الرأي العام

خربشة تربوية: الطفل السوري في عالم مفتوح

لو يدرون أن هذا الطفل ليس ملكاً لأحد إلا في مرحلة ما قبل المقدرة على المحاكمة العقلية

مصعب الجندي- العربي القديم

(لا تقسروا أولادكم على آدابكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم)

(لاتربوا أولادكم على أخلاقكم فإنهم خلقوا لغير زمانكم)

(لاتقسروا أولادكم على أخلاقكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم)

(لاتجبروا أولادكم على آثاركم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم)؟

نُسبت تلك الجمل تارة للإمام علي رضي الله عنه، وتارة أخرى لفلاسفة إغريق كأفلاطون، وبعد النَسبْ خضعت للتحوير وللشرح والتأويل كثيراً بحيث تصب في دائرة واحدة أن الطفل هو لزمن غير زمن البالغ والراشد وفي عصور كانت حركة التطور بطيئة رتيبة لأنها لمفكرين وفلاسفة قبل أكثر من ألف وخمسمئة عام على الأقل، امتلكوا البصيرة والحدس بمنحى التطور الإنساني وأثره على البنية الأخلاقية للبشر، وأكاد هنا أن أقول (كل زمان وعصر): مع انتشار صور لأطفال سوريين بمواقف مختلفة كحملهم لبندقية بجوار أعلام، أو الإشارة بأصابعهم لتصرف مقيت، جميعها تُظهر حجم قناعتهم بما لُقنوا كسباً لفرحة المُلقنين، وأتساءل من فوضنا نحن بمختلف فئاتنا (آباء، رجال دين، منظرين سياسيين وعقائديين) أي أُلي الأمر باستغلال ظروف وشروط عامة قد تكون طبيعية أو غير طبيعية لحرمان طفل من طفولته لفرض منظومة أخلاقية تحدد منهج علاقاتهم مع الغير بناءً على تجربتنا نحن والتي هي حكماً ليست تجربته لأنها لم تكتمل. كيف نفعلها (سعداء، تعساء) ونرتكبها كجناية غير مقصودة عن جهل، أو جريمة عن عمد.

لا بأس بالعموميات والمطلقات بالتوجيه غير المباشر بين الخير والشر وبعيداً (ما استطعنا) عن نسبياتها المتبدّلة، حتى لا نشوش هذا الطفل ونحرمه حقه بالاختيار، وإن اعتقدنا خطأها حين اكتمال مقدرته على المحاكمة… لا تقولوا الضرورات التربوية فتلك مدارس جُلّ همها تنشئة طفل حرّ التفكير والتلاقي مع الآخرين… ولا تقولوا الله عزّ وجلّ، فدعوا الخالق في محاسبة البالغين فقط على كفرهم بحق أجمل خلقه (الإنسان) وأنقى خلقه (الطفل)، وإن كفّرني بعضهم هنا فلا بأس، فليس بالزمن البعيد حين وصفتني إحدى الجميلات بالمجنون لأني (السائب في المعاني).

لا أشكك بقسوة ظروف عامة وقهرها التي تُفرض على مجموعة بشرية وتجعل من بنية طفل ما النفسية والأخلاقية مختلفة عن أقرانهم، وفي بلادنا الشامية الأمثلة فاقت الخيال في مدن بالكاد عاش فيها جيل بشكل طبيعي. أطفال ولدوا وعاشوا سنين مع الخوف واليتم والقهر والتشرد والجوع، والأمر الطبيعي هو أن يصبحوا مختلفين عن المألوف (الطفل السعيد المُحب)، وعلى الرغم من ذلك فإن التطور والعالم المفتوح قسراً عنّا وعنهم وعن الظروف، يخفف من حدّية الاختلاف ويقارب بينهم خصوصاً إذا ترافق بوعي وصدق نوايا أصحاب أُلي الأمر. وهنا كنت سعيداً بقرار وزير التربية في تاريخ 29/9 بمنع الأناشيد الموجهة في المدارس، ومنع ترديد أي شعار وأعتبره خطوة في التخلص من تركة طلائع البعث.

الأصل دوماً التعامل الإيجابي مع منحى التطور والعصر كي ينجوا أبناؤنا من استغراقنا في الجهل، ونفوسنا الأمارة بالسوء. لا أرغب في التنظير عمّن يتحمل المسؤولية بهذا الانتهاك بدءاً من مسبةٍ أو لعنة لطفل أو لأهل أو لبيئة، أو فرحة ونشوة لفعل يقوم فيه، وكأننا نحن المنتشون والمنتصرون بحسن التربية والتأديب ومنح المعرفة (القاصرة والمغلقة)، ولو يدرون أن هذا الطفل أو الطفلة ليسا ملكاً لأحد إلا في مرحلة ما قبل المقدرة على المحاكمة العقلية، وعلى الأغلب ما قبل سن السادسة عشر، أما ما بعدها ومع زخم التطور العلمي وتبدّل نمط العيش والحياة السريعين فلن يكون لا الأهل ولا البيئات الاجتماعية ولا المدرسة، والتلقين قادرون على السيطرة عليه وعلى اختياراته ألهم إلا في حالات الصرامة المتبادلة التأثير المُستمر من كل ما ذكرت، كحالة المستوطنين اليهود في مستوطناتهم المغلقة إلا على من كان على شاكلتهم، وحينها بشراً بعقل وأفق وعواطف ومشاعر مغلقة أي ليسوا أسوياء مع العصر والحياة.

لن أذهب بمذهب السياسة والمواقف وإنما بمذهب طفلي الذي لم يكتمل نضجه، ولن يكون لي سيطرة إلا هامشية على هذا الاكتمال، فهل نتمنى أن يأتي يوم ينظر لنا طفل نظرة استغراب أو تساؤل لأننا لم نتمكن أن نلتقي.

زر الذهاب إلى الأعلى