فنون وآداب

غسان عبود: رؤية إصلاحية أم خلاف مباشر؟!

الاحتفاء بعبود ليس احتفاءً بقدراته المهنية أو برؤيته الإعلامية، بل بماله وثروته التي يسوّقها تحت غطاء "المبادرة الوطنية"

مرهف مينو* – العربي القديم

لم يكن غريباً أن يخرج رجل الأعمال غسان عبود بتصريحات حادة يهاجم فيها وجود وزارة الإعلام في سوريا، ويصفها بأنها “راسبٌ من رواسب نظام الأسد”. فالرجل الذي بنى إمبراطورية مالية وإعلامية من الخارج، اعتاد أن يوظف خطابه بما يخدم خلافاته الخاصة، وليس بالضرورة بما يخدم النقاش الجاد حول مستقبل الإعلام السوري.

التصريحات التي حاول أن يصبغها بصبغة “إصلاحية” تكشف، عند التدقيق، خلفية شخصية واضحة: خلافه المباشر مع وزير الإعلام الحالي حمزة المصطفى، بعدما تجاهلت الوزارة عروضه المتكررة بالتبرع بمعدات وتجهيزات ضخمة لقنوات الإعلام الرسمي.

وهنا، يبدو أن عبود أراد أن يحوّل إحباطه من رفض الوزارة إلى حملة منظمة ضد المؤسسة ذاتها، عبر القول إن “الدول المتقدمة لا تحتاج وزارة إعلام”. لكن السؤال البديهي: هل هذا الرأي نابع من قناعة مبدئية أم من جرح شخصي؟

الواقع أن دولاً عديدة، بعضها ديمقراطي بالكامل، لديها وزارات أو هيئات رسمية تُعنى بالإعلام والاتصال، لكن عبود يختار أن يتجاهل هذه الحقيقة، ويربط كل وجود لمؤسسة إعلامية رسمية بالإرث السلطوي.

هذه ليست قراءة أكاديمية ولا إصلاحية، بل أقرب إلى تصفية حساب مع وزير إعلام لم يمنحه “البوابة” التي كان يريد الدخول منها إلى الداخل السوري.

المفارقة أن غسان عبود، الذي بنى شهرته على قناة “أورينت” بتمويل مالي ضخم، يجد اليوم احتفاءً واسعاً ليس لأنه قدّم مشروعاً فكرياً أو إعلامياً نوعياً، بل لأنه يملك ملايين الدولارات التي تسمح له بطرح عروض “تبرع” ضخمة، ثم تحويلها إلى ورقة ضغط سياسي وإعلامي حين تُرفض. بكلمات أخرى: الاحتفاء بعبود ليس احتفاءً بقدراته المهنية أو برؤيته الإعلامية، بل بماله وثروته التي يسوّقها تحت غطاء “المبادرة الوطنية”.

إن الاستهداف الواضح في لهجة عبود تجاه وزير الإعلام ليس سوى انعكاس لصراع شخصي على النفوذ والاعتراف. والربط بين ذلك وبين دعوته لإلغاء وزارة الإعلام يكشف هشاشة هذا الطرح، إذ يختزل النقاش المؤسسي الجاد في رغبة رجل أعمال يريد أن يرى اسمه على واجهة المؤسسات الرسمية.

تتمثل مشكلة وزير الإعلام السوري، حمزة المصطفى، مع شريحة واسعة من السوريين في ضعف أداء الوزارة على عدة مستويات. أبرزها ضعف التواصل مع الجمهور، حيث يُنظر إلى الإعلام الرسمي أحيانًا على أنه معزول عن الواقع اليومي ولا يقدم معلومات واضحة وشفافة.

إضافة إلى ذلك، يعاني الإعلام الرسمي من تأخر تحديث البنية التحتية والمعدات، ما يقلل من قدرته على منافسة وسائل الإعلام الخاصة أو الإقليمية ويؤثر سلبًا على مصداقيته، ويتفاقم هذا الوضع بسبب البيروقراطية وضعف متابعة المشاريع.

ويضاف إلى ذلك غضب السوريين من استعراض بعض المؤثرين على المنصات الرسمية، الذين يسيئون إلى مصداقية الإعلام العام ويجعلون من القنوات الرسمية مسرحًا للظهور الشخصي بدل خدمة الجمهور.

ولم يخفف من حدة الاستياء فضيحة الصوت أثناء لقاء الرئيس الشرع، حيث تسبب سوء البث والمشكلات التقنية في إحراج الوزارة أمام الرأي العام، وعكست ضعف التنظيم والتقنيات المستخدمة.

هذه الأحداث مجتمعة تجعل شريحة كبيرة من السوريين تشعر بأن وزارة الإعلام غير قادرة على إدارة القطاع بشكل محترف، وأنها لا تتماشى مع تطلعاتهم لوسائل إعلام جادة ومؤثرة.

في النهاية، إذا كان الهدف هو تطوير الإعلام السوري، فالطريق لا يمر عبر تصفية الحسابات ولا عبر استغلال المال كأداة نفوذ، بل عبر نقاش مؤسساتي عميق يضع مصلحة الجمهور أولاً. أما تحويل الخلافات الشخصية إلى شعارات “إصلاحية”، فهذا لا يخدم الإعلام، بل يرسّخ عقلية التنافس الفردي على حساب المصلحة الوطنية.

______________________________

صحفي سوري – باريس*

زر الذهاب إلى الأعلى