سوريا: أرض ميعاد اقتصادية جديدة
كان رأس المال السوري في يد فئة ضيقة، ما أسهم في استنزاف الموارد واحتكار الأسواق

سامي زرقة – العربي القديم
على مر عقود في ظل حكم الأسدين، ظلت سوريا تعاني من عواقب حكم استبدادي فرضته الدولة الأسدية على البلاد، ما أدّى إلى تداعيات سلبية على كافة الأصعدة، سواء السياسية أو الاقتصادية.. في هذا السياق، كان وجود بشار الأسد على رأس السلطة سبباً رئيسياً في إعاقة التنمية الاقتصادية ومنع تدفق الاستثمارات الأجنبية والعربية إلى البلاد.. لقد هيمن الأسد على مفاصل الاقتصاد السوري، وساهمت سياساته الاستبدادية في استحواذه على جزء كبير من الموارد الاقتصادية، ما جعل الكثير من الشركات والمستثمرين يتجنبون الدخول في السوق السورية خشية الفساد والمحسوبية التي كانت تطغى على كافة عمليات الاستثمار.
الدولة الأسدية.. احتكار وفساد يعوقان الاستثمارات
طوال فترة حكم الدولة الأسدية، كان الاقتصاد السوري في قبضة قلة من الشخصيات المقربة من النظام، حيث شهدت البلاد تباطؤاً كبيراً في مسار التنمية.. كان رأس المال السوري في يد فئة ضيقة، ما أسهم في استنزاف الموارد واحتكار الأسواق، وعندما حاولت بعض الشركات الأجنبية والعربية التوسع في سوريا، اصطدمت بعقبات قانونية وأمنية معقدة، حيث كانت تلك الاستثمارات تظل رهينة لتحكم النظام وأجهزته الأمنية.
بالإضافة إلى ذلك، كانت السياسات الاقتصادية التي اتبعها النظام السوري تدعم رجال الأعمال المقرّبين منه وتمنحهم الامتيازات في مشاريع استثمارية ضخمة على حساب بقية الفئات الاقتصادية.. هذا الاحتكار أدى إلى إغلاق الكثير من الأبواب أمام الاستثمارات الخارجية، بل وأدى إلى هروب العديد من رجال الأعمال السوريين إلى الخارج بحثاً عن بيئة أكثر استقراراً وأقل فساداً.
التحولات الحالية.. الأمل في استعادة الثقة وجذب الاستثمارات
اليوم، وفي ظل التغيرات التي تشهدها سوريا، يبدو أن البلاد بدأت تشهد تحولاً حقيقياً نحو الانفتاح الاقتصادي وإعادة بناء الثقة مع المستثمرين، سواء من العالم العربي أو الدولي.. إذ بدأت الإدارة السورية الجديدة باتخاذ خطوات ملموسة نحو تحسين بيئة الاستثمار، من خلال إصدار قوانين اقتصادية جديدة تهدف إلى تشجيع الاستثمارات الأجنبية والمحلية، وتوفير حوافز تشجيعية للمستثمرين.
بدأت الحكومة السورية في طرح العديد من القوانين التي تهدف إلى تيسير عملية الاستثمار، ومنها قانون الاستثمار الجديد الذي يمنح المستثمرين العديد من الحوافز، مثل إعفاءات ضريبية، وتسهيلات في الحصول على تراخيص المشاريع، وأطر قانونية أكثر وضوحاً وحماية، وإلغاء الجمارك أو تخفيضها بكشل كبير.. كما تركز هذه القوانين على تحسين البيئة التشريعية وتسهيل الإجراءات الإدارية للمستثمرين، ما يساعد في جذب الاستثمارات بشكل أكبر.
المجتمع الدولي بدأ يستجيب لهذه التغييرات، حيث أعربت بعض الدول الكبرى عن استعدادها لإعادة النظر في علاقاتها الاقتصادية مع سوريا، وفي الوقت نفسه، بدأ كثير من المستثمرين السوريين والعرب باتخاذ خطوات لدخول السوق السورية، خاصة في قطاع البناء وإعادة الإعمار، حيث توجد فرص ضخمة في هذا المجال.
موقع سوريا الاستراتيجي فرصة ذهبية للمستثمرين
تعتبر سوريا، بموقعها الجغرافي الاستراتيجي الذي يربط بين قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا، نقطة ارتكاز هامة في التجارة الإقليمية والدولية.. فالبلاد تعدّ حلقة وصل بين الأسواق الشرق أوسطية وأسواق البحر الأبيض المتوسط، ما يجعلها سوقاً واعدة للعديد من الشركات التي تسعى للتوسع في أسواق جديدة.
هذا الموقع المتميز يعزز من فرصها في جذب الاستثمارات الخارجية، خاصة في مجالات مثل الطاقة، والنقل، والزراعة، والصناعة.. وإذا تمكنت سوريا من استعادة استقرارها السياسي والاقتصادي، فإنها ستتحول إلى قبلة اقتصادية حقيقية لكل من يسعى إلى بناء مشاريع ضخمة أو توسيع نفوذه التجاري في المنطقة.
التحولات الدبلوماسية: فرص التعاون مع العالم
على الصعيد الدبلوماسي، شهدت سوريا تحولات غير مسبوقة، حيث بدأت الدول الغربية والعربية تعيد النظر في مواقفها تجاه الحكومة السورية الجديدة.. من أبرز هذه التحولات هو الاتصال الهاتفي الذي تم بين المستشار الألماني أولاف شولتز والرئيس السوري أحمد الشرع، حيث تبادل الطرفان وجهات النظر حول الأوضاع في سوريا وسبل تعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي بين البلدين.. هذا الاتصال يُعد بمثابة خطوة نحو إعادة بناء الجسور بين سوريا وألمانيا، وهو مؤشر على التحسن في العلاقات بين دمشق والعواصم الأوروبية.
في سياق آخر، جاء اتصال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع أحمد عبد الله الشرع، حيث عرض على الأخير دعوة لزيارة فرنسا في خطوة تعتبر بمثابة تغير في الموقف الفرنسي الذي كان يتسم بالتشدد تجاه نظام الأسد.. هذه الدعوة تعكس رغبة فرنسا في إعادة الانخراط مع دمشق من خلال الحوار والبحث عن حلول للقضايا الإقليمية، وهو ما يفتح المجال أمام فرص اقتصادية جديدة بين سوريا والدول الأوروبية.
دعوات الاتحاد الأوروبي.. إعادة البناء والتعاون الاقتصادي
في خطوة مهمة تعكس الانفتاح على سوريا، وجه الاتحاد الأوروبي دعوة إلى وزير الخارجية السوري لزيارة بروكسل.. تأتي هذه الدعوة في إطار توجه الاتحاد الأوروبي نحو تعزيز التعاون مع دمشق، خاصة في مجالات إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية، يسعى الاتحاد الأوروبي إلى أن تكون هذه الزيارة خطوة نحو وضع الأسس لتعاون مستقبلي في مجالات التجارة والاقتصاد، بما يساهم في تحسين الوضع الاقتصادي في سوريا ويدفعها نحو مرحلة جديدة من الاستقرار والنمو.
فرص الاستثمار.. سوريا الآن قبلة اقتصادية جديدة
بعد سنوات من الحروب والصراعات، بدأت سوريا في إعادة ترتيب أوراقها الاقتصادية من خلال إصدار قوانين استثمارية جديدة تهدف إلى تشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية.. هذه القوانين تقدم ضمانات للمستثمرين وتوفر بيئة تشريعية أكثر شفافية ومرونة، ما يجعل من سوريا وجهة جذابة للاستثمار في العديد من القطاعات مثل الطاقة، والنقل، والزراعة، والبنية التحتية.
الموقع الجغرافي لسوريا، الذي يربط بين قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا، يجعلها نقطة مركزية في التجارة الإقليمية والدولية. كما أن مشاريع إعادة الإعمار التي ستنطلق في السنوات المقبلة تمثل فرصة هائلة للمستثمرين من مختلف أنحاء العالم.
الجزائر.. خطوة نحو تعزيز العلاقات
في إطار تعزيز العلاقات السورية مع الدول العربية، قام وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، بزيارة إلى سوريا في خطوة كبيرة نحو إعادة توطيد العلاقات بين البلدين.. الزيارة جاءت في وقت حساس، حيث تسعى الجزائر إلى دعم سوريا في جهودها لإعادة البناء وتحقيق الاستقرار.. هذا التعاون بين سوريا والجزائر ليس فقط دبلوماسياً، بل اقتصادياً أيضاً، فربما تطمح الجزائر إلى أن تكون شريكاً رئيسياً في مشاريع إعادة الإعمار والتطوير في سوريا.
سوريا في مرحلة تحول كبيرة
تتجه سوريا اليوم نحو مرحلة جديدة من الانفتاح الاقتصادي والدبلوماسي، حيث تتضافر الجهود المحلية والدولية لإعادة بناء البلاد وإحياء الاقتصاد.. بفضل القوانين الاستثمارية الجديدة والانفتاح الدبلوماسي، أصبحت سوريا قبلة اقتصادية واعدة للمستثمرين من جميع أنحاء العالم، ومع هذه التغيرات السياسية والاقتصادية، يبدو أن البلاد على أعتاب عصر جديد من التنمية والاستقرار الذي سيعود بالنفع على الشعب السوري ويعزز من مكانة سوريا الاقتصادية على الصعيدين الإقليمي والدولي.