فنون وآداب

القواعد العشرون في الصحافة الرقمية: محاولة جدية شغوفة في زمن الاستخفاف والاستسهال

محمد منصور – العربي القديم

يحمل الشغف بمجال ما، من يمارسه ويعمل فيه إلى أن يسعى للحديث عنه وإعادة رسم ملامحه وخطوطه بصور وأشكال شتى… ولعل هذا ما حمل الصحفي يحيى الحاج نعسان، أن يؤلف كتابه (القواعد العشرون الذهبية في الصحافة الرقمية) محاولا أن يقدم مساهمة تنظيرية توضح القواعد والحدود والآفاق التي تميز الصحافة الرقمية. فيحيى وإن بدأ عمله في الصحافة الورقية من خلال جريدة (بلدنا) قبل اندلاع الثورة السورية بسنوات قليلة، إلا أنه ابن الصحافة الرقمية التي قضى فيها (17) كصحفي ومحرر ثم كمدير لموقع (أورينت نت) على مدار السنوات الثلاث الأخيرة من عمر الموقع والمؤسسة معا. وبالتالي فهو ابن جيل لا يشعر بالحنين للصحافة الورقية مثلنا، ولا لملس الورق ورائحة الحبر ومواعيد الصدور الصباحية التي تجعلك ترى في الصحافة الإلكترونية حالة محدثة وطارئة، حرمتك من طقوس كنت تحبها… ومن هنا يأتي كتابه مشبعا بالانتماء إلى عصر صحافة جديد، يرى مزاياه ويتعمق في ملامحه وخطوطه دون أي مقارنة أو حنين إلى عصر آخر سبقه.

هذه الميزة تعطي مؤلف هذا الكاتب القدرة على الفهم والتحليل والإخلاص لمهمته، بل والغيرة على هذا العهد الجديد الذي يحفل بما يسميه  الكاتب في مقدمته بـ “مفاهيم وممارسات خاطىة في هذه المهنة من غير متخصص يتعدى عليها دون وعي، ويستخف باقتحامها، ومن متخصص لم يعرف أن يجسر الهوة بين التنظير في الجامعة، وبين الواقع والممارسة العملية للمهنة”  والحقيقة أن هذه الكلمات ومقدمة يحيى لكتابه عموماً، توضح لنا المنهج الذي وعاه وسار عليه في تأليف هذا الكتاب. فهو لا يريد أن يقدم كتابا نظرياً يناقش ويفلسف الأمور على المستوى النظري البحت،  ويترك للقارئ والدارس إسقاط تلك الأفكار النظرية على الواقع، وهو بالمقابل لا يريد أيضاً أن يقدم عرضا أو نقداً لممارسات عملية سائدة يترك للقارئ استنتاج مرجعياتها وأصولها النظرية… إنه يريد أن يقدم كتاباً يجمع فيه بين خلاصة ممارسته العملية في الصحافة الرقمية خلال أزيد من عقد ونصف العقد من الزمن، وبين الخلاصات النظرية التي استعان بكتب ومراجع كي يعيد إنتاجها، ويربطها بالواقع العملي، من خلال تبويب بسيط وواضح، يعمد إلى إرسال قواعد يسهل فهمها والرجوع إليها، لمن أراد لذلك سبيلا.

الميزة الأهم في هذا الكتاب هي شمولية إلمامه بعالم الصحافة الرقمية، والدخول في كل تفاصيله وتفرعاته ومشكلاته، بدءا من تحديد الجمهور المستهدف إلى العناوين الجاذبة والمثيرة إلى المعالجة الصحفية فالمقدمة والسياق والخلفية، وهذه كلها تدخل في سياق تكوين المادة الصحفية الرقمية، وصولاً إلى قضايا تحيط بها مثل التنوع والسرعة والدقة والصدق والموضوعية. ويمكن أن نضيف إلى ذلك اهتمام المؤلف الحثيث بربط هذا كله بوسائل النشر الرقمية، أي بالسوشال ميديا ومحركات البحث ومعاييرها وما يقيد أو يوسع انتشارها… فهذه المعرفة مهمة جداً حتى بالنسبة للصحفي الرقمي الذي يكتب تقريره ويتعب في إنجاز مادته، ولا يريد أن يُبقي رقبته بيد مسؤولي أقسام السوشال ميديا واجتهاداتهم الساذجة… لأن أساس ازدهار وانحدار الصحافة الرقمية اليوم، هو البحث عن أرقام القراءات والارتهان لها، والتباهي بها في المؤسسات الكبيرة والصغيرة على حد سواء… فكم من خبر سخيف أو مادة تافهة نشرت في مواقع محطات أو مؤسسات إعلامية كبرى،كانت حجة نشرها أنها يمكن أن تحقق مشاهدات، وأن مسؤولي أقسام السوشال ميديا شبه الأميين  الآتين من خارج الكادر الصحفي التحريري غالباً، قد اقترحوها!

وفي هذا السياق يسهب المؤلف بالحديث عن تجربته في إدارة موقع (أورينت نت) دون أي حرج… لكن ملاحظتي على هذا الحديث أنه يأخذ منحى تسويقيا في الغالب يتحدث فيه عن النجاحات فقط، ولا يعرض للمثالب والعيوب والإخفاقات، وهو مثلا عندما يتحدث عن بعض الإخفاقات في منافسة المؤسسات العربية الأكبر تمويلا وعدة وعددا، يربط ذلك بالعقوبات التي كانت تتلقاها بعض التقارير والمواد في الفيسبوك بسبب انتهاك الخصوصية (أي القيود على المحتوى) وهذا أمر يكاد يشبه الحالة الرقابية في الصحافة الورقية، أي أنه شرف لا عيب فيه.

ومن زاوية نقدية في قراءة هذا الكتاب، يمكن القول أنه ينطلق من الممارسة العملية أكثر من المعرفة النظرية،  فمؤلفه يحيى الحاج نعسان وإن كان قد درس الإعلام أكاديمياً، إلا أن انخراطه المبكر في سوق العمل جعله يسترشد بتجربته أكثر من استرشاده بمعرفته النظرية أو حصيلة قراءاته المعمقة والمستمرة في هذا الميدان، ومتابعته لكل جديد نظري يصدر عنه أو فيه، ولهذا حاول أن ينقل هذه التجربة العملية إلى الآخرين بأسلوب تعليمي مبسط، يمكن الاستفادة منه وتطبيقه دون التعمق كثيرا في فهم نظرياته الأساس، لأن هذا الأسلوب التعليمي يقوم على إنتاج القالب / القاعدة، وليس استخلاص أو بناء النظرية التي تنتج في محصلتها النهائية هذه القوالب والقواعد.

لكن يجب ألا ننظر إلى كتاب (القواعد العشرون الذهبية في الصحافة الرقمية) في المحصلة على أنه كتاب تعليمي وكفى… ذلك أن ينطوي في بعده الآخر على عرض التجربة الذاتية للمؤلف في الميدان. وتسويق تجربته عبر ربطها بقواعد ذهبية ناجحة، ومن هنا يمكن أن نفهم لماذا يكثر من استقاء الأمثلة من موقع (أورينت نت) الذي عمل فيه لسنوات محررا ثم مديراً… فالكتاب كما يقول المثل “يضرب عصفورين بحجر واحد”، إنه جهد لمؤلف شغوف وغيور على الصحافة الرقمية يريد أن يوضح القواعد ويقيم الحدود في مجال استخف به المنظرون، وتطاول عليه الناشطون والمتطلفون… وهو يريد في الآن نفسه أن يتحدث عن ذاته وأن يسوق تجربته في شقها الناجح والمثير للاعتزاز الشخصي بالنسبة له، وخصوصاً أنه عمل فيه بدأب وجدية وإخلاص. وباعتباري عملت مشرفا على عمل السيد يحيى سواء كمحرر أو كمدير لبعض الوقت، أشهد أنه كان جدياً على الدوام، ومخلصا على الدوام… ولهذا جاء كتابه هذا ثمرة تلك الجدية وهذا الإخلاص والشغف.

حفل توقيع

دعت مكتبة الأسرة العربية ناشرة كتاب (القواعد الذهبية العشرون في الصحافة الرقمية) رواد معرض اسطنبول التاسع للكتاب العربي، إلى حفل توقيع للكتاب بحضور مؤلفه يحيى الحاج نعسان، وذلك في تمام الساعة الثامنة من مساء يوم السبت العاشر من آب/ أغسطس الجاري، جناح رقم c46

________________________

الكتاب: القواعد العشرون الذهبية في الصحافة الرقمية

المؤلف: يحيى الحاج نعسان

الحجم: 220 صفحة – قطع متوسط

الناشر: مكتبة الأسرة العربية

مكان وتاريخ النشر: إسطنبول 1445-2024

زر الذهاب إلى الأعلى