
محمد الشيخ علي ـــ العربي القديم
منذ سقوط النظام السوري السابق، يراهن أحمد الشرع، الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، على إرساء نظام مدني عادل ذي مرجعية إسلامية معتدلة. غير أن مجمل المؤشرات توحي بخلاف ما يُعلن، رغم الزخارف والإصلاحات الشكلية التي أُضفيت على الحكومة السورية، والتي توصَف أحيانًا بـ”حكومة “التكنوقراط”.
يسعى الشرع، من خلال الانفتاح على الولايات المتحدة والدول الغربية، إلى تثبيت أركان حكمه، إلا أن مراقبين يرون أن العقبة الأبرز تكمن في وجود “كتلة صلبة” داخل “هيئة تحرير الشام” (التي كانت تعرف سابقًا بجبهة النصرة)، وهي كتلة لا يستطيع الشرع تجاوزها بسهولة، مما يثير الشكوك في الداخل والخارج بشأن مدى استقلاليته وقدرته على تحقيق إصلاح حقيقي.
أما إذا نظرنا إلى التعيينات التي أجراها الشرع، فسنجدها في الغالب ذات لون سياسي واحد، مع بعض التنوع الشكلي، لكنها تفتقر إلى الصلاحيات الكاملة، مما يضعف مصداقية تلك التغييرات.
ويذهب بعض المراقبين إلى ما هو أبعد من ذلك، إذ يؤكدون أن حتى وزراء الاقتصاد والمالية والتعليم، وغيرهم من الشخصيات غير المنتمية للهيئة، لا يتمتعون باستقلالية حقيقية، حيث تُمارس ضغوط مباشرة عليهم من قبل “مجلس الشورى” التابع للهيئة، والذي يهيمن على القرارات الحكومية والمخرجات السياسية.
حماية المجرمين في ظل النظام الجديد
من اللافت أيضا وجود شخصيات متهمة بجرائم سابقة تحت مظلة الحماية الرسمية للنظام الجديد، مثل “محمد حمشو وفادي صقر” وغيرهما، بل وتجاوز الأمر القادة المعروفين إلى عناصر قاتلت إلى جانب النظام السابق، وقد شوهد بعضهم ضمن أجهزة الأمن العام.
أما على الصعيد الاقتصادي، فقد روج النظام الجديد لفكرة أن بعض رجال الأعمال والمسؤولين السابقين هم “وكلاء” لبشار وأسماء الأسد، ولا تزال بأيديهم مفاتيح ممتلكات وأصول لا يمكن استعادتها أو إدارتها بدونهم. ويذهب كثير من السوريين إلى اتهام الحكومة الحالية بأنها تستفيد ماديا من هؤلاء، إذ إن كل فرد منهم دفع “المعلوم” مقابل ضمان بقائه تحت حماية النظام الجديد، أما العناصر الأخرى فهم غالبًا من الأقارب أو المحسوبين على شخصيات نافذة داخل هيئة تحرير الشام.
قد يذهب البعض إلى القول بأن إطلاق الأحكام المسبقة على دولة ناشئة في مرحلة التكوين يعد تسرعا، إلا أن مؤشرات الواقع، خاصة ما يتعلق بالتعيينات في المؤسسات العسكرية والمدنية، تُثير الريبة وتشير إلى غياب الجدية في نقل سوريا إلى بر الأمان.
التحرير وهامش الحريات
لا شك أن هناك مساحة ملموسة للنقد، حتى على بعض الوسائل الإعلامية التابعة للحكومة، وهو ما يُعزى للهيئة ودورها في إسقاط واحد من أعتى الأنظمة القمعية في العصر الحديث. لكن هذا وحده لا يكفي، فالأشخاص الذين يتولّون المسؤوليات اليوم هم من سيرسمون ملامح الدولة القادمة ويُحددون طبيعة نظام الحكم، خاصة وأننا في *مرحلة التأسيس*، وهي المرحلة الأخطر والأكثر حساسية في تاريخ الدول.
الشرع.. بيضة القبان
المتابعون لمسار تطور جبهة النصرة، بقيادة الرئيس الحالي أحمد الشرع (المعروف سابقا بأبي محمد الجولاني)، يجمعون على أن الرجل يمتلك قدرة سياسية عالية على احتواء الهيئة ودمجها في نظام مدني جديد. فتاريخه يظهر نجاحه في فك الارتباط بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ومواجهة زعيمها أبو بكر البغدادي، ثم الانفصال عن تنظيم القاعدة، مرورا بتأسيس “جبهة فتح الشام”، وصولًا إلى إعادة تشكيلها تحت اسم “هيئة تحرير الشام”، ومن ثم الانخراط في مشروع حكم مدني.
ويضيف آخرون أن من استطاع إقناع المجتمع الدولي لاحقا بإمكانية تجاوز الأسد، رغم الفيتو الغربي الأمريكي الخفي السابق على إسقاطه، لا بد أنه يملك خطة لدمج الهيئة ومكوناتها داخل مؤسسات الدولة الجديدة، بما يحقق مصالح الشعب السوري، بمختلف قومياته ومذاهبه.
بين التفاؤل والحذر
في ظل هذه المعطيات، يبقى الشعب السوري رازحا تحت خط الفقر، يترقب نهاية مأساته على أيدي حكومة وليدة خرجت من تحت أنقاض الحرب، تماما كما خرج من تحت حكم الهارب بشار الأسد، في انتظار فجر جديد قد يخرجهم من الظلم، لا ليقعوا في ظلم آخر.