سوريا الحلم (2) هاوية بعد منعطف
الشجاعة تكمن في الاعتراف الواضح والصريح بأن جميع السوريين أصيبوا وما زالوا يصابون

مصعب الجندي – العربي القديم
لا أريد لحلمي أن يكون كـ “الحنين الجنائزي” ولو كان حنيناً إلى نفسه، وإذ أحلم في الوطن الممنوع فإني ألفت بشكل خاص وبإلحاح كامل إلى (الوطن/الدولة/الإنسان) الذي ألامس فيه أرض الواقع الأليم وأستوطنه… هو هذا (الثلاث/أو الثالوث) بالذات مع الرقم (اللئيم/الطيب) المثقوب بفعل فاعل الجاحد الناكر لكل جميل ناله ولا يستحقه، ولمن يدّعي النسيان أن من جعله مثقوباً فقط ليبقيه مبهماً غادر ويترك لكل قاتل وسجّان، ولكل دنيء لا يرى إلا نفسه شريكاً بالحلم وإن صاغه بالعسل من الكلام.
هناك علم اسمه علم الاجتماع السياسي وهو واحد من ركائز ما نطلق عليه (التخطيط الاستراتيجي أو تخطيط قوى الدولة الشامل) والثلاثة لا يستقيمون إلا بالرقم (لئيماً أو طيب) لأنه حياديّ، ولنتوقف عن التكاذب خصوصاً أن لملمة الأرقام سهلة بسيطة في هذا العصر، وإن كذبت بعض المصادر فلّنلملمها جميعها ونستخرج منها المتوسط الحسابي لنكون أقرب إلى الواقع (رغم أن صدق البصيرة يكفي)، وهنا لن أسجل أي رقم بل أتركه لمن يقرأ بلا مخاتلة وتكاذب ويضع يده على رأسه محاولاً الإمساك ببعض ضمير أو بعض حلم.
أقسى الأسئلة (كتلة الشوك في الحلق/الإنسان)، والذي لا تكون (دولة/ وطن) من دون معالجة الحلقات الأضعف والأكثر مأساوية في نسيج مجتمعها، وليس عندي عنوان طائفي أو عرقي فهو لكم، وأكتفي منذ العام 2011 لأن ما قبله أيضاً مخيف، ومن هنا فقط يكون امتصاص المرحلة (أو المراحل) لا حرقها والشجعان فقط يكون حلمهم واقع من نار يرتبون فيه أوضاع من عاشوا الموت لسنين في صيدنايا، أو كيماوي وتحت البراميل أو ما زالوا يبحثون عن عودة غير محمودة لدار مدمر ولا من يعمر، العدالة واللامركزية والتشاركية والمدنية من هنا تبدأ المسألة كحق ومطالبة في وجه أي سلطة، لتكون دولة بلا نصر أو هزيمة، وإن لم تكن فهي مخاتلة ونفاق.
الشجاعة تكمن في الاعتراف الواضح والصريح بأن جميع السوريين أصيبوا وما زالوا يصابون، وهذه الإصابات والمصائب كرقم فردي هي مجردٍ انعكاس بشكل مباشر على الحلقة الضيقة (نكتفي بالعائلة) بكل مُصاب لتشكل مجموعاً رقمياً حزيناً أليماً يدلنا من أين تبدأ الدولة بناسها وأنسها.
أما المخاتلة عند التحليل والتنظير فهي تجنح (من الجنحة وغالباً ترقى للجناية) باتجاه السياسة مع استسهال استخدام مفهوم الدولة هذا إن كانت النيات طيبة واكتفينا بأنها (المسلّة التي تنخز….)، وليست عقلاً عصابياً قطيعياً، لا يرى إلا نفسه في كل حق وعدالة وتشاركية ومدنية وألم ومواجع.
لا يظن أحد أني أبرّئ أحداً، الجميع متهم من القاعدة إلى القمة، والعكس صحيح، وهذا الجميع سقط بفخ الحدث (بقصد وعمد، وقد سقط بعضهم بقلة الحيلة) الذي يستهلك ويكاد يقتل الحلم، حينها لا شعر ولا موسيقى مجرد هاوية بعد منعطف.