روجيك أو "ذات يوم": أسرى داعش بمواجهة الكاميرا
بقلم: أحمد صلال
من خلال مقابلات مع مقاتلين سجناء لدى الوحدات الكردية، من جماعة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، يُظهر فيلم “روجيك” وهي كلمة كردية تعني “ذات يوم” الوجه الإنساني للجهاد، والحياة التي تحاول استئناف دورتها في كردستان سوريا. ولكن تبقى حياة سوريين آخرين بمنأى عن سؤال الحياة، وفداحة القمع والاضطهاد الذي يتعرضون له، كما يتساءل المشاهد للفيلم؟! حيث الأوصال المقطعة لأطفال ونساء ورجال مدفعية، وراجمة صواريخ النظام لا تميز بينهم عن سابق قصد وإصرار، على التراب السوري كافة من درعا حتى القامشلي.
هل تنطفئ النار التي أحرقت سوريا؟ لا يوجد شيء أقل تأكيداً، كما تقترح المخرجة زين أكيول مع روجيك. لا تزال النيران مشتعلة في بلاد الشام، ويحتاج الأمر إلى أكثر من جيش، لإطفاء فكرة مثل الأصولية الدينية، ولكن الفيلم لا يجيب صوتاً وصورة، وحركة كاميرا، من الذي جلب هذه التنظيمات، أليس النظام ومخابراته، أليس النظام هو الذي يحتاج لأكثر من جيش، لإطفاء النار التي أشعلها مجرم الحرب بشار الأسد وطائفته المتكدسة في الجيش والمخابرات والأمن؟.
قال أحد قدامى المحاربين في تنظيم الدولة الإسلامية: “إنها مثل طبق زجاجي، وعندما تكسره تتضاعف الشظايا”. لهجة الرجل ليست حتى تهديداً. إنه ببساطة يعبر عن رؤيته للأشياء، كما سيفعل عشرات الرجال (خاصة) والنساء في هذا الفيلم الثاني، حيث تروي مخرجته الكندية الكردية (زين أكيول)، بعد فيلمها “غولتان أرض الورود” عام 2016 عن الحرب وندوبها والمقاتلات الكرديات. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل من الاحترافية بمكان وضع أسرى أمام الكاميرا، والطلب منهم الحديث في اتجاه السيناريو المتنامي؟ إنه الضحك الأسود، ويذكرني بالبرنامج التراجيكوميدي لتلفزيون نظام الأسد الشرطة في خدمة الشعب الشهير بعبارة “ندمان يا سيدي”.
النهج بسيط يواجه كل من أجريت معهم المقابلات أمام الكاميرا، ووجوههم مؤطرة بإحكام، ويخبرون قصصهم. لا نعرف شيئاً عن هؤلاء الأشخاص، لا أسماءهم، ولا حتى أعمارهم، ولا الأفعال التي سُجنوا بسببها. فقط نعرف أنهم كانوا أعضاء في داعش، ولن نعرف عنهم سوى ما وافقوا على قوله عن مشاركتهم في الحرب، والأسباب التي جعلتهم يختارون مغادرة أوروبا (بالنسبة للكثيرين)، والذهاب للقتال في سوريا، باسم رؤيا معينة للإسلام. لا الكاميرا، ولا القائم بإجراء المقابلة موجودان للحكم عليهم، بل للفهم.
تشكل هذه المقابلات العمود الفقري للفيلم، مقسمة إلى مشاهد من حياة غريبة، بعد الحرب (نقطة تفتيش، تدريب عسكري، زراعة تحت المراقبة، الحياة اليومية في معسكر اعتقال)، ولقطات رائعة تم تصويرها، بمساعدة طائرات بدون طيار. ومن قوة روجيك العظيمة أن يعطي صوتاً لجنود الله البسطاء الذين كانوا يؤمنون بالخلافة التي حلمت داعش بإقامتها. ولا يزال بعضهم يعتقد أن ذلك ممكن، ويعتقد آخرون أنهم كانوا مخطئين.
كاميرا زين أكيول تقدم بلباقة كبيرة، ويتمكن من إقامة اتصال صريح للغاية مع رعاياه الذين ينفتحون أحياناً أكثر مما توقعوا. يتسم أسلوبها بالشفافية، فهي تُظهر للمشاهد بمهارة الجانب السفلي من أسلوبها، كما هو الحال، عندما تحتفظ بخلفية سوداء، بحوار مع أحد الأشخاص الذين أجريت معهم مقابلة، والذي يقول إنها قامت بلقطة ثانية، حتى تتمكن من التعبير عن أفكارها بوضوح.
يمكن انتقاد المخرجة، لعدم تقديم معلومات كافية عن الأماكن، أو الأشخاص الذين تقوم بتصويرهم. أحياناً يكون هذا الغموض مزعجاً، لأنه يترك الكثير من الأسئلة دون إجابة، ومع ذلك، فإن لها ميزة إظهار أن أهوال الحرب يمكن تجربتها في أعماقها خارج نطاق سوريا، وأن هؤلاء الرجال والنساء المجهولين دليل على أن الرعب إنساني.