سوريا الحلم: الرقم والتكاذب… (1)
أسميه الحلم، لأنه ليس ذاك المثير للشفقة أو كي نزدريه ونستخف به، بل ذاك الذي يجعل العقل أرضاً للحرية

مصعب الجندي – العربي القديم
“الحلم إنه النزهة الدائمة في قلب المنطقة المحرمة” _ أندريه بروتون
أسأل نفسي، كم وكم هذا القول بات صحيحاً منذ بدأت أصادر حلمي بكل محرماته وحلاله، ورحت أجيره لهذا الوطن بالذات، حصراً بكل حرائقه والنار (برداً أو لا سلام). وطن أعتبره (في جنوني والعقل) وتحت ضغط الخبرات والتجارب التاريخية والراهنة “منطقة محرمة” كما يريده ذاك الجمع المبهم، أي منطقة لا تعود منطقة صالحة للعيش الطبيعي، فالرغبة منهم أن تبقى الأقدام من كل حدب وصوب تجوس أرضه وروحه وتمعن فيه تنكيلاً وتعذيباً، وتجعله قيد التوقف والتعثر المتواصل؟
لأنهم أرادوه (وقد نكون أردناه)، وطناً محرّماً ممنوعاً لعوامل بكيانه وكينونته الصعبين، شعبه وجغرافيته وتاريخه، ماضيه وحاضره، وموقعه ومكانته، والمكانة في المستقبل أمام ذاته والآخرين. لو كانت تلك الأسباب والعوامل تنتهي بالعدو لسهل الأمر وابتلعناه سكيناً بحدّ وحيد نناور بجروحه، لكن هيهات فهو يشمل الصديق والشقيق والجار… ويا أسانا من ابن الوطن الذي تكتشف أنه ليس شريكاً بالحلم لأنه مريض بمرآة نفسه.
أنا واحدٌ من أولئك المختالين بثقافتهم، أتعامل معها مجرّدة مُستخدماً بعض المراجع التاريخية لأثبت وجهة نظري. أنا مختال مخاتل كغيري، وصورة مقلوبة بصيغة أو أخرى عن كلّ ما حاربته من حقبة التخلف والموت، وما زلت أرتجف غير واثق من كيف أدخل حقبة الحياة…؟ رغم أن الجواب واضح أمتلكه وبين يدي وأيدي جميع المختالين المزهوين بالثقافة… إنه ذاك اللئيم/الطيب…. الرقم…! الرقم الذي يقتل حلمي إن لم أمسكه بجميع أصابعي والمخالب، وإن لم يكن ذاك وأتجنبه أو أدّعي عدم المعرفة، فإن ذاك الرقم يعطيني مكاني الدقيق بين الناس.. والناس بين بعضهم البعض (قطعان… مجرد قطعان) ويتركنا في مستمرين بالتكاذب.
أسميه الحلم، لأنه ليس ذاك المثير للشفقة أو كي نزدريه ونستخف به، بل ذاك الذي يجعل العقل أرضاً للحرية، أرض النوم واللا وعي والخلق والإبداع والخيال، والتي لا يستطيع أي غاشم أن ينتقص منها مسافة عقدة من إصبع ولا أن يمحو منها أفقاً أو قصيدة عاشقة ولا أغنية حنين.
أعتذر لعدم المباشرة (لأنها قادمة مع الرقم)، ولأني أقترف جريمة امتصاص المراحل وليس حرقها…. هكذا أنا أستنشق ملء رئتي حلمي بالوطن…. لأنهض.