الرأي العام

خيانة المثقَّف: بين نقطة التَّحوُّل التَّاريخيِّ ونظريَّة زائد واحد

هناك كُتَّاب مرتزقة ومثقَّفون خونة ومحلِّلون مأجورون من صغار الكسبة

د, مهنا بلال الرشيد – العربي القديم

يشير مفهوم نقطة التَّحوُّل التَّاريخيِّ إلى حَدَثٍ مهمٍّ شكَّل مُنعرجًا ملحوظًا، وأسفر عن نتائج مختلفة تمامًا عمَّا كانت عليه الأمور قبل هذا المُنعرج أو قبل نقطة التَّحوُّل هذه؛ ففي مباراة من ساعة ونصف أو ساعتين بكرة القدم، يسهب المحلِّلون كثيرًا في الحديث عن تبديل تكتيكيٍّ أو خطأ دفاعيٍّ أو زَخمٍ هجوميٍّ شكَّل نقطة التَّحوُّل في سيرورة المباراة ونتائجها؛ لكنَّ تحليل ساعة رياضيَّة أو ساعتين أسهل بكثير من تحليل الأحداث التَّاريخيَّة المتشابكة، وإن تشابه هذان التَّحليلان ببعض النُّقاط والجوانب.

يحفل التَّاريخ بكثير من نقاط التَّحوُّل ومُنعرجات الأحداث؛ وتحليل إرهاصات هذه الأحداث وقراءة أسبابها المباشرة وغير المباشرة ورصد تطوُّراتها والوقوف على نتائجها القريبة والبعيدة أكثر تعقيدًا من تحليل مبارة في الرِّياضة أو معركة واحدة من معارك التَّاريخ والسِّياسة؛ وذلك لأنَّ الحقبة التَّاريخيَّة الَّتي يعيش فيها المحلِّل قد تكون حقبة هادئة أو ساكنة أو غير حافلة بأيِّ نقطة تحوُّل أو ليس فيها أيُّ منعرج تاريخيٍّ، وإن كانت تحتوي على نقطة التَّحوُّل أو المنعرج التَّاريخيُّ فقد لا يستطيع بعض المحلِّلين ملاحظتها والوقوف على حيثيَّاتها إن لم يكن مستبصرًا ومتبصِّرًا أيضًا؛ ففي مرحلة سقوط المدن الأندلسيَّة في المغرب العربيِّ عاش كثير من الأدباء والمثقَّفين؛ لكنَّ المغرب العربيَّ أنتج ابن خلدونٍ واحد؛ وذلك لأنَّ إرهاصات الأحداث التَّاريخيَّة، الَّتي تسبق نقاط التَّحوُّل بطيئة جدًّا، وتحتاج إلى وعيٍ كبير وقراءة موضوعيَّة، أو هي بطيئة جدًّا تشبه حركة عقرب السَّاعات في مركز ساعة تناظريَّة أو تماثليَّة في ساحة عامَّة، وقد تمتدُّ هذه الإرهاصات البطيئة حقبة زمنيَّة طويلة، وقد لا يجود التَّاريخ بحدث مهمٍّ لاستبصاره واستنطاقه وتحليله إلَّا كلَّ قرن، وربَّما لا يجود بمنعرج تاريخيٍّ حسَّاس إلَّا كلَّ خمسة قرون من الزَّمن.

إنَّ مراقبة حركة عقرب الدَّقائق ذات السُّرعة المتوسِّطة وحركة عقرب الثَّواني ذات السُّرعة العالية، أسهل من مراقبة حركة عقرب السَّاعات، ويمكن تشبيه حركة التَّاريخ خلال الثَّورات والمعارك المفصليَّة بحركة العقارب السَّريعة. أمَّا إرهاصاتها وتحوُّلاتها وتطوُّر نتائجها فهذه أمور بطيئة يصعب على غير المستبصر تحليلها، ويصعب على غير الحياديِّ ممَّن يخضع لتأثير المال السِّياسيِّ اتِّخاذ المواقف الموضوعيَّة منها؛ ولهذا رأينا كثيرًا من التَّخبُّط لدى أطفال التَّحليل أو مرتزقته من غير القادرين على اتِّخاذ الموقف الواضح من بعض الفصائل الثَّوريَّة في الجمهوريَّة العربيَّة السُّوريَّة، وبعضهم اتَّخذ موقفًا خائفًا أو متردِّدًا أو معارضًا أو رماديًّا مشبوهًا من معركة ردع العدوان ذاتها؛ وهم في قراءتهم هذه ومواقفهم المبنيَّة عليها يشبهون بعض الأطفال، الَّذين يقولون عن حركتي عقرب السَّاعات وعقرب الدَّقائق: (العقرب القصيرة على السَّادسة والعقرب الطَّويلة على الرَّابعة، وهذا يعني أنَّ السَّاعة هي: 6:18 صباحًا، وهو التَّوقيت الَّذي هرب فيه المجرم المخلوع بشَّار الأسد من الجمهوريَّة العربيَّة السُّوريَّة). لكنَّ وإنْ كنَّا لا نستطيع لوم الطِّفل الصَّغير على جهله بقراءة مؤشِّرات السَّاعة التَّناظريَّة الصَّعبة أو عجزه عن تقديم نتائجها بشكل واضح وجليٍّ فإنَّ كثيرًا من أولياء الأمور وأصحاب القرار يستطيعون ردع الأطفال ومنعهم من التَّدخُّل بقراءة الأحداث الكبرى.

هناك كُتَّاب مرتزقة ومثقَّفون خونة ومحلِّلون مأجورون من صغار الكسبة، وبين المثقَّفين أدعياء ثقافة هم عالة على المجتمع والكتَّاب والمحلِّلين، يشبهون الأطفال، ويصعب عليهم ملاحظة حركة عقرب السَّاعات أو فهم الإرهاصات التَّاريخيَّة البطيئة، ويعانون عند قراءة كلِّ حدث بسبب وعيهم التَّاريخيِّ الزَّائف أو بسبب خضوعهم لأيديولوجيا التَّمويل المشبوه في المواقع، الَّتي يعملون فيها أو ينشرون فيها، وإن قرؤوا نتائج توقيت السَّاعة بشكل صحيح بطريقة الصِّغار أو طريقة الكبار، فإنَّ قراءة إرهاصات الأحداث التَّاريخيَّة أو فهم تحوُّلات الأحداث ومنعرجاتها يكشف عن جهلهم أو وعيهم الزَّائف؛ لأنَّ هذه القراءة تنتج عنها المواقف، وكثير من مواقفهم الَّتي اتَّخذوها من تلك الأحداث كانت مواقف مخزية أو شبه مخزية؛ كموقف الكاتب المشكِّك في معركة ردع العدوان، وموقف الدَّاعي إلى الاكتفاء بتحرير حلب أو حلب وحماة فقط، ثمَّ التَّحوُّل إلى الدَّعوة إلى الإسراع بتحرير الرَّقَّة والحسكة ودير الزُّور، وموقف الأكاديميِّ الَّذي فَرِح بأمان مدينة حلب بعد أن هجَّر جيش المجرم المخلوع بشَّار الأسد سكَّانها وسكَّان الرِّيف المحيط بها، بعد أن قتل آلاف الشُّهداء من أجل أن ينعم هذا الدَّعيُّ بجلال الأمن وجمال الأمان، وموقف الدَّعيِّ الآخر الَّذي يجتمع بالمجرم المخلوع بشَّار الأسد، ويتحدَّث معه عن مآلات العيش تحت سقف الوطن مرَّة، والهويَّة الوطنيَّة والهويَّة تحت الوطنيَّة والهويَّة فوق الوطنيَّة مرَّة أخرى، وما إلى ذلك من تهويم يحاول من خلاله المثقَّفون الخونة التَّموضع مع المجرم المخلوع بعد ذرِّ الرَّماد بالعيون للحيلولة دون ملاحظة المراقبين انقياد هذه الجوقة المشبوهة للمجرم بشَّار الأسد أو الموِّل الحالم عزمي بشارة.

خيانة المثقَّف

لم يكن أطفال درعا الأبرياء ممَّن يعرفون المراوغة، أو يجيدون الخيانة، ولا يستطيعون تبريرها أيضًا، ولم يكن بوسعهم إلَّا أن يجسِّدوا نبض الأحاديث الَّتي يسمعونها في بيوتهم؛ فيكتبوها على جدران المدارس: ارحل! جاك الدُّور يا دكتور! نعم، كان أطفال درعا بخلاف كثير من مثقَّفي المجرم المخلوع بشَّار الأسد وكتَّاب عزمي بشارة المجنَّدين ليكونوا أدوات الحالم المؤثِّرة في الجمهوريَّة العربيَّة السُّوريَّة الجديدة. لم يعرف أطفال درعا مع أهلهم (خيانة المثقَّف)، ولم يكن بمقدورهم التَّفكير بتبريها أيضًا؛ على نحو ما فعل بعض الأدعياء حين برَّر لجيش المجرم المخلوع بشَّار الأسد اقتحام حلب وإدلب وتشريد أهلها، وبارك لجيوش الهمج اقتحام هذه المدن؛ فقال: (من حقِّ حلب الجليلة الجميلة أن تنعم مع أهلها بالأمان)، وحين اجتمع الكاتب البعثيُّ الآخر مع المجرم المخلوع بشَّار الأسد، وراح يبحث معه عن مآلات حزب البعث المجرم قبل سقوطه بشهور، وحين اجتمع كتَّاب اليسار وبعض كتَّاب الأخوان المسلمين مع عزمي بشارة وراحوا يعارضون على صفحاتهم معركة ردع العدوان، وراحوا يضعون بعض العصيِّ في عجلاتها؛ ولهذا ومثله قال فلاديمير لينين: (المثقَّفون-ويقصد بهم المثقَّفين المأجورين من الأدعياء-أقدر النَّاس على الخيانة لأنَّهم أقدر النَّاس على تبريرها).

من هنا أيضًا نفهم أسباب ظهور عزمي بشارة للحديث في الشَّأن السُّوريِّ بين آونة وأخرى، ونفهم أسباب تمويله مقالات كثير من الكتَّاب ومنشورات كثير من الإعلاميِّين والمواقع الإعلاميَّة، ونفهم أيضًا أيضًا الكيفيَّة الَّتي يستفيد فيها من مقالات أعوانه ومن نتائج منشورات جنوده أيضًا، وكذلك نفهم أسباب إشادة عزمي بشارة بقوَّة حزب الأخوان المسلمين التَّنظيميَّة العالية عند كلِّ استحقاق انتخابيٍّ في مصر والأردن والجمهوريَّة العربيَّة السُّوريَّة وغيرها أيضًا. وحين يتحدَّث عزمي بشارة عن التَّنظيم العالي لدى الأخوان المسلمين يعني بذلك طبعًا جناح الأخوان المسلمين المرتبط عضويًّا بتمويله المباشر والمرتبط بظهور عزمي بشارة وجنوده وأعوانه على قنواته وفي مواقع نشره. وليس هذا وحسب، بل ينتقد عزمي بشارة اليسار العربيِّ وعدم قدرته على التَّأثير وفي الوقت نفسه يموِّل عزمي بشار معظم (علَّاكي) اليسار الَّذين ينتقدهم، ويدفع لهم على مقالاتهم الخنفشاريَّة وظهورهم الإعلاميِّ المريب؛ ليضع بذلك تحت جناحه كلَّا من اليسار الَّذي ينتقده والأخوان المسلمين، الَّذين يشيد بتنظيمهم العالي، والأخون المسلمون الَّذين يشيد بهم عزمي بشارة هم ذاتهم الَّذين أوقفوا نشاطهم السِّياسيَّ وعلَّقوه ضدَّ المجرم المخلوع بشَّار الأسد بموجب بيان أصدره البيانونيِّ سنة 2010. ولا يريد عزمي بشارة من تمويل الأخوان المسلمين والإشادة بتنظيمهم العالي ودعم بعض (علَّاكي) اليسار مع نقدهم في العلن إلَّا استثمارهم؛ ليكونوا بيادقه وأدواته في البلدان العربيَّة عند كلِّ استحقاق انتخابيٍّ على مستوى انتخابات (المخاتير أو البلديَّات أو أعضاء مجلس الشَّعب والبرلمان وعند تشكيل الوزارات)؛ وذلك لأنَّ الشَّعب العربيَّ مقسوم بين غالبيَّة متديِّنة بالفطرة يستطيع الأخوان المسلمين سرقة أصواتهم الانتخابيَّة من خلال دغدغة عواطفهم الدِّينيَّة عند كلِّ استحقاق انتخابيٍّ، وبين مجموعات (فهلويَّة) يؤثِّر فيها بعض (علَّاكي) اليسار؛ فيسرقون أصواتهم الانتخابيَّة من بوَّابة السَّخط على الواقع أو رفضه أو النَّقمة عليه؛ وبهذا تتحقَّق خيانة المثقَّف (الأخونجيِّ المتديِّن المنقاد دون وعي واليساريِّ العلَّاك المنقاد بسبب السَّخط على الواقع)، وفي المحصِّلة يصادر عزمي بشارة المدعوم بإمبراطوريَّة ماليَّة وإعلاميَّة كثيرًا من أصوات الجماهير العربيَّة المنضوية تحت سُلطة الأخوان المسلمين واليساريَّة السَّاخطة على الواقع وعلى حدِّ السَّواء.

عودة للتَّاريخ بين نقطة التَّحوُّل ونظريَّة زائد واحد

شكَّلت كتابات أطفال درعا على جدران المدرسة تتويجًا لإرهاصات نقطة التَّحوُّل، أو صنعت نقطة التَّحوُّل ذاتها؛ إذ كانت السَّبب المباشر لانطلاق الثَّورة ضدَّ حكم حزب البعث وعائلة الأسد المجرمة، وحكم البعث-كما نعلم-هو نتيجة من نتائج ترسيم خريطة المنطقة بعد اتِّفاقيَّة سايكس بيكو وكلٍّ من الحرب العالميَّة الأولى والحرب العالميَّة الثَّانية؛ أي أنَّ كتابات أطفال درعا على جدران المدرسة الابتدائيَّة أنهت منظومة سياسيَّة سوريَّة وُجدت بعد حدثين عالميِّين كبيرين جدًّا؛ لهذا تُعدُّ هذه الكتابات واحدة من أبرز نقاط التَّحوُّل القليلة جدًّا في الخمس والسَّبعين سنة الأخيرة من تاريخ الجمهوريَّة العربيَّة السُّوريَّة والمنطقة. وخلال سيرورة نقطة التَّحوُّل؛ أي خلال سيرورة الثَّورة السُّوريَّة كانت قراءة الأحداث من قبل بعض المثقَّفين القادرين على تبرير الخيانة قراءة مشوَّشة، وعلى أساس هذه القراءة اتَّخذوا مواقفهم، فمنهم من استطاع فلسفة الخيانة وتبريريها قبحًا وجمالًا وجلالًا؛ فراح يبارك للمدن أمنها بعد تهجير أهليها أو قتلهم، ثمَّ راح يرقص بعد التَّحرير، ومنهم من راح يتحدَّث عن مآلات الثَّورة لصالح حزب البعث المجرم، ومنهم من اصطفَّ مع عزمي بشارة تحت قناع دينيٍّ، ومنهم من اصطفَّ معه تحت قناع يساريٍّ، ومنهم من سانده تحت قناع قوميٍّ أو عروبيٍّ، ومنهم من يبحث عن أُجرة الكتابة فقط، ولم تكن هذه الأقنعة-في مجملها مُقْنِعة-ومنهم من لزم صمتًا له مبرِّراته، ومنهم من اتَّخذ مواقف رماديَّة، ومنهم من جاهر بتأييد الثَّورة أو دعمها أو دعم قيادتها بالسَّلاح أو بالقلم، ومنهم من ساندها ظاهرًا؛ لكنَّه مشى خلف قيادة عزمي بشارة، وبالتَّالي صبَّت جهوده لصالح عزمي بشارة لا لصالح الثَّورة ذاتها؛ وهذا ما تكشف عنه نظريَّة (زائد واحد) التَّاريخيَّة.

تقول نظريَّة زائد واحد في تفسير أحداث التَّاريخ ونقاط التَّحوُّل: يتجادل المتصارعون في كلِّ مجال حيويٍّ، وتتقدَّم عجلة التَّاريخ لصالح الطَّرف الأقوى بمقدار الفائض من قوَّته بعدما نطرح منها القوَّة المتصارعة معها؛ وهذا يعني أنَّ الثُّوَّار ومن ساندهم من الكتَّاب الأحرار كانوا الطَّرف الأقوى، وكانوا يتجادلون أو يتصارعون مع الأطراف المتكالبة ضدَّهم؛ وحين كانت هذه الأطراف المتكالبة هي الأقوى، تقدَّم مرتزقة بشَّار الأسد وجنوده نحو المدن، وبارك الكتَّاب والأكاديميُّون المرتزقة والمثقَّفون الخونة للمدن عودة الأمان لها، وحكَّم مثقَفون خونة آخرون مسابقات أدبيَّة باسم المجرم قاسم سليمانيّ، ووقف مرتزقة وخونة آخرون في مؤتمرات حزب البعث وبجوار المجرم بشَّار الأسد يبحثون معه عن مآلات الثَّورة تحت سقف الوطن المنخفض، وحين توازت قوَّة الثُّوَّار الأحرار مع قوى الأطراف المتكالبة ضدَّهم حدث ما يشبه الاستعصاء، أو ما يشبه توقُّف عجلة التَّاريخ والثَّورة السُّوريَّة عن الدَّوران؛ فعاد بعض النَّاس من المناطق المحرَّرة إلى بيوتهم المحتلَّة من قبل مرتزقة المجرم بشَّار الأسد وميليشياته الطَّائفيَّة بسبب الفقر أو عدم القدرة على العيش في واقع المخيَّمات المرير، لكنَّ هذا الحلَّ لم يكن حلًّا مثاليًّا؛ لأنَّه لا بديل عن حلِّ التَّحرير الشَّامل مع وحدة أراضي الجمهوريَّة العربيَّة السُّوريَّة وسيادتها الكاملة عليها، وهو الحلُّ الأمثل الَّذي وقف ضدَّه بالسِّرِّ والعلن مرتزقة عزمي بشارة؛ أي وقفوا ضدَّ توسيع معركة ردع العدوان لتحرير حماة وحمص ودمشق والسَّاحل بعد تحرير مدينة حلب عند انطلاقتها؛ لأنَّ قائدهم عزمي بشارة يريد لجنوده أن يضبطوا إيقاع المعركة قبل كلِّ تحوُّل؛ ليصير الفائض من القوَّة (زائد واحد) معهم؛ أي لتتقدَّم عجلة التَّاريخ لصالحهم، وليحكموا وزارات الجمهوريَّة العربيَّة السُّوريَّة أو مفاصلها القايديَّة بما لديهم من فائض القوَّة أو زائد واحد الَّذي يصبُّ لصالحهم إذا استطاعوا ضبط عجلة التَّغيير؛ لكنَّ الثُّوَّار الأحرار في معركة ردع العدوان لم يأبهوا بهم، ولم يلتفتوا لتحليلاتهم أو مواقفهم؛ فتقدَّموا في المعركة، وأجبروا مرتزقة عزمي بشارة على إعادة التَّموضع بين الأحرار مجدَّدًا بعدما عرفوا أنَّ عجلة التَّاريخ والفائض الأكبر أو (زائد واحد) الحقيقيّ هو في مصلحة ثوَّار معركة ردع العدوان؛ فراح كلُّ واحد منهم يعيد تموضعه ضمن هذا التَّيَّار الجديد؛ كيلا يجرفه الفائض من القوَّة أوَّلًا، وكي يبحث عن فرصته الشَّخصيَّة بعد انتصار الثَّورة ثانيًا.

يمكنك الآن-صديقي القارئ-أن تقرأ في صفحات كُتَّاب عزمي بشارة على الفيس بوك ومقالات مرتزقته في مواقعه وإعلامه وعلى صفحاتهم في مواقع التَّواصل الاجتماعيِّ الأخرى، وببساطة يمكنك ملاحظة انعكاسات التَّخبُّط في تحليلاتهم وقراءاتهم ليس بين الماضي والحاضر وحسب، وإنَّما بين الآونة والأخرى، أو بين منشور وآخر، يصعب عليك تحديد هويَّتهم الفكريَّة، إن كان لديهم هويَّة أساسًا، أو إن كانوا من مؤيِّدي الحكومة الرَّاهنة أو معارضيها، أو إن كانوا مع المطالب الانفصاليَّة المقنَّعة ببعض العبارات الوطنيَّة أو ضدَّها.

وبرغم هذا يبقى التَّأييد أو المعارضة أو الحياد حقوقًا شخصيَّة واضحة وأصيلة لهم، ولا يمكن لأحد أن يسلبهم إيَّاها في الجمهوريَّة العربيَّة السُوريَّة، وإن كنَّا نطالب بحماية حقوقهم هذه من جانب فإنَّنا نرى من جانب آخر أنَّ منبع هذا الاضطراب في سلوكهم، وهذه التَّقلُّبات في مطالبهم يعود إلى ارتهانهم أو إلى ارتهان كثير منهم إلى مموِّله عزمي بشارة، الَّذي يريد تجميع إعلاميِّين وصحفيِّين ومثقَّفين قادرين على تبرير الخيانة؛ ليكونوا معه وفي جوقته، من أجل السَّيطرة على هذا المجال الحيويِّ أو ذاك بعد تجميع (الزَّائد واحد) وتوجيهه لقيادة الجمهوريَّة العربيَّة السُّوريَّة عندما تسنح لهم الفرصة؛ لذلك يجب أن تسأل نفسك-عزيزي المثقَّف: من أنا؟ وأين أنشر؟ ولماذا أنشر؟ وأين أعمل الآن؟ وهل هناك منابر إعلاميَّة سوريَّة جديدة تغنيني عن الارتهان لهذا أو ذاك؟ ويمكنك قارئي العزيز أن تنظر في المنبر الَّذي ينشر لهذا المثقَّف أو ذاك، يمكنك أن تسأل عن تمويله وأهدافه أيضًا؛ يمكنك التَّساؤل: هل سيسمح أحرار الجمهوريَّة العربيَّة السُّوريَّة لمثل هؤلاء المثقَّفين بينهم بأن يزيد حجمهم؛ ويفيض؛ ليصبح بمقدار زائد واحد؟ من وجهة نظري لن يحقِّق القلم المأجور مكسبًا غير أجوره المادِّيَّة على كتابته وإعجابات الضَّحك والسُّخرية والطَّقطقة والقشمرة على مواقع التَّواصل الاجتماعيِّ؛ أمَّا تجميع القوى لتصبح (زائد واحد) يمكنه قيادة عجلة التَّاريخ وتوجيه السَّيرورة التَّاريخيَّة؛ فهذا شأن الأحرار وحدهم، ولا غاربة أن تلتفَّ بعض الجماهير المولعة بالتَّهريج حول بعض الأقلام المأجورة والمثقَّفين الخونة من أصحاب القدرة العالية على التَّبرير؛ فالجماهير بحاجة إلى مهرِّجين ييقومون بدور التَّهريج بلبوس النَّقد أو السُّخرية أو التَّسلية أو من خلال إقناع المتلقِّي المشغوف بالتَّهريج بأنَّه يقف الآن أمام منظار جُحا المعروف باسم منظار بلادي، الَّذي يميِّز التَّلَّة من الوادي، والَّذي ينظر إلى الأمور من زوايا تهريجيَّة أو نقديَّة مختلفة؛ وهذا ما يفسِّر اجتماع الجماهير الافتراضيَّة في صفحات المهرِّجين وفي لحظة عبور البلاد بين مرحلتين تاريخيَّتين مهمَّتين ومختلفتين تمامًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى