بين الحقيقة والتشويه: الحرب الإعلامية ضد الثورة السورية
براء الجمعة – العربي القديم
في الصراعات تلعب الحرب الإعلامية دوراً لا يقل خطورة عن المعارك على الأرض. وفي الحالة السورية، لم تقتصر الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد ومن يدعمه من القوى الروسية والإيرانية على العنف والإجرام والدمار والقمع، بل امتدت لتشمل حرباً إعلامية نفسية عبر نشر الأخبار المضللة وبث الإشاعات الكاذبة. هذا الأسلوب يشكل جزءاً من استراتيجيات السيطرة وخلق الخوف والتشويش داخل المجتمع السوري والخارجي، بهدف تحقيق أهداف سياسية وعسكرية على حساب الحقيقة والإنسانية.
استراتيجيات نشر الأخبار المضللة:
- التشكيك في الحقائق : يهدف النظام السوري وحلفاؤه إلى تشويه الحقائق حول الجرائم المرتكبة، مثل الهجمات بالأسلحة الكيميائية والمجازر الجماعية، من خلال بث تقارير تهدف إلى زرع الشك وتشتيت الانتباه عن الأدلة الواضحة.
- اختلاق الإشاعات وبث الأخبار المتناقضة: يتم نشر شائعات زائفة ومعلومات متضاربة بهدف إرباك الجمهور، وصرف الانتباه عن القضايا الأساسية، وخلق حالة من الهلع أو فقدان الثقة داخل المجتمع.
- خلق روايات بديلة: تُصنع روايات مضادة للأحداث الحقيقية، مثل الادعاء بأن الهجمات نفذتها المعارضة والفصائل أو أن الضحايا كانوا “إرهابيين”، لتبرير الجرائم وإضعاف الدعم للثورة السورية.
- شيطنة الثورة والمعارضة: تُصوَّر المعارضة والثوار والمدافعين عن حقوق الإنسان على أنهم عملاء لدول أجنبية أو متطرفين يهددون استقرار البلاد، بهدف تقويض شرعيتهم وزيادة العداء تجاههم.
- استغلال وسائل التواصل الاجتماعي: تُستخدم المنصات الاجتماعية لنشر الإشاعات الكاذبة التي تغذي الانقسامات بين فئات الشعب السوري، مع الترويج للخوف واليأس.
- تسويق الأكاذيب على المستوى الدولي: يتم استخدام وسائل الإعلام العربية والعالمية الموالية لنقل روايات مشوهة عن الواقع السوري، مما يؤثر سلبًا على التعاطف والدعم للشعب السوري.
الأثر النفسي للأخبار المضللة والإشاعات
- زيادة القلق والخوف: الأخبار المضللة تُبث بهدف خلق جو من الهلع وعدم الأمان. الإشاعات عن هجمات وشيكة أو انهيار أمني أو اقتصادي تُسبب توترًا نفسيًا دائمًا لدى الأفراد.
- تشتيت الانتباه عن القضايا الحقيقية: يُساهم تشويه الحقائق في إرباك الناس وإبعادهم عن التركيز على المظالم الحقيقية التي تستدعي المواجهة.
- إضعاف الثقة في المؤسسات والإعلام: يؤدي التلاعب بالمعلومات إلى تآكل ثقة الناس في الإعلام، سواء المحلي أو الدولي، مما يجعلهم أكثر عرضة للمتاعب والقلق وانعدام اليقين.
- تعميق الانقسامات الاجتماعية: تُستخدم الإشاعات لتأجيج الانقسامات العرقية والطائفية، مما يزيد من شعور الانعزال والتوتر وحتى العدائية بين مختلف فئات الشعب.
الحاجة إلى مواجهة الحرب الإعلامية
للحد من التأثيرات النفسية السلبية لهذه الحرب الإعلامية، من الضروري:
- تعزيز الوعي الإعلامي: يجب تعليم الأفراد كيفية التحقق من الأخبار ومصادرها، والتعامل النقدي مع المعلومات.
- دعم المنصات الإعلامية المستقلة: تحتاج وسائل الإعلام المستقلة إلى الدعم لنشر الحقائق ومواجهة الروايات الكاذبة.
- توفير الدعم النفسي: يجب تقديم خدمات الدعم النفسي للأشخاص المتأثرين نفسيًا بالإشاعات.
- تعزيز الوحدة الاجتماعية: الوقوف صفًا واحدًا أمام محاولات التفريق بين مكونات المجتمع، والتركيز على القضايا الإنسانية المشتركة.
إن الأخبار المضللة والإشاعات ليست مجرد أدوات للحرب النفسية، بل هي أسلحة تستخدم لقمع الحقيقة وتشويه مسار العدالة وحقوق الإنسان. ومع ذلك، فإن تعزيز الوعي بخطورة هذه الأدوات، وتطوير استراتيجيات فعّالة لمواجهتها، يشكلان خطوة أساسية في حماية المجتمع السوري ودعم تطلعاته نحو الحرية والكرامة. إن التمسك بالمبادئ المدنية العادلة للثورة السورية، مع بناء إعلام مستقل يعتمد على الحقيقة ويكشف زيف الادعاءات، يمثلان قوة دافعة نحو تحقيق العدالة والمساءلة، ويمهدان الطريق نحو مجتمع قائم على الشفافية واحترام حقوق الإنسان.