الرأي العام

تفاصيل سورية || ذكريات سينما النجوم.. وحادثة التحرش التي أشعلت أنوار الصالة!

بقلم: غسان المفلح 

وعدتكم في مرة سابقة أن أحدثكم عن سينما النجوم، التي تشكل جزءا رئيسا من ذاكرة المخيم والتضامن.

لم يكن صديقي خليل من روادها، كان يقول لي: كويس أنك تخرجت سينمائيا من سينما النجوم. أحسن ما تتخرج من سينما الكندي.

كانت سينما الكندي، الكائنة في منطقة الفردوس في قلب دمشق التجاري الراقي، تتبع لوزارة الثقافة، ومعروفة آنذاك بأنها سينما الأفلام الجادة. وهي السينما التي يرتادها خليل مثله مثل طيف واسع من المثقفين: بعضهم لا يريد الاصطدام بالأسدية، بعضهم لديه نفس معارض إنما غير مهتم بالسياسة، لكنها دوما قبلة المعارضين اليساريين السينمائية. وعلى الرغم من ثقافة خليل الخليل الشاملة إلا أنه كان بعيدا عن الاحتكاك بالأحزاب الموجودة، إلا من زاوية الاطلاع فقط.

 في الحقيقة، ما قاله خليل عن شغفي بالسينما وقراءاتي اللاحقة عنها كان سببها سينما النجوم، ملتقى أغلبية شلل المخيم. وسينما النجوم مع سينما الكرمل (المتخصصة آنذاك بالأفلام الهندية تقريبا) كانا المكان الوحيد المتوفر لممارسة الأطفال والمراهقين هواية ما او شغفا ما خارج حارات الطين والغبار. إضافة إلى أنهما أيضا مكانا يتعارف فيه هؤلاء الصبية والمراهقين على بعضهم بعضا، أو كانوا يتشاجرون على الأمكنة داخلها.

ما يميز سينما النجوم أن النساء والمراهقات لا يدخلن إليها، بخلاف سينما الكرمل التي يمكن للمرء أن يجد في بلكونها عائلات، ولا سيما إذا كان الفيلم الهندي المعروض مشهورا.

لا زلت أذكر فيلم (الزهرة والحجر) الذي شاهدته في سينما الكرمل، ورأيت حينها عائلات جاءت لمشاهدته، هذا لم يحدث أن رأيته قط في سينما النجوم، التي كانت كما يمكن أن يقال عنها بلغة الآن “سينما ذكورية” بامتياز.

كما كانت سينما النجوم مكانا يأتيه بعض الزعران الذين يريدون تشليح بعض الصبية نقودهم. لكن حركتهم كانت محدودة لأن مخفر الشرطة كان فوق صالة السينما مباشرة.

رغم وجود المخفر كانت ساحة السينما في الخارج تشهد معارك مراهقي المخيم. ولكن منذ ذلك الوقت لم يكن أحد يخاف من الشرطة، الخوف كان من المخابرات وممن يرتدون لباسا عسكريا مموها كسرايا الدفاع أو الوحدات الخاصة الذين انتشروا في حي التضامن وفي أول المخيم. أما الشرطة فهم من أهل البيت.

بالمقابل أذكر مرة مسيرة شبه بعثية كان المسؤولون يستعرضونها من على شرفة المخفر. لكننا تركناها ودخلنا سينما النجوم.

 كما شهدت سينما النجوم عام 1986 في ذكرى يوم الأرض تظاهرة اللجان الشعبية ضد النظام، بسبب أنها تقع تحت مخفر الشرطة، السلطة الرسمية العلنية الوحيدة ربما في المخيم في ذلك الوقت.

ولمزيد من التوثيق سألت الصديق زياد زوبعة عن التفاصيل لأنه شارك في تلك المظاهرة، فكان جوابه التالي:

“كان هناك مهرجان للجهة الشعبية على ما أااذكر بسينما النجوم، وطلب منا الحزب- حزب العمل الشيوعي في سورية – أن نحشد قدر ما نستطيع من أوساطنا وأصدقائنا، كي نجهز للمظاهرة وكانت بيوم الأرض آذار 86. قبل ما نجي عالسينما لنحضر المهرجان، وبس يخلص بكون في حشد كبير أثناء الخروج من الصالة ونبدأ المظاهرة. وأنا جاي عالموعد الحزبي بلغني الرفيق عضو ارتباطي بأن الخطة تغيرت، وأن نحن يجب ألا نبادر بالمظاهرة. أنا حقيقة ما عجبني تغيير القرار قبل نص ساعة، خصوصا أنني حشدت كماً لا بأس به من أوساطنا وأمهاتنا. بس طلعنا من السينما، كل الناس عمتتطلع ببعضها، وفورا بادرت بالهتافات ومشيت الناس معي طبعا بشعارات كلها ديمقراطية، واستمرت فترة حوالي ٢٠ دقيقة، أقل أو أكثر شوي، وتم تطويق المظاهرة من الأمن والمخابرات يلي كانوا مجهزين حالهن مسبقا، وكان التركيز لاعتقالي، وأنا قلت 99% رح اعتقل، بس الصبايا لعبوا الدور الأكبر بحمايتي. الضابط المسؤول ما بعرف كيف وصل لي وشنكلني وحاول يقلي خلص انهيها وفل. ضربته على وجهه وأعتقد سقط على الأرض أو كان سيسقط وهربت. طبعا اجتني عقوبة من الحزب، رفضتها وهددت بترك الحزب إذا ما بتلتغى. ومشي الحال، بس للأسف اعتقل بعض الرفاق والصديقات والأصدقاء”. (انتهت شهادة زياد.)

كانت أيضا كما أشار زياد، مكانا لقيام مهرجانات خطابية للفصائل الفلسطينية المتواجدة بالمخيم.

سينما النجوم تاريخ المخيم والتضامن ويلدا وببيلا أيضا. وقلة من أطفال ومراهقي هذه المناطق من لم يأت يوما إلى هذه سينما.

 مع نهاية الصف العاشر تقريبا توقفت عن الذهاب إلى سينما النجوم هذه.

بقي أن أذكر ما كان يحدث في سينما النجوم. سينما النجوم التي كانت ملاذ المراهقين الذين يدخلونها من أجل أن يروا مشهد عري عابر. أو أن يقلدوا بطلا من أبطال الآكشن في أفلام الغرب الأمريكي والمصارعة الرومانية وضرب السيف بأفلام هرقل.

من جهة أخرى كانت هذه السينما ملاذا لبعض الشاذين من الرجال الذين يأتون إليها ليوقعوا بطفل أو مراهق صغير بالمال أو غيره من أجل ممارسة الجنس معه، رغم أن مخفر الشرطة فوق الصالة. هذا الأمر كان منتشراً في صالات العرض الرخيصة في دمشق كلها، والمختصة بأفلام الاكشن وغيرها. وقد شاهدت أنا وأصدقائي حادثة من هذا النوع لأول مرة وفاجأتنا:

فجأة وفي منتصف الفيلم علا صراخ مراهقين، وانهالا ضرباً على رجل كان يجلس بجانبهما ويشتمانه! عرفنا فيما بعد أنه حاول التحرش بواحد منهم. اشعلت الأنوار في الصالة. وحاول الرجل أن يهرب، لكنه فشل في ذلك، وجاءت الشرطة وأخذته وأخذت معه المراهقين.

عندها عرفنا قصص المتحرشين والشاذين وقصصها في صالات السينما. صرنا حذرين بعد ذلك هههه.

هذه قصة سينما النجوم في ذاكرتي..

زر الذهاب إلى الأعلى