلك فإن إسرائيل حولت قرى الجنوب اللبناني ومزارعه إلى مناطق غير صالحة للحياة، وكذلك الدمار الذي لحق بالضاحية الجنوبية التي كانت معقلا لحزب الله وتحولت إلى مقبرة له ولقياداته، يقول الحزب المهزوم بلسان أمينه العام نعيم قاسم أن سلاحه خط أحمر.
غزة التي تئن تحت ضربات جيش الاحتلال، وتعرض القنوات التلفزيونية مشاهد لأهلها وهم يبحثون عن مأوى يقيهم مع أطفالهم، بينما لا نشاهد أي مقاتل من حماس فهم جميعا داخل الأنفاق، والحرب غير المتكافئة تضرب وتقتل وتدمر من طرف واحد، ومعظم أهدافها وضحاياها من المدنيين، ولا نسمع من حماس وقادتها سوى تصريحات مسؤوليها المقيمين في الخارج، التي تتحدث عن الصمود ومقاومة الاحتلال، ويصرون على أنهم منتصرون وأنهم لن يتخلوا عن سلاحهم، لكن اللافت ورغم كل الانهيار لقوات حماس العسكرية، وعودة جيش الاحتلال إلى الحرب من جديد متوعدا بمزيد من القتل والتهجير والتدمير، يؤكد قياديو حماس أن الحركة بخير، فيما يخرج القيادي خليل الحية الذي لا نعرف في أي دولة يقيم، معربدا بالقول إن سلاح حماس خط أحمر.
بالطبع أتت تصريحات قادة حزب الله وحركة حماس، ورفضهم إلقاء السلاح أو تسليمه، واعتبار الحديث عنه خط أحمر، مترافقة مع المفاوضات الإيرانية الأمريكية حول الملف النووي لإيران، وفيما يظن البعض أن إيران حركتهم لتقوية نفسها في المفاوضات، إلا أن الواقع يختلف تماما عن ذلك، والتمسك بالسلاح ليس سوى محاولة من كلا التنظيمين، للتأكيد على أنهم مازالوا مقاتلون وملتزمون بالدفاع عن المشروع الإيراني، وأنهم سند لإيران في مفاوضاتها مع أمريكا، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فهم بذلك يطلبون من مشغليهم في طهران الدعم المادي الذي باتو بأمس الحاجة له مع الضغط العسكري الإسرائيلي ضد حماس وحزب الله، ومع انقطاع الدعم بفعل التطورات العسكرية ونتائج الحرب في غزة ولبنان.
إضافة إلى أن تحرك سكان غزة ضد الحركة وخرجهم بمظاهرات رفض لها ولممارساتها، وهذا التحرك الشعبي ضد حماس هو الأول من نوعه، فخرج الفلسطينيون يرددون هتافات ضد الحركة “حماس برا”، وهذا أيضا عامل آخر للتمسك بالسلاح لتهديد الشعب الفلسطيني، بسلاحهم الذي فقد أي فعالية في مواجهة القوة العسكرية الإسرائيلية الجبارة.
اثبتت حركة الاخوان المسلمين في جميع أماكن تواجدها أنها غير وطنية ولا يعنيها تراب الوطن بل فقط يعنيها بقاء قادة الجماعة واستمرارها وسيطرتها، واثبتت الوقائع أن هذه الجماعة وكل فروعها مرتبطون بالنظام الإيراني، وحركة حماس هي الوجه الأبشع لهذه الجماعة التي دمرت القضية الفلسطينية ووضعت أهل غزة والضفة في واقع جديد قد يفضي إلى إنهاء القضية برمتها، أضف إلى ذلك فكونها أحد أذرع إيران وحليفة لحزب الله يضعها في خانة أعداء الشعب السوري، ومطلوب من السلطات السورية ملاحقة قادتها، وطردهم من الأرض السورية.
مع كل تحول في المنطقة يتحرك الاخوان المسلمون ضد أوطانهم، فهم حركة عابرة للأوطان ولا تعنيها سوى مصلحة الجماعة وحركة حماس وحربها أتت منسجمة مع سياقها، وما كشفه الأردن عن مؤامرة الاخوان المسلمين ضد الدولة الأردنية، ووقوف حماس إلى جانب العصابة الاخوانية ومطالبتها بالإفراج المعتقلين، إنما يؤكد أن إجرام هذه الجماعة لا حدود ولم تكتف بتدمير القضية الفلسطينية، بل تطمح إلى تعميم الفوضى في الأردن، نزولا عند الرغبة الإيرانية التي طالما حاولت زعزعة استقرار هذا البلد الصغير، وليس من المستبعد أن تتحالف هذه الجماعة الإرهابية (الإخوان المسلمين) مع فلول نظام الأسد لإثارة الفوضى في سوريا أيضا، فحماس أحد أهم الأذرع الإيرانية وحليف قوي لحزب الله اللبناني، وكذلك حركة الجهاد الإسلامي، ومهام هذه التنظيمات التي حددتها إيران لها هو القضاء على كل أمل بمستقبل أفضل لشعوب المنطقة، وهذا بالفعل ما عملت عليه حركتي حماس والجهاد الإسلامي في غزة طيلة فترة سيطرتهما على القطاع وإلى الآن، وكذلك حزب الله في لبنان.
في لبنان حيث انقلب ميزان القوى السياسي لصالح القوى الوطنية اللبنانية مع انهيار حزب الله أمام الضربات العسكرية الإسرائيلية، وانتخاب رئيس للبنان لأول مرة لا يخضع لحزب الله وحلفائه وتشكيل حكومة وطنية، خاصة أن العهد جديد تعهد بترميم وإعادة بناء الدولة اللبنانية التي أنهكها فساد حزب الله وسطوته، وبعد أن أحنى قادة الحزب رؤوسهم أمام القصف الإسرائيلي لقراهم وبيوتهم، خرج أمينه العام نعيم قاسم وبقايا قادة الحزب، قبل أيام ليقولوا أنهم لن يسلموا سلاحهم، وأن سلاحهم خط أحمر، بالطبع على نفس أرضية موقف حماس، في محاولة للتأكيد على أنهم مازالوا جزءا من المشروع الإيراني ويجب أن لا تتخلى إيران عنهم كما فعلت مع الحوثي مؤخرا، إن افلاس وهزيمة حزب الله دفع قادته للتمسك أكثر بإيران وسلاحه، وتراجع السفير الإيراني في بيروت عن تصريحاته التي أدان فيها تجريد حزب الله من سلاحه، سيدفع قادة الحزب لإظهار التشدد أكثر بالسلاح، وهو بالطبع يحاول أن لا يسلم سلاحه ليبقى مسيطرا ومهددا الشعب اللبناني الذي يرفضه بالمطلق.
إيران عندما أسست هذه الميليشيات أرادتها قوات عسكرية مسلحة تنفذ اجنداتها بقوة السلاح، وليست أحزاباً سياسية، ومن هذا المنطلق فإن هذه الميليشيات لن تعترف بهزيمتها أمام إسرائيلٍ، ولو كلفها تدمير قطاع غزة بالكامل وتهجير سكانه، وكذلك حزب الله الذي ليس لديه مانع أن يدمر لبنان بالكامل، فهو مع كل هزيمة يصعّد ويتمسك بسلاحه، فهذه الميليشيات إن تخلت عن سلاحها انتهت، وفقدت دورها ووظيفتها كذراع عسكري، وإذا تحولت إلى أحزاب سياسية ستسقط قبل أن تأخذ ترخيصاً بذلك، إضافة إلى ذلك فإن هذه الميليشيا تراهن على فشل المفاوضات النووية وعدم التوصل إلى اتفاق ايراني أمريكي، وهذا ما يجعلها تتشدد بمواقفها في محاولة للاستفادة من عامل الوقت حتى آخر لحظة، رغم وضعية الإفلاس الكاملة التي وصل إليه كلا التنظيمين الإرهابيين.