أرشيف المجلة الشهرية

حسام ذيب: مؤسس كتيبة فدائيي بني معروف في غوطة الشام

كان يؤمن بانتصار الثورة، لكن ظروف الحصار والتضييق، وصراع الفصائل دفعه لمغادرة سوريا بعد رحلة محفوفة بالمخاطر

رامي زين الدين – العربي القديم

“ولم نزل نحيا كأن الموت يخطئنا.. فنحن القادرون على التذكر.. قادرون على التحرر”..  بهذه الأبيات من قصيدة الشاعر الراحل محمود درويش “ما زلت حياً”، ختم الثائر الراحل حسام ذيب ابن السويداء رحلته في قتال نظام الأسد لسنوات في غوطة دمشق، إلى أن خطفه الموت بشكل صادم في حادث سيارة بين ألمانيا والنمسا، خلال يونيو حزيران 2015، فكان الثائر الذي تغرّب عن وطنه، شهيد الغربة وشهيد الثورة، التي لولا انتماؤه لها والقتال من أجلها، لما اضطر لمغادرة البلاد التي أحب.

في مطلع ذلك الشهر، علمت بوفاة حسام باتصال من الصديق الدكتور نظام محسن، خلال وجودي في العمل، كان أكثر خبر صاعق تلقيته في حياتي، فكّرت: كيف يمكن لإنسان نجا من الموت في المعتقلات، ونجا من براميل وصواريخ ورصاص قوات النظام، وحتى من القصف بالكيماوي على غوطة دمشق، أن يقضي بحادث أول ما وطئت قدماه بلاد اللجوء!

تذكرت فوراً حديثي الأخير مع حسام قبل رحيله بمدة قصيرة، عندما أخبرني أن كل ما يريده بعد انتصار الثورة، هو “تقبيل يد أمه، والزواج من حبيبته”. كان يؤمن بانتصار الثورة، لكن ظروف الحصار والتضييق، وصراع الفصائل دفعه لمغادرة سوريا بعد رحلة محفوفة بالمخاطر إلى دمشق ثم الشمال، ثم دخول تركيا، والإبحار بقارب إلى اليونان.

قبل مارس آذار 2011 ، كان حسام ذيب يعمل في مجال خدمات الكمبيوتر، وعندما هبّت رياح الربيع العربي، انضم إلى الحراك السلمي، منذ أول صرخة حرية، أشعلها أطفال درعا، وشارك في العديد من احتجاجات دمشق وريفها، حتى اعتقل نهاية حزيران يونيو 2011 لمدة شهر من قبل الأمن العسكري، ليعاود نشاطه بعد الإفراج عنه، متفرغاً بداية للعمل في المجال الطبي والإغاثي والإعلامي.

وفي بداية 2012، تعرض منزل حسام للمداهمة أكثر من مرة، ما دفعه للهروب إلى حي التضامن، ونتيجة الملاحقات المستمرة من الأجهزة الأمنية، قرّر الانتقال إلى غوطة  دمشق والإقامة فيها، حيث نشط في عمليات الإغاثة، ثمّ تسلّم المكتب الإعلامي في عين ترما.

بعد أن اضطر السوريون إلى حمل السلاح دفاعاً عن أنفسهم من جرائم نظام الأسد، اختار حسام  الانضمام إلى كتيبة (الشيخ علي الدقر)، التابعة للجيش الحر، وعندما تعرضت الغوطة لاجتياح من قبل قوات النظام في آب أغسطس 2012، انسحب مع المقاتلين إلى ناحية (العبّادة)، بسبب انتهاء الذخيرة، ثم انتقل إلى (سقبا)، وشارك في ضرب 4 حواجز على المتحلق الجنوبي بعد نهاية شهر رمضان.

توجه (أبو أيهم) كما كان يُلقّب إلى مركز عمليات (عين ترما)، وكان المقاتل الوحيد من الطائفة الدرزية في المنطقة، حيث انضم إلى (لواء جِلّق)، وفي مطلع 2013، أعلن تشكيل كتيبة (فدائيي بني معروف)، وكانت تضم 17 مقاتلاً، بغرض إظهار نشاط عسكري لأبناء السويداء في ظل انعدام إمكانية تحقيق ذلك في السويداء آنذاك.

كانت الكتيبة تتبع للمجلس العسكري في السويداء، لكن بسبب قلة الدعم والتنسيق، أعلن فك الارتباط بالمجلس، وتأسيس (كتيبة يوسف العظمة)، ثم انخرط ورفاقه في كتيبة المدفعية التابعة لـ”اللواء الأول” بالعاصمة دمشق، واشتهر حسام بدوره في صناعة المدافع والصواريخ والقذائف المحليّة، التي كانت رغم قلّة الإمكانيات تقف سداً منيعاً أمام إرهاب قوات الأسد.

عانى حسام ذيب طيلة تواجده في ريف دمشق من نقص الدعم، بل وانعدامه في فترات كثيرة، لكنه لم يستسلم، لإيمانه بالثورة من جهة، ولرغبته بوجود تمثيل لأبناء السويداء إلى جانب أهالي المناطق المحاصرة، ولطالما كان يؤكد خلال تواصلنا أن ما يجري في سوريا ليس حرباً طائفية أو مذهبية، إنما ثورة شعب يتوق للحرية ضدّ طغمة حاكمة.

مع تغير الظروف الميدانية والعسكرية في الغوطة الشرقية، وخذلان من يفترض بهم المساعدة والدعم، اضطر أبو أيهم إلى بيع سلاحه كي يسدد الديون التي تراكمت عليه وعلى كتيبته، ورفض الدعم من إحدى الجهات؛ لأنها كانت تريد شراء ولائه.

بعد وصوله إلى تركيا، أبحر حسام  مع مجموعة من اللاجئين في رحلة على متن قاربين، غرق أحدهما بركابه، بينما وصل الآخر الذي كان على متنه، إلا أن حظّه العاثر جعله يقضي في حادث سير بين النمسا وألمانيا، ليختم رحلة نضال طويلة بين يدي الله عزّ وجل.

بعد أن يئست عائلته من مساعدتها بإعادته إلى بلد مجاور، ليدفن قريباً من تراب وطنه، تمّت إجراءات دفن حسام ذيب في مقابر الغرباء على أراضي (النمسا)؛ لأنه لم يكن يملك أوراقاً ثبوتية.

دُفن حسام في مقابر الغرباء على أراضي (النمسا)؛ لأنه لم يكن يملك أوراقاً ثبوتية.. وهكذا انتهت رحلة ثائر ضحّى بكل ما يملك من أجل هدف عظيم، حرية وكرامة شعبه، لتبقى ذكراه خالدة هو وجميع من رحلوا في سنوات الثورة، وهم متمسكون بالأمل.

  _________________________________________

 من مقالات العدد الثامن عشر من (العربي القديم) عدد الاحتفال بالنصر، الخاص بشهداء ثورة القرن – كانون الأول/ ديسمبر 2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى